العنف والفوضى يتفشيان في كرة القدم التركية

كرة القدم التركية تعيش على صفيح ساخن بعد سلسلة متتالية من حوادث العنف أدخلت الدوري المحلي في حالة من الفوضى.
الخميس 2023/12/28
إدانة واسعة لحوادث العنف

إسطنبول - تعيش كرة القدم التركية على صفيح ساخن بعد سلسلة متتالية من حوادث العنف أدخلت الدوري المحلي في حالة من الفوضى، ما دعا المراقبين إلى المطالبة باتخاذ إجراءات عاجلة لإصلاح القطاع.

واندلعت أزمة كرة القدم التركية يوم 11 ديسمبر الجاري، بعد أن اعتدى رئيس نادي “أنقرة غوجو” فاروق قوجة على حكم مباراة فريقه أمام ” شيكور ريز سبور” خليل أوموت ميلر بعد نهاية المقابلة. ووجه قوجة لكمة عنيفة إلى ميلر أسقطته أرضا، ثم تعرض الأخير للركل من قبل عدد من الأشخاص الآخرين.

وأثارت صور الهجوم الذي تعرض له الحكم صدمة واسعة في الأوساط الرياضية والسياسية والإعلامية في تركيا، كما أدانت أغلب الأندية المحلية هذا الحادث، وطالبت بمحاسبة المسؤولين وحماية كرة القدم من أعمال العنف.

إثر ذلك، أعلن الاتحاد التركي لكرة القدم تأجيل جميع مباريات الدوري المحلي حتى يوم 19 ديسمبر، فيما أدان رئيس الاتحاد، محمد بويوك أكشي، الهجوم قائلا “ندين بشدة الاعتداء غير الإنساني على الحكم خليل أوموت ميلر (…) وكل من استهدف الحكام وشجع على ارتكاب الجرائم ضدهم فهو شريك في هذا الاعتداء البشع”.

سبب العنف والفوضى في كرة القدم التركية ليس مرتبطا باللاعبين أو المدربين أو الحكام، بل بالمسؤولين عن القطاع

كما أجبر رئيس “أنقرة غوجو” على تقديم استقالته، وتم اعتقاله وحبسه هو وثلاثة أشخاص آخرين بتهمة “الاعتداء على موظف عام أثناء تأدية مهامه”.

شهدت الكرة التركية واحداً من أسوأ الأيام على صعيد الروح الرياضية، إذ هرع رئيس نادي “أنقرة غوجو” فاروق كوكا إلى أرضية الملعب بعد الصافرة، لأن الفريق المنافس “شيكور ريز سبور” سجل هدف التعادل 1 – 1 في الدقيقة 97 من المباراة.

وقام كوكا بلكم الحكم خليل أوموت ميلر، وبعد سقوطه أرضاً انهال عليه بالركلات.

وانتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصرف رئيس نادي العاصمة، وأمر بإيقاف مباريات دوري السوبر التركي بأثر فوري.

وقال وزير العدل يلمز تونك إنه تم فتح تحقيق في الحادثة وتوجيه التهم للأشخاص المسؤولين عن العنف غير المبرر، وإنه تم تكليف قسم شرطة أنقرة بتحديد هوية المتهمين.

وقال وزير الداخلية التركي علي يرلكايا إن كوكا رئيس نادي “أنقرة غوجو” خضع للعلاج بالمستشفى تحت حراسة عناصر من الشرطة، وإن هناك أوامر بالقبض عليه، وأضاف “أنتقد بشدة الهجوم على الحكم خليل أوموت ميلر في نهاية المباراة، حوادث مثل هذه مرفوضة على المستطيل الأخضر الذي هو أرضية للسلام والصداقة. أقدم تمنياتي بالتوفيق للحكم ميلر الذي يمثل تركيا في المحفل الدولي”.

وقال أردوغان “الرياضات تعني السلام والأخوة ولا نسمح بحدوث العنف في الكرة التركية”. فيما عقد اتحاد اللعبة التركي اجتماعاً طارئاً، وأكد رئيس مجلس الإدارة محمد بايوكيشكي دفع كل من تورط في العنف الثمن.

