روسيا تستعد لمعركة قانونية لحماية أصولها الخارجية المجمدة

يعكف المسؤولون الروس على إعداد طعن قانوني لتعطيل أي جهود من جانب الولايات المتحدة أو حلفائها الأوروبيين لمصادرة بعض أصول البنك المركزي المجمدة لصالح أوكرانيا، في تحرك استباقي لما قد تكون عليه هذه المعركة التي لا يستطيع أحد التكهن بنتائجها.
موسكو - يقترب البنك المركزي الروسي حاليا من إبرام اتفاق مع شركات محاماة دولية لتمثيل مصالح البلاد في حالة نشوب مواجهة قضائية في المحاكم بشأن أصوله الخارجية المجمدة.
كشفت مصادر مطلعة على دراية بالأمر لوكالة بلومبرغ أن المسؤولين الروس، الذين يدرسون احتمالية حدوث مصادرة للأموال، انتهوا إلى أنهم لا يرجحون مثل هذه النتيجة.
وأكدت المصادر، التي طلبت عدم الإفصاح عن هوياتها نظرا لأن المعلومات غير معلنة، أن السلطات الروسية كلفت أيضا خبراء بتحليل التشريعات ذات الصلة بالخارج والسوابق المشابهة مع بلدان أخرى.
وبعد فترة قصيرة من غزو روسيا لأوكرانيا، جمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها ما يقارب 300 مليار دولار من أصول المركزي الروسي المحتفظ بها في مؤسسات مالية في الخارج.
كما أدت العقوبات المفروضة على الشخصيات الروسية البارزة إلى تجميد أصول أخرى بنحو 58 مليار دولار، ومنها منازل ويخوت وطائرات خاصة.
ولم يقدم المركزي تحليلا تفصيليا لما تم تجميده، ولكن يمكن الحصول على مخطط تقريبي من الوثائق، التي توضح تفاصيل الحيازات الروسية في بداية عام 2022.
وفي ذلك الوقت، كان البنك الروسي يحتفظ بحوالي 207 مليارات دولار من أصول اليورو، و67 مليار دولار من الأصول بالدولار الأميركي و37 مليار دولار من الأصول بالجنيه البريطاني.
كما كان لديه حيازات تشمل 36 مليار دولار من الين الياباني، و19 مليار دولار بالدولار الكندي، وستة مليارات دولار بالدولار الأسترالي، و1.8 مليار دولار بالدولار السنغافوري. وبلغت حيازات الفرنك السويسري نحو مليار دولار.
وازدادت ضرورة تحرك روسيا لحماية أصولها في الخارج بينما تحتدم المناقشات بين الولايات المتحدة وحلفائها حول مصير الأصول الروسية المحظورة.
ويقول محللون إن هذه المسألة تقع أيضا في دائرة الضوء في ظل انقسامات سياسية بين الأميركيين والأوروبيين تتسبب في حجب ما يفوق 110 مليارات دولار من المساعدات لحكومة كييف.
وأفاد تقرير لبلومبرغ الأسبوع الماضي بأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تدعم حاليا تشريعا سيسمح لها بمصادرة بعض الأصول الروسية، في تحول لموقفها.
ويريد البيت الأبيض أن تتماشى هذه الخطوة مع حلفائه في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، لاسيما في أوروبا، حيث تم تجميد ثلثي الأموال الروسية المصادرة، وحيث كان دعم عملية الاستيلاء، خاصة بشكل منفرد، فاترا.
وردا على تداعيات التحرك المحتمل الذي اتخذه الغرب، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن “روسيا ستطعن عليها أمام القضاء”، وحذّر من أنها قد تتخذ إجراءات انتقامية، بحسب خدمة وكالة تاس الإخبارية التابعة للدولة.
ونُقل عن بيسكوف تأكيده الجمعة الماضي أن ذلك ستترتب عليه تكاليف قضائية وقانونية كبيرة بشدة لمن يتخذون قرارات من هذا النوع.
وكان التحرك في مسار قانوني خيارا طرحه كبار المسؤولين الروس منذ مدة طويلة عقب اندلاع الحرب في شرق أوروبا.
300
مليار دولار حجم أموال المركزي الروسي في العشرات من المؤسسات المالية في الخارج
وصرحت محافظة المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا في يوليو الماضي بأن البنك يقترب من أن يكون مستعدا للطعن على قرار التجميد.
وخلال مقابلة في ديسمبر مع صحيفة آر.بي.سي المحلية، اعتبرت القرار بأنه إشارة سلبية بشدة إلى كافة البنوك المركزية، لأنها تمثل انتهاكا للمبادئ الأساسية لأمن الاحتياطي النقدي.
ويثق المسؤولون المشاركون بالمناقشات في أن بدء إجراءات التقاضي بالمحاكم سيمنع أي تحويل للأموال إلى أوكرانيا حتى لو كانت روسيا غير قادرة على انتزاع السيطرة على الأموال.
وتتمثل وجهة نظر هؤلاء المسؤولين في أن فرصة الغرب ضئيلة أمام المحكمة، كما أنه لا يملك أسبابا مشروعة ومقنعة للمصادرة، التي استندت إلى تشريعات تم تبنيها بعد عملية التجميد.
وتتطابق مبررات الروس مع التحليل الذي نشرته الشهر الماضي مؤسسة روسكونغرس فاونديشن المدعومة من الدولة، وهي مؤسسة تنموية وتنظم أحداثا كبيرة في روسيا.
وأثبت التقرير، الذي تناول دراسة استقصائية لتجربة تجميد ومصادرة أصول بلدان بداية من العراق حتى كوريا الشمالية، أن المخاطر الحقيقية المتمثلة في إمكانية مصادرة احتياطيات البنك المركزي الروسي ما زالت محدودة.
وأشارت دراسة روسكونغرس إلى أن في ظل غياب تشريع دولي واضح، فإن أي محاولات للاستيلاء على الأصول ستعتمد على قوانين محلية للبلدان التي فرضت عقوبات على روسيا.
وعلى إثر ذلك، ينبغي أن تكون روسيا قادرة على الطعن في القرارات المتعلقة باحتياطاتها المجمدة، ما يقود إلى التقاضي الذي من الممكن أن يستمر لعقود، مع نتائج محتملة غير واضحة، وفق روسكونغرس.
ورجحت الدراسة أن تبقى الأموال محظورة حتى تستقر العلاقات مع روسيا أو طرح تسوية مشتركة، متوقعة أن تسفر الإجراءات الأكثر حزما، فيما يرتبط بالأصول المجمدة، عن تدفق تريليونات الدولارات من الولايات المتحدة إلى بلدان أخرى.
ويعتمد الطعن القانوني لروسيا على ظروف التدابير المتخذة ووجود اتفاقية ثنائية حول حماية الاستثمارات، وفق سيرجي غلاندين، الشريك في شركة بي.جي.بي ليتغيشن في موسكو والمتخصص في قانون الامتثال والجزاءات.
وأوضح غلاندين أن القنوات المحتمل أن تسلكها روسيا يمكن أن تتضمن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي أو المحكمة الابتدائية الأميركية للمقاطعة الجنوبية في نيويورك ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ.
وأكد أن محاولة مصادرة الأصول ستثير نزاعات قضائية متعددة أمام المحاكم لسنوات عديدة، محذرا من حرب مصادرة للأصول ردا على ذلك.
وتاريخيا كانت هناك سوابق لمصادرة الأصول المجمدة لكن طبيعة الظروف الراهنة تعقد أمر تجميد أصول روسيا من قبل الغرب.
وبعد غزو العراق في 2003 وإسقاط الرئيس صدام حسين، أمر الرئيس الأميركي حينها جورج بوش بمصادرة 1.7 مليار دولار من الأموال العراقية المحتفظ بها في بنوك أميركية، وُجه بعض تلك الأموال لدفع رواتب موظفي الحكومة العراقية.
وقبل ذلك بسبع سنوات، صادرت الولايات المتحدة أموالا كوبية واستخدمتها فيما بعد للمساعدة في تعويض عائلات ثلاثة أميركيين لقوا حتفهم بعدما أسقط الجيش الكوبي طائراتهم.