الدعم السريع تسيطر على مدن جديدة غرب الجزيرة وسط معارك في القطنية

الخرطوم - بعد بسط سيطرتها على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، واصلت قوات الدعم السريع تمددها وانتشارها في غرب الولاية بدخولها عدداً من المدن والقرى على رأسها مدينتا الحصاحيصا وفداسي دون أن تواجه أي مقاومة تذكر من الجيش.
ويأتي ذلك بعد أن كانت قوات الدعم السريع قد دخلت مدنا وقرى بالجهة الشرقية، بينما تعيش مناطق ومدن عدة في ولايات السودان المختلفة حالة من القلق والخوف والترقب، من اتساع المعارك إلى ولايات أخرى.
والأربعاء، دخلت قوات الدعم السريع الحصاحيصا، ثاني أكبر مدن الجزيرة، وبذلك تكون هذه القوات قد سيطرت على الولاية.
وقالت لجان مقاومة الحصاحيصا (ناشطون)، في بيان صباح الأربعاء، "دخلت قوات الدعم السريع مدينة الحصاحيصا واستولت على رئاسة الشرطة المحلية"، موضحة أن الأمر تم دون اشتباكات لعدم وجود قوات للجيش والشرطة.
وأوضحت اللجان أن قوات الدعم السريع توجد في السوق الكبير بالمدينة وداخل عدد من أحيائها، خاصة الأحياء الطرفية ومحالج مشروع الجزيرة، وهو أكبر مشروع زراعي مروي في قارة أفريقيا وتبلغ مساحته 2.2 مليون فدان (850 كيلومتر مربع).
ونصبت قوات الدعم السريع ارتكازات بمنطقة فداسي الحليماب، بولاية الجزيرة على الطريق الرئيسي الرابط بين الخرطوم ومدينة ود مدني الأربعاء، للقادمين من ولاية الخرطوم.
وأفاد راديو دبنقا نقلا عن مصدر إعلامي من فداسي الحليماب بأن قوات الدعم السريع وصلت الأربعاء إلى مدينة فداسي ونصبوا ارتكازا على طريق الاسفلت قرب كلية علوم الاتصال، ولم يتعرضوا للمواطنين.
وأضاف المصدر أن الكثير من المواطنين رحبوا بقوات الدعم السريع الذين أطلقوا عيارات نارية في الهواء تجاوباً مع المواطنين، دون أن يتعرضوا لأي شخص بسوء.
ومنذ 15 ديسمبر الجاري، انضمت الجزيرة إلى دائرة الحرب، في تطور لم يكن في حسابات السودانيين، وهي الولاية المتاخمة للخرطوم من الجنوب، وذات كثافة سكانية عالية، وكانت قِبلة للنازحين من القتال في الخرطوم.
وفي الأثناء تفاقم الأمر بسيطرة قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني، عاصمة الولاية في 18 ديسمبر الجاري، بعد معارك مع قوة من الجيش استمرت حوالي 4 أيام.
وفي اليوم التالي، أعلن الجيش أن قواته انسحبت من المدينة في اليوم السابق، وأنه "يجري تحقيقا في الأسباب والملابسات التي أدت لانسحاب القوات من مواقعها".
وبسيطرة الدعم السريع على ود مدني، حيث توجد أكبر حامية للجيش، تكون الولاية بالكامل تحت سيطرتها، فدخولها المدن الأخرى ذات الكثافة السكانية الأقل أمر يسير، لعدم وجود قوات كبيرة للجيش بها.
وبالفعل، دخلت قوات الدعم السريع مدن رفاعة، والجنيد، والكاملين، دون مقاومة تذكر، وأخيرا مدينتي الحصاحيصا وفداسي الأربعاء.
ويعيش حوالي 5.9 ملايين نسمة في ولاية الجزيرة، وهي سلة غذاء السودان، بينهم حوالي 700 ألف شخص في ود مدني.
وفرارا من القتال في ولايات أخرى، نزح 500 ألف شخص إلى الجزيرة منذ منتصف أبريل الماضي، بحسب الأمم المتحدة.
وتقول المنظمة الدولية إنه منذ اندلاع القتال في السودان، أصبحت ود مدني مركزا للعمليات الإنسانية في البلاد، إذ تعمل 57 منظمة إنسانية في الولاية.
وأضافت أن "العديد من الفارين يضطرون إلى النزوح للمرة الثانية أو الثالثة منذ بدء النزاع، واضطروا إلى الفرار سيرا على الأقدام؛ بسبب ندرة خيارات النقل المتاحة".
وشددت المنظمة على أنه من غير المستبعد أن يواصل الكثيرون رحلاتهم إلى مدينة الرنك في ولاية أعلى النيل بدولة جنوب السودان، بحثا عن الأمان، مما يؤدي إلى ارتفاع محتمل في تدفقات النازحين إلى جنوب السودان.
وبانتقال المعارك إلى الجزيرة، اتسعت رقعة القتال إذ انضمت الولاية إلى تسع ولايات تشهد اشتباكات مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي، وهي العاصمة الخرطوم وولايات دارفور وكردفان.
إثر الاشتباكات في محيط بلدة القطينة بالنيل الأبيض والأنباء عن سيطرة قوات الدعم السريع على لواء الجيش هناك، سادت مدينة الدويم المجاورة حالة من الهلع وأفرغ السوق من البضائع، وغادر عدد من الأسر المدينة نحو القرى المجاورة.
وعلى وقع التوتر في مدينة كوستي وتواتر الأنباء عن سقوط بلدة القطينة في يد قوات الدعم السريع أصدرت اللجنة الأمنية لمحلية كوستي بياناً ناشدت فيه المواطنين البقاء بمنازلهم وعدم مغادرتها، مؤكدة استقرار الأوضاع بالمدينة.
وفي ولاية سنار يسود القلق المدينة المكتظة بنازحي الجزيرة، إثر أنباء عن تقدم قوات الدعم السريع من جهة الجنوب، وبدأ التجار في نقل بضائعهم من الأسواق لأماكن أخرى، مع تململ لحركة النزوح من المدينة.
ومنذ منتصف ديسمبر الجاري، بدأ الآلاف من السكان والنازحين إلى ود مدني مغادرتها إلى مدن الولايات المجاورة ومنها كوستي في النيل الأبيض وسنار بولاية سنار والقضارف بولاية القضارف.
وتزداد المخاوف من اتساع المعارك إلى ولايات أخرى، إذ تتبقى 8 ولايات فقط تشهد استقرارا، وهي النيل الأبيض (جنوب) وسنار والنيل الأزرق (جنوب شرق) والشمالية ونهر النيل (شمال)، وكسلا والقضارف والبحر الأحمر (شرق).
ولا يستبعد مراقبون أن ينتقل القتال إلى أي من هذه الولايات، في ظل انسداد الأفق السياسي أمام حل سلمي للأزمة، على الرغم من جهود كل من منبر جدة في السعودية والهيئة الحكومية لشرق أفريقيا (إيغاد).
وحذر الكاتب والمحلل السياسي عثمان فضل الله، من أن "الحرب قد تمتد وتقضي على كل السودان إذا لم يحدث وقف إطلاق نار".
وأردف "يمكن أن تثمر جهود إيغاد بأن تجمع بين قائد الجيش عبدالفتاح برهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو ويتوصلا إلى وقف إطلاق النار".
وأعلنت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، برئاسة رئيس الوزراء السابق، عبدالله حمدوك، الشروع الفوري في الاتصال بقيادة الجيش و قوات الدعم السريع والجلوس معهما لضمان اتخاذ حزمة من الترتيبات العاجلة لحماية المدنيين، والوفاء بتعهداتهم في عدم التعرض للمدنيين في مناطق سيطرتهما.
وأكدت "تقدم" تواصلها مع المجتمعين الإقليمي والدولي لدعم جهود الاستجابة للكارثة الإنسانية وجهود الحل السلمي التفاوضي، مشيرة إلى تقدمها بدعوة لعقد جلسات عاجلة لمجلس السلم والأمن الأفريقي ومجلس الأمن لمتابعة التطورات السياسية في البلاد، وتوفير آليات لحماية المدن وإيصال المعونات العاجلة من قبل المؤسسات الدولية بما يشمل إنشاء معسكرات للنزوح الداخلي بحماية دولية مع آليات فعالة لحماية المدنيين وفتح الممرات الإنسانية بإشراف دولي.
وشدد بيان للتنسيقية، في ختام اجتماعاتها بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، على ضرورة توفير ممرات آمنة، وإيصال المساعدات والعودة العاجلة للتفاوض عبر منبر جدة، والاستجابة لمقترح قمة "إيغاد" الطارئة بعقد لقاء مباشر بين القائد العام للجيش وقائد قوات "الدعم السريع"، لوقف غير مشروط لإطلاق النار ومعالجة الكارثة الإنسانية وبدء المسار السياسي بما يفضي لتوافق يطوي صفحة الحروب.
ورداً على بيان للأمين العام لـ"الحركة الإسلامية"، علي كرتي، اتهم ياسر عرمان القيادي في تحالف قوى إعلان "الحرية والتغيير"، كرتي بأنه ينادي بإطالة أمد الحرب متجاهلاً الأوضاع الإنسانية الكارثية للمرضى والنازحين واللاجئين، و"بدا متعطشاً للحرب متفادياً أي إشارة للسلام ومتكئاً على عصاة القوات المسلحة التي كسرها".
وكان الأمين العام لـ"الحركة الإسلامية"، قد بعث رسالة صوتية إلى قيادة الجيش قائلاً، "لن يكسر إرادتنا فقدان معركة، فدماؤنا وأرواحنا نذرناها لله، دفاعاً عن الأرض والعرض"، مطالباً التعجيل بتسليح المستنفرين وحسن قيادتهم، لترتفع رايات النصر في سارية السودان.
وطرحت قيادات ديمقراطية وجمهورية في مجلسي الشيوخ والنواب مشروع قرار في الكونغرس الأميركي يدعو إدارة بايدن إلى تعيين مبعوث خاص في السودان بشكل طارئ.
ويطالب المشروع بتطوير استراتيجية شاملة لفرض عقوبات على طرفي القتال والأطراف التي تزودهم أو تسهل تزويدهم بالسلاح والمواد، واتخاذ خطوات لتسهيل التحقيقات الدولية المرتبطة بالفظاعات لدعم المحاسبة.