الكتب ورسائل الماجستير والدكتوراه تحرق في غزة للتدفئة وإعداد رغيف الخبز

الفلسطينيون لجؤوا للطهي بالطرق القديمة باستخدام الحطب وأوراق الكرتون، إلا أنهم اتجهوا مؤخرا للكتب الثقافية لتحقيق هذا الهدف.
الخميس 2023/12/21
الكتب بدل الحطب

غزة ـ اضطر العشرات من المواطنين إلى حرق الكتب المدرسية والثقافية ورسائل الماجستير والدكتوراه لإشعال النيران وسط نفاد شبه كامل للحطب في بعض المناطق، في ظل الكارثة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة بفعل الحرب وغياب مقومات الحياة ومن بينها غاز الطهي الذي تمنع إسرائيل دخوله إلا مؤخرا وبكميات محدودة.

ومنذ الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي، لجأ الفلسطينيون إلى الطهي بالطرق القديمة باستخدام الحطب وأوراق الكرتون من أجل إشعال النيران بهدف الطهي والتدفئة، إلا أنهم اتجهوا مؤخرا للكتب الثقافية لتحقيق هذا الهدف للاستمرار في الحياة بأقل المقومات.

ومن غالبية مناطق القطاع المكتظة بالسكان خاصة في الجزء الجنوبي، ينبعث الدخان الأسود الكثيف الناجم عن حرق الأوراق، ويتداخل مع دخان القصف الإسرائيلي مسببا ما يصفه المواطنون بـ”ضبابية الرؤية”. كما يسبب الدخان الناجم عن هذه المواد المحترقة، أمراضا في الجهاز التنفسي للمواطنين الذين يجلسون أمامه لساعات طويلة منتظرين لحظة الانتهاء من إعداد الطعام.

ومنذ اندلاع الحرب المدمرة على القطاع، قطعت إسرائيل إمدادات الماء والغذاء والأدوية والكهرباء والوقود عن سكان غزة، وهم نحو 2.3 مليون فلسطيني يعانون بالأساس من أوضاع متدهورة للغاية. وبعد ضغوط أممية ودولية سمحت إسرائيل بدخول مساعدات إنسانية محدودة جدا إلى غزة عبر معبر رفح المصري، والمخصص للمسافرين في المقام الأول.

◙ الفلسطينيون يضحون بكل شيء من أجل العيش
◙ التضحية بكل شيء من أجل الحق في العيش 

وكان القطاع يستقبل يوميا نحو 600 شاحنة من الاحتياجات الصحية والإنسانية، قبل الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر، إلا أن العدد تدنى إلى نحو 100 شاحنة يوميا في أفضل الظروف. ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت 19 ألفا و453 قتيلا فلسطينيا، بالإضافة إلى 52 ألفا و286 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية و”كارثة إنسانية غير مسبوقة”، بحسب مصادر فلسطينية وأممية.

قالت الإعلامية الفلسطينية إسراء المدلل إن والدتها وشقيقيها اضطروا إلى حرق أطروحات الدكتوراه من أجل إعداد رغيف الخبز. وأضافت المدلل، في منشورات لها قبل أيام على وسائل التواصل الاجتماعي، “رسالة الدكتوراه لأمي السيدة نعيمة ولاثنين من أشقائي الدكتورين عبدالله ومحمد، جمعوها هذا الصباح لإحراقها بدلا من الحطب والخشب الذي نفد، من أجل رغيف الخبز وكوب شاي ساخن".

وتابعت "بعد أن خدمت أمي عمرها مع الأمم المتحدة كأول امرأة مديرة المنطقة التعليمية في رفح لوكالة (أونروا)، وبعد أن فتحت بيوت علم وربت أجيالا وأسست نهجا تربويا هو الأول في الشرق الأوسط، تحرق كل رسائلها للماجستير والدكتوراه، وكذلك فعل إخوتي بعد سياسة التجويع التي يطبقها العالم علينا، الكل مسؤول ومتخاذل ومشترك بالجريمة”.

وكذلك فعلت الفلسطينية ربا أسليم، التي اضطرت إلى حرق رسالة الماجستير خاصتها، لإشعال النار من أجل طهي القليل من المعكرونة لأطفالها، التي حصلت عليها كمساعدات. وكلما خفتت حدة النيران التي تشتعل تحت قدر الطعام، تمزق أسليم المزيد من أوراق رسالتها لضمان الاشتعال حتى ينضج الطعام.

وتقول وهي تضيف المزيد من الأوراق للنيران المشتعلة "لم تعد لدينا خيارات، الإنسان احترق بفعل النيران الإسرائيلية، هل سنحزن لأجل هذه الرسائل؟". وتضيف للأناضول، وهي تنظر بحسرة إلى مجهودها الذي استغرق منها أكثر من عام، "هذه الرسالة كانت دائما تشعرني بالفخر، لكن اليوم نحارب التجويع من خلال إشعال النيران بأي وسيلة بعد نفاد الحطب الموجود لدينا، وارتفاع سعر الحطب المتواجد في الأسواق إلى أرقام كبيرة".