ولم تنته أزمة كرة القدم التركية عند هذا الحد، فيوم استئناف مباريات الدوري المحلي، تم تسجيل حادثة أخرى، عندما انسحب “إسطنبول سبور” من الملعب احتجاجا على التحكيم خلال مباراته ضد “طرابزون سبور”.

وفي سابقة جديدة، اقتحم رئيس “إسطنبول سبور” أكمل فائق ساريالي أوغلو أرضية الملعب في الدقيقة 74 آمرا فريقه بالانسحاب، رغم محاولة اللاعبين وأطر الفريق بإقناع رئيسهم بالعدول عن قراره، في حين كانت النتيجة تشير إلى تقدم “طرابزون سبور” بهدفين لهدف واحد. وجرى إلغاء نتيجة المباراة إثر الحادثة.

وفي اليوم الموالي لانسحاب “إسطنبول سبور”، وثمانية أيام بعد تعنيف الحكم خليل أوموت ميلر، تم تسجيل حادثة جديدة جاءت لتفاقم الوضع. فمساء الأربعاء 20 ديسمبر اندلعت مشاجرة كبيرة خلال مباراة دوري الدرجة الثالثة بين “بورصة سبور” و”ديار بكر سبور” انتهت بفوضى عارمة.

وقبيل بضع دقائق من انتهاء المقابلة، نشبت اشتباكات عنيفة بين لاعبي وأطر ومشجعي الفريقين، مما أدى إلى تدخل أفراد الشرطة وتوقف المباراة، مع طرد خمسة لاعبين.

عنف غير محدود

وفي تعليقها على سلسلة الحوادث المتتالية والمؤسفة التي شهدها الدوري التركي، أكدت وسائل الإعلام المحلية أن ما يقع “يعتبر وصمة عار على جبين الرياضة التركية، ودليلا على وجود مشكلة عميقة في كرة القدم المحلية، وأن هناك حاجة ملحة إلى اتخاذ إجراءات صارمة لوقف هذه الحوادث”.

ودعا الكاتب الرياضي التركي أوغور ميليكي إلى اعتماد “حزمة من التدابير العاجلة لمعالجة الفوضى والعنف المتفشيان في كرة القدم التركية”.

واعتبر ميليكي، في مقال نشرته يومية “حرييت” أن “السبب الرئيسي للفوضى والعنف في كرة القدم التركية ليس مرتبطا باللاعبين أو المدربين، أو الحكام، بل بالمسؤولين عن تدبير القطاع”.

وشدّد على “الحاجة الملحّة لإجراء إصلاحات شاملة، ومراجعة القوانين التأديبية لمنع العنف والفوضى في الرياضة”، مقترحا مراجعة الهيكل الحالي للاتحاد التركي لكرة القدم، والذي يتكون، في نظره، “بشكل أساسي من مقاولي الأندية أو أطر القطاع الخاص البعيدين عن كرة القدم واهتماماتها”.

بدوره أكد رئيس الاتحاد التركي لكرة القدم محمد بويوك أكشي، في تصريح صحفي، أن هدف الاتحاد هو أن تستمر كرة القدم في تركيا بالطريقة الصحيحة ودون أيّ مشاكل.

وفي وقت سابق، أعلن أكشي تأجيل جميع المباريات في البلاد حتى إشعار آخر، على خلفية حادثة ضرب الحكم ميلر.

وأدانت غالبية الأندية التركية والشخصيات الرياضية البارزة الاعتداء على الحكم الدولي ميلر، وطالبوا بمحاسبة المعتدين.

من جهته، أدان رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو، الاعتداء بالضرب على الحكم ميلر. وقال إنفانتينو في بيان “لا مكان للعنف في كرة القدم، سواء داخل الملعب أو خارجه”.

وتابع “ما حدث في مباراة ‘أنقرة غوجو’ و‘ريز سبور’ أمر غير مقبول، ومثل هذه التصرفات ليس لها مكان في الرياضة والمجتمع”.

وشدد إنفانتينو على ضرورة ضمان سلامة الحكام واللاعبين والمشجعين والجهاز الفني في المباريات، داعيا السلطات المعنية إلى ضمان تنفيذ ذلك.

ويتعرض الحكام في تركيا كثيرا لانتقادات من مدربي ورؤساء الأندية بسبب قراراتهم لكن نادرا ما تستهدفهم هجمات عنيفة. والأتراك شغوفون جدا بكرة القدم، وكثيرا ما تقع بسبب ذلك حوادث عنف.

وفي عام 2016، شهدت الملاعب التركية أحداث شغب غريبة لم تعهدها البطولة في الماضي، حيث أقدم المشجعون على اقتحام أرضية الملعب في الكثير من الأحيان للاعتداء على حكم المباراة بسبب قرار يتخذه.

وخلال مباراة جرت في دوري الدرجة الثانية التركي لكرة القدم بين فريقي “كاردمير كارابوك” ونظيره “إيلازيغسبور”، حصل ما لم يكن متوقعاً حين اقتحم أحد المشجعين أرضية الملعب، بعدما انتهى اللقاء بنتيجة التعادل الإيجابي 2 – 2.

في سابقة جديدة اقتحم رئيس "إسطنبول سبور" أكمل فائق ساريالي أوغلو أرضية الملعب في الدقيقة 74 آمرا فريقه بالانسحاب رغم محاولة اللاعبين وأطر الفريق بإقناع رئيسهم بالعدول عن قراره

ودخل المشجع أرضية الملعب وحاول الاعتداء على الحكم، بعدما قذفه بآلة صلبة، لكن الحكم حاول الهرب منه، قبل أن يتدخل رجال الأمن، إلا أن أحد اللاعبين لم يتمالك أعصابه، حين وجه ركلة هوائية إلى وجه المشجع الغاضب.

وشهدت الملاعب التركية حادثة مشابهة في الجولة الماضية بين نادي “فنربخشه” ونظيره “طرابزون سوبر”، والتي انتهت بفوز الأول برباعية نظيفة، واعتدي على الطاقم التحكيمي الذي عاد وتلقى المساعدة الطبية الفورية.

وفي عام 2011، قرر الاتحاد التركي لكرة القدم توقيع عقوبة على الأندية المحلية بمنعها من حضور مشجعيها من الرجال لحضور مباريات كرة القدم المحلية، وذلك في خطوة منه للحد من ظاهرة العنف وشغب الملاعب التي استشرت في الملاعب التركية.

وكان فريق “فنربخشة”، حامل لقب الدوري التركي، أول الأندية التي طالتها هذه العقوبة، وذلك بسبب أعمال الشغب التي تسبب فيها جمهوره في المباراة التي جمعته مع فريق “شاختار” الأوكراني.

ووقع الاتحاد التركي عقوبة على “فنربخشة” بعدم حضور أيّ من الرجال أو الجمهور لمباراتيه الأوليين في الدوري المحلي، قبل أن يخفف العقوبة ويسمح فقط بدخول النساء والأطفال.

وعلى الفور، لبّت جماهير “فنربخشة” النداء، وحضر إلى مباراته أمام “مانيسبابور” أكثر من 41 ألف مشجعة من النساء والأطفال، في مظهر رائع اتسم بالتشجيع المثالي والراقي، حيث وصف مراقبون التشجيع بأنه لم يسبق له مثيل، حيث كانت الصيحات تعلو مع كل هجمة أو تمريرة أو فرصة سانحة للفريق المحلي من حناجر وأفواه النساء والأطفال. وخلال المباراة، أظهر النسوة في المدرجات حالة مساندة لعزيز يلدريم رئيس “فنربخشة” المعتقل حينها بسبب تحقيق يتعلق بتلاعب في نتائج مباريات، حيث ارتدت المشجعات قمصاناً تحمل صوراً له.

ووصفت صحيفة “الغارديان” البريطانية حضور النساء والأطفال بـالغزو الذي غزا ملعب “فنربخشة” في إسطنبول، مشيرة في تقرير لها أن هذا الحضور لم يكن عادياً.

وبات “فنربخشة” التركي أول نادي يمنح النساء والأطفال هذا الشرف لوحدهم، وهو بمثابة حل أمثل لتفادي حوادث الشغب التي تطل بين الفينة والأخرى على ملاعب الكرة العالمية.

16