قيس سعيد: الدفع مقابل مغادرة السجن للموقوفين في قضايا الفساد

تونس – يتجه الرئيس التونسي قيس سعيد إلى إصدار مرسوم لتعديل قانون الصلح الجزائي يفرض على رجال الأعمال الموقوفين في قضايا فساد وجرائم مالية دفع الأموال المطالبين بإعادتها مقابل مغادرتهم السجون.
ويأتي التعديل المرتقب في إطار مساعي الرئيس التونسي لاسترجاع المنهوبة للخروج من الأزمة المالية التي تمر بها البلاد حيث يمثل المبلغ أكثر من ضعفي التمويل التي تطالب به تونس من صندوق النقد الدولي والمقدر بنحو 1.9 مليار دولار.
وقبل عام أصدر سعيد مرسوما ينظم "الصلح الجزائي" مع رجال أعمال ملاحقين في جرائم مالية من أجل تسويات تسمح بضخ تعويضات للدولة توجه للاستثمار. لكن تعثر تطبيق المرسوم، لتعقبه بعد ذلك حملة إيقافات.
وتوقع سعيد أن تجمع الدولة نحو 15 مليار دينار (4.75 مليار دولار)، لكن مع اقتراب انتهاء ولايتها، لم تعلن لجنة المصالحة عن أي مبالغ كبيرة تذكر.
ونفّذت السلطات التونسية الشهر الماضي حملة إيقافات متتالية لرجال أعمال لتهم يتعلق أغلبها بشبهات فساد مالي، وقد طالت آخرها رجل الأعمال في قطاع تصنيع الأدوية والرئيس الأسبق لفريق النجم الساحلي رضا شرف الدين.
كما شملت الإيقافات الوزير الأسبق تحت حكم الرئيس الراحل زين العابدين قبل 2011 عبدالرحيم الزواري بسبب شبهات بالتورط في فساد مالي، ورجل الأعمال مروان المبروك أحد أصهار بن علي لتهم تتعلق بارتكاب جرائم مالية.
ويقبع في السجن أيضا منذ سنوات رجال أعمال على صلات بنظام الحكم السابق قبل ثورة 2010، وفشلت جلسات التحكيم التي عرضوها مع الدولة.
وقال سعيد في اجتماع، مع رئيس الحكومة أحمد الحشاني ووزيرة العدل ليلى جفال ووزيرة المالية سهام البوغديري نمصية إنه سيعرض تعديلا في اجتماع مجلس الوزراء المقبل. وفق مقطع فيديو نشرته رئاسة الجمهورية على صفحتها على فيسبوك.
وأضاف في كلمته أنه يتعين على الموقوف أن "يدفع أموال شعب وليخرج من السجن.. تهريب الأموال لا يزال مستمرا.. يريدون تجويع الشعب وخلق المشاكل داخل البلاد".
وشدد على أن "المطلوب منا اليوم تطهير البلاد.. طفح الكيل".
ويردد سعيد في تصريحاته أن الفساد متفش على نطاق واسع في مؤسسات الدولة.
وفي 2021 قدر حجم الأموال التي يطالب باستعادتها من قائمة تضم 460 من رجال أعمال متورطين في جرائم مالية، بـ13.5 مليار دينار تونسي (حوالي 4.5 مليار دولار أميركي) نهبت من المال العام.
وتعاني تونس من نقص في السيولة بخزينة الدولة وانحسار في مصادر التمويل بينما لا يزال اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي معلقا منذ أكثر من عام بسبب خلاف حول حزمة الإصلاحات المطلوبة.
وأوضح سعيد خلال الاجتماع أنه بالإضافة إلى تنقيح المرسوم المتعلق بالصلح الجزائي، سيتم التداول في تنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية المتعلق باستغلال الصفة لتحقيق فائدة لا وجه لها أو الإضرار بالإدارة، والذي قال إن "الكثيرين يتعللون به للتفصي من مسؤولياتهم".
وأضاف أن اللقاء سيخّصص محورا للحديث عن تنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية الذي تم الانتهاء منه وسيتم عرضه على مجلس وزراء في قادم الأيام.
واعتبر أن الفصل 411 من المجلة التجارية المتعلق بجريمة الصك دون رصيد، تمت صياغته سنة 1977 في ظل المد الليبرالي حتى لا تتحمل المؤسسات المالية أي مسؤولية.
وأكد أن السياسات في تلك الفترة كانت أفضل بكثير من السياسات التي شهدتها البلاد لا سيما في السنوات العشر الأخيرة.
وجدد التأكيد أنه "يخوض حربا ضد المفسدين الذين مازالوا حتى اليوم يتخّفون وراء بعض الأشخاص وبعض اللوبيات التي تعمل من خلال عدد من الجمعيات ووسائل الإعلام"، قائلا إن "قرارات يتم اتخاذها من قبل جهة معينة ويتم لاحقا الترويج لها عبر الصحف والبرامج العالمية".
وذكر سعيد أنه يتلقى يوميا عشرات الملفات المتعلقة بالفساد في شتى المجالات، معتبرا أن وصول هذه الملفات من شكاوى وعرائض إلى رئاسة الجمهورية يدل على عدم تحