تزايد الإقبال على رحلات السفاري الخضراء في أفريقيا والنزل الفاخرة تتحول إلى صديقة للبيئة

حماية الحيوانات البرية والحفاظ على بيئتها جوهر "السياحة الناعمة".
السبت 2023/12/23
تنظيم رحلات السفاري أصبح يخضع للأسلوب البيئي

لم تعد المغامرات السياحية التي تلحق الضرر بالبيئة أو الحيوانات غاية الزوار بل أصبح الشباب المشاركون في رحلات السفاري يفضلون السياحة الناعمة التي تهدف إلى حماية الحيوانات البرية والحفاظ على بيئتها. وتعد دولة جنوب أفريقيا رائدة في السياحة البيئية، حيث حققت تحولا بارزا في طريقة تفكير الناس في قطاع السفاري.

كيب تاون - لم تعد رحلات الصيد القديمة في الغابات شائعة في الوقت الحالي، وذلك إذا كان الشخص يتأهب للقيام برحلة سافاري في أدغال أفريقيا.

وبدلا من المغامرات التي عفا عليها الزمن تتحدث الشركات التي تنظم رحلات السفاري عما يعرف باسم “السياحة الناعمة”، حيث لم يعد أي من الزوار يريد القيام بجولة تضم العشرات من المركبات التي تتزاحم من أجل أن تتيح لركابها نظرة قصيرة إلى نمر يجثم في مكان قريب.

وأدت زيادة الوعي بضرورة حماية البيئة، إلى جانب الانتقادات الموجهة للرحلات الجوية المسببة لتلوث الهواء، والمخاوف من تداعيات التغير المناخي، إلى الإضرار بسمعة رحلات السفاري الجماعية.

وفي الوقت الحالي لا يريد محبو مشاهدة الحيوانات في بيئتها الطبيعية أن تؤدي رحلاتهم السياحية إلى الإضرار بها، وأصبحوا يفضلون أن تحول الشركات بعضا من إيراداتها لصالح حماية الحيوانات البرية والحفاظ علي بيئتها.

الوعي بضرورة حماية البيئة وانتقاد الرحلات الجوية المسببة لتلوث الهواء أديا إلى الإضرار بسمعة رحلات السفاري الجماعية

ويلاحظ أن الشباب المشاركين في جولات السفاري بشكل خاص، يطرحون الكثير من الأسئلة قبل أن يحجزوا رحلاتهم، كما يختارون بشكل متزايد الشركات المنظمة للجولات وفقا لمعايير الحفاظ على البيئة، حسب ما تقوله جولي تشيتام مديرة منصة “ويفا”، التي تدعم شركات السياحة المراعية للبيئة.

وتضيف تشيتام أن دولة جنوب أفريقيا تعد رائدة في مجال السياحة البيئية، وترى تحولا بارزا في طريقة تفكير الناس في قطاع السفاري، وأوضحت أن الكثير من شركات تنظيم رحلات السفاري حريصة على مساعدة الزوار من أجل الاستمتاع بالطبيعة، دون إلحاق الضرر بما جاءوا ليشاهدوه. كما أن الشركات تستثمر أموالا في مشروعات بيئية، وتكافح صيد الحيوانات غير المشروع، وتسعى إلى التخلص من الانبعاثات الغازية الملوثة.

وتؤكد تشيتام أن الإقبال تزايد على رحلات السفاري صديقة البيئة، حيث يقيم الزوار داخل أماكن تحافظ على الطبيعة، مما يعني أن النزل أصبحت تشيد من مواد صديقة للبيئة، بدلا من الطرق التي كانت سائدة خلال الفترة الاستعمارية، والتي كانت تعتمد على تشييد المباني من الطوب والإسمنت.

ويقول برينس نجوماني، رئيس إدارة الحفاظ على البيئة بمؤسسة “تسوالو”، “نجد على سبيل المثال أن مخيم تسوالو لوبي الجديد، في صحراء كالهاري بالمنطقة الشمالية من جنوب أفريقيا، أقيم أساسا من الأخشاب المحلية والأقمشة السميكة، وعلى ركائز متينة وتحته ممرات، يمكن أن تجد الحيوانات الصغيرة والزواحف المأوى فيها، وهذا البناء لا يؤثر على التربة”.

ويتم توفير الكهرباء للمخيم عن طريق الطاقة الشمسية، وتستخدم مياه الأمطار في الاستحمام، ولا توجد داخل المخيم عبوات أو أكياس قمامة أو مواد للتغليف بلاستيكية.

ويقدم مطعم المخيم أطباقا موسمية، باستخدام مكونات من الموردين المحليين، على قدر الإمكان.