◙ الرغيف ولا شيء قبله أو بعده من أجل الحياة
◙ الرغيف ولا شيء قبله أو بعده من أجل الحياة 

في مدينة رفح أقصى جنوبي قطاع غزة، لجأت مجموعة من المواطنين إلى الكتب الثقافية الموجودة في مكتبة "البحرين"، التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" لاستخدامها في إشعال النيران. هذه المكتبة، التي شكلت دائما قبلة للمثقفين والقراء وللأنشطة الثقافية والفكرية، تحولت إلى مصدر للوقود "الورقي" الذي يساهم في إشعال النيران لطهي الطعام. وأفاد شهود عيان يقطنون بالقرب من هذه المكتبة، للأناضول، بأن مجموعة من المواطنين دخلوا قبل أسابيع هذه المكتبة وأخرجوا مجموعات من كتبها لحرقها.

بدوره، قال المدون الفلسطيني حمزة أبوتوهة في منشور على فيسبوك في الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي "مكتبة البحرين المليئة بما لذ وطاب من كتب وموسوعات نشأتُ في أحضانها منذ تأسيسها قبل 13 عاما، مررت بجانبها اليوم فوجدت الناس قد فتحوها وأخذوا كل ما فيها من كتب وأرفف وأخشاب حتى يشعلوا نارا تصنع لهم الخبز بعد انعدام الغاز والوقود".

وأضاف "جلست على ركبتي أبكي على مشهد الكتب والموسوعات التي يحملها الناس للحرق، بعد أن أحرق كثير منهم ملابس لهم لذلك الغرض". وتحتوي مكتبة البحرين التابعة لـ"أونروا"، والتي يتواجد فرعان منها الأول في جباليا شمالي القطاع والثانية في رفح، الآلاف من الكتب كما تضم مختبرا للكمبيوتر وقاعة سينمائية ثلاثية الأبعاد.

◙ فضلا عن أن هذه الكتب التي يتم حرقها تمثل خسارة معرفية إلا أن الدخان المنبعث عنها يسبب مضاعفات صحية خاصة في الجهاز التنفسي

فضلا عن أن هذه الكتب التي يتم حرقها تمثل خسارة معرفية، إلا أن الدخان المنبعث عنها يسبب مضاعفات صحية خاصة في الجهاز التنفسي للأشخاص الذين يجلسون قبالته أو يتعرضون له مباشرة. النازحة أم رائد أبوغالي، التي تعيش في إحدى خيام النزوح قرب الحدود المصرية - الفلسطينية، قالت للأناضول، إنها تشعل النيران بشكل يومي باستخدام الورق المأخوذ من كتب مدرسية.

وأضافت "ابنتي جلبت معها بعض الكتب المدرسية خلال رحلة النزوح من مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة، فاستخدمتها في إشعال النيران لصناعة أكواب الشاي الساخنة، وبعض الطعام وفق ما توفر لديها من مساعدات إنسانية يتم توزيعها". وأوضحت أنها قبل رحلة النزوح، كانت تستخدم الحطب من أجل إشعال النيران، لافتة إلى أن استنشاقها المتكرر لدخان هذه المواد المحترقة أصابها بصعوبة في التنفس.

ويتعذر على أبوغالي التوجه إلى المراكز الصحية أو المستشفيات التي تعمل وفق نظام الطوارئ من أجل تلقي العلاج، معربة عن تخوفها من تفاقم وضعها الصحي. وفي نوفمبر الماضي، حذرت منظمة الصحة العالمية من انتشار الأمراض جراء اكتظاظ النازحين في الملاجئ، وتعطل عمل النظام الصحي في بعض المناطق.

والاثنين، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية، إن استخدام الحكومة الإسرائيلية "تجويع" المدنيين كسلاح في غزة، يعتبر بمثابة "جريمة حرب". وأضافت في تقرير لها "الجيش الإسرائيلي يتعمد منع إيصال المياه والغذاء والوقود، بينما يعرقل عمدا المساعدات الإنسانية، ويجرّف المناطق الزراعية، ويحرم السكان المدنيين من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم".

ومن جهته، قال عمر شاكر، مدير شؤون إسرائيل وفلسطين في المنظمة، "لأكثر من شهرين، تحرم إسرائيل سكان غزة من الغذاء والمياه، وهي سياسة حث عليها مسؤولون إسرائيليون كبار أو أيّدوها، وتعكس نية تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب".

وأضاف "تضاعف الحكومة الإسرائيلية عقابها الجماعي للمدنيين الفلسطينيين ومنع المساعدات الإنسانية باستخدامها القاسي للتجويع كسلاح حرب". وفي السادس من ديسمبر الجاري، أفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، بأن 9 من كل 10 أسر في شمال غزة، وأسرتين من كل ثلاثة في جنوب غزة، أمضت "يوما كاملا وليلة كاملة على الأقل دون طعام"، بحسب التقرير.

◙ محاولة للتكيف مع الظروف الضاغطة
◙ محاولة للتكيف مع الظروف الضاغطة 

16