دخول الدعم السريع ولاية الجزيرة يفتح الطريق إلى شرق السودان

قوات الدعم السريع كانت على دراية دقيقة بخارطة الولاية ولم تجد فيها مقاومة كافية من الجيش.
الأربعاء 2023/12/20
تتالي الهزائم يحشر البرهان في الزاوية

الخرطوم– حققت العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الدعم السريع انتصارات متتالية، وانتقلت إلى مناطق عديدة، مكنتها من السيطرة على عدد من الولايات المهمة في مناطق مختلفة، وتساقط بعضها مثل أحجار الدومينو، وفقد الجيش نفوذه في مراكز حيوية ستكون لها تداعيات على مساري الحرب والسلام في السودان.

ويعد وصول قوات الدعم السريع إلى ود مدني بولاية الجزيرة في وسط البلاد والسيطرة على مفاتيحها الرئيسية هزيمة جديدة للجيش، تُضاف إلى سلسلة من الهزائم الأخرى التي مني بها خلال الفترة الماضية في كل من الخرطوم ونيالا وزالنجي والجنينة وعدة أماكن في الفاشر وجنوب كردفان، ما يفتح الطريق للوصول إلى مدى عسكري أبعد وتهديد وجود قيادة الجيش والحكومة وكبار المسؤولين في شرق السودان.

وعكس البيان الذي أصدره الجيش الثلاثاء حجم الارتباك الذي يعيشه، حيث قال إنه سيجري تحقيقا في انسحاب قواته من عاصمة الجزيرة.

سليمان سري: ما حصل في ولاية الجزيرة أشبه بتسليم وتسلّم للمواقع
سليمان سري: ما حصل في ولاية الجزيرة أشبه بتسليم وتسلّم للمواقع

وأكدت قوات الدعم السريع الثلاثاء أنها عززت وجودها في ولاية الجزيرة، وسيطرت على مقر رئاسة أمانة حكومة الولاية ومقر الفرقة الأولى مشاة ورئاسة قيادة الجيش فيها، وبسطت نفوذها على مدينة ود مدني ووضعت ارتكازات في مداخلها وانتشرت في أحياء القسم الأول المؤدية إلى ولاية سنار المجاورة للجزيرة في جنوب شرق البلاد.

وأصبح نفوذ الجيش الواضح قاصرا حتى الآن على شرق السودان، ولن تكون هذه المنطقة المطلة على البحر الأحمر بمنأى لفترة طويلة عن الحرب في ظل التمدد الجديد في ولاية الجزيرة التي تقع في منتصف الطريق بين الخرطوم والشرق، وتمثل السيطرة عليها أهمية إستراتيجية، وتجعل قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في وضع حرج، فالتقدم على قواته في عدة مناطق يفرغ خطابه من مضمونه وقدرته على هزْم الدعم السريع.

ويقول مراقبون إن التمركز في ولاية الجزيرة جاء سريعا وعبر جهود عسكرية أقل كلفة، ما يعني أن قوات الدعم السريع كانت على دراية دقيقة بخارطة الولاية ولم تجد فيها مقاومة كافية من الجيش للتصدي لها، وفرّت أعداد كبيرة من عناصره من ساحات القتال، ولم ينحز مئات الآلاف من المواطنين إلى الجيش ولم يبذلوا جهدا للدفاع عنه.

ويضيف المراقبون أن المرحلة المقبلة ستكون أسهل عسكريا لقوات الدعم السريع مع استمرار انتصاراتها، وظهور ما يشبه الانهيار في وحدات الجيش، وبدت الكثير من عناصره مستسلمة ولا تملك أدوات الدفاع عن نفسها، بينما تتصرف قيادة الدعم السريع بفطنة عند دخول كل ولاية لطمأنة سكانها وتوفير الأمن والاستقرار ودحض الاتهامات التي تطالها بشأن ارتكاب تجاوزات أو تنفيذ أجندة خفية.

وذكر المحلل السياسي السوداني سليمان سري في حديثه لـ”العرب” أن ما حدث في ولاية الجزيرة أشبه بـ”تسليم وتسلّم للمواقع بين قوات الدعم السريع والجيش الذي ترك مواقعه بعد أن اعتمد على من أسماهم بالمتطوعين ليقودوا القتال بدلاً من عناصره، وظهر ذلك من خلال عمليات الانسحاب التي كانت شاهدة على ترك جميع أسلحة ومعدات الجيش في ولاية الجزيرة، ما يشي بوجود تفاهمات غير معلومة”.

وانسحب أغلب جنود وضباط الجيش السوداني التابعين للفرقة الأولى من الجزيرة واتجهوا نحو ولاية سنار، ونشرت منصات تابعة لقوات الدعم السريع مقاطع فيديو لأعداد كبيرة من جنودها وهم يتجولون في شوارع ود مدني على متن مركبات عسكرية.

وأضاف سري أن سيطرة الدعم السريع على الجزيرة تمهد الطريق للتقدم نحو مناطق عديدة في شرق البلاد، وما حدث يشي بوجود خلافات عميقة بين قياديّي الجيش المؤيدين للدخول في مفاوضات إنهاء الحرب والاتجاه نحو السلام، وبين آخرين يريدون استمرارها، ومن غير المستبعد أن يكون البرهان قصد من وراء تسليم الجزيرة إرسالَ إشارة غاضبة إلى أعوانه تفيد بأن قوات الدعم السريع قريبة منهم إذا لم يستجيبوا للتفاوض والسلام.

ولفت سليمان سري إلى وجود اقتناع بأن الإسلاميين وفلول النظام السابق لديهم نفوذ واسع في أجهزة الدولة يمهد لعملية تطويع الحرب وفقًا لأهدافهم بما يقوّض قيم الثورة السودانية، وقد تجلت معالم هذا المحدد في الاعتداءات المستمرة من جانب أجهزة الاستخبارات العسكرية على المدنيين بدلاً من محاربة قوات الدعم السريع، لأن الهدف إدخال البلاد في فوضى عارمة.

وأكد على أهمية وجود تفاهمات بين قوات الدعم السريع والإدارات الأهلية في ولاية الجزيرة وغيرها من المناطق التي تمت السيطرة عليها.

ودعا بيان للدعم السريع سكان ولاية الجزيرة إلى الشروع فورا في تشكيل لجان مدنية لإدارة ولايتهم، وحث جميع النازحين من الجزيرة على العودة، قائلا “سنعمل للحفاظ على حمايتهم بما يضمن استقرارهم وتأمين وصول المساعدات الإنسانية بتسهيل دخول المنظمات العاملة في الحقل الإنساني”.

وقادت مواقف الجيش ورفضه المطلق لدعوات السلام وإفشاله مفاوضات جدة قوات الدعم السريع إلى تعزيز وجودها في عدد من مناطق ولاية الجزيرة، مؤكدة “ليس لقواتنا رغبة في استبدال الجيش، لكن هناك حاجة ملحة إلى إعادة بنائه على أسس جديدة تباعد بينه وبين السياسة ليكون جيشا لكل السودانيين لا لحزب أو جهة”.

وترسل الإشارة إلى وطنية واحترافية الجيش ومنع تسييسه رسائل تطمين لقوى مدنية في الداخل وقوى معنية بأمر السودان في الخارج، وتقلل الهواجس المصاحبة لانتصارات قوات الدعم السريع والتشكيك في توظيفها لتمكين قيادتها من القفز على السلطة.

واستضافت ود مدني منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي نحو 1.5 مليون من سكان الخرطوم، أقاموا في المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء، وبعد انتقال الصراع إلى المدينة في منتصف ديسمبر الجاري أجبر عدد كبير منهم على الفرار.

وفرضت ولايات سنار والنيل الأبيض ونهر النيل والشمالية والقضارف تدابير أمنية مشددة، شملت حظر تجوال ومنع تجمعات المواطنين، ونفذت الأجهزة الأمنية اعتقالات واسعة طالت عددا من المدنيين، كنوع من الإيحاء بفرض السيطرة.

1