وتعمل شركات كثيرة، تنتهج الأسلوب البيئي في تنظيم جولات السفاري، على توفير الكهرباء والمياه لكل ضيف، وتستثمر في مشروعات تخدم حماية المناخ.

وتتراوح الخيارات بين إعادة زراعة أشجار الغابات وإتاحة مواقد صديقة للمناخ، للسكان المحليين الفقراء، كما تتيح للضيوف فرصة تقديم تعويضات عن الانبعاثات الكربونية الناجمة عن الرحلات الجوية لزيارة المنطقة.

مغامرات عفا عليها الزمن
مغامرات عفا عليها الزمن

وقد ساعد هذا البرنامج محمية تسوالو، التي تبلغ مساحتها 114 ألف هكتار، على أن تصبح منطقة محمية من الانبعاثات الكربونية، كما تقدم تعويضات عن هذه الانبعاثات، تتجاوز قيمتها ما تنتجه من غازات كربونية.

ومحمية تسوالو جزء من مبادرة “المدى الطويل”، التي أسسها رجل الأعمال الألماني يوخن زايتس، وهي تشمل تحالفا من عشرات المنتجعات الملتزمة بالحفاظ على البيئة والطبيعة.

وتحجز المحمية 13.5 طن من غاز الكربون سنويا، حيث يقول نجوماني، مدير الاستدامة فيها، “نستخدم فقط نحو ربع ما نتلقى تعويضا عنه، والباقي يظل كاحتياطي إيجابي من الكربون”.

والتنقل الكهربائي له أيضا مكانه في هذا العالم الأخضر الجديد، فعلى سبيل المثال يستخدم نزل “تشيتا بلينز” الفاخر بمتنزه كروجر في جنوب أفريقيا الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء والسيارات الكهربائية التي تشحن بطارياتها بالطاقة الشمسية.

ويحول هذا المصدر المتجدد للطاقة دون صدور الكثير من الانبعاثات، كما يقول مدير التسويق بيتر دروس، الذي أوضح أن كل مركبة تستخدم في السفاري بهذه المحمية، وهي ملكية خاصة، تقطع قرابة 32 ألف كيلومتر في العام.

والأفضل من ذلك أن السيارات الكهربائية لا تصدر أصواتا وبالتالي يستطيع الزوار أن يسمعوا بشكل أفضل أصوات الطيور والحيوانات البرية.

وتلفت تشيتام إلى خيارات أخرى أمام الضيوف، منها تفقد المحمية سيرا على الأقدام أو على ظهر الخيول أو باستخدام الدراجات الهوائية، مشيرة إلى أنه لم تعد هناك حاجة إلى احتماء الزوار من الحيوانات داخل السيارات، وإنما يمكنهم الاعتماد على حراس الغابة المدربين، الذين يحملون بنادق محشوة بالرصاص لاستخدامها عند الضرورة.

متعة لا مثيل لها
متعة لا مثيل لها

ويعني هذا أن الزوار يشعرون كما لو أنهم جزء من الطبيعة، وليسوا مجرد مشاهدين لمعالمها. ويقول نجوماني إن “القيام برحلة سفاري سيرا على الأقدام يمنح المرء مفهوما للبرية مختلفا كثيرا عن المفاهيم السائدة، إذ يشعر بأنه صار فجأة في قلب البرية”.

ويركز مجال السياحة بشكل أكبر على تحقيق أرباح، وتقوم الشركات باستغلال الطبيعة، دون تفكير في العواقب التي قد تحدث على المدى البعيد.

وتضيف تشيتام أن الجديد هنا هو أن السياح هم الذين يحركون عجلة التغيير، حيث ينظر الكثيرون منهم إلى المناخ باعتباره العنصر الأساسي عندما يفكرون في حجز الرحلات.

ومن ناحية أخرى نجد أن نزل لوندولوزي بمحمية سابي ساندز، في المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد، يعيد استثمار نسبة مئوية ثابتة من إيراداته السنوية في الحفاظ على البيئة، حيث يدفع كل ضيف بشكل غير مباشر في كل ليلة يقضيها بالنزل مبلغا يستخدم في حماية ستة من وحيد القرن، وللمساعدة على إرسال ثمانية أطفال إلى المدرسة، وتدريب شخص راشد، وفقا لما يقوله الموقع الإلكتروني للنزل.

وقد صارت محمية تسوالو مثالا بارزا على تنظيم رحلات السفاري البيئية. وفي عام 2021 أنفق ملاك المحمية 86 في المئة من إجمالي استثماراتهم في الحفاظ على البيئة وإعادة تأهيل البيئات الطبيعية للطيور والحيوانات ومكافحة الصيد غير المشروع.

كما أن محمية تسوالو موطن مشروع أبحاث حول تغير المناخ يشمل علماء من جامعات من مختلف أنحاء جنوب أفريقيا.

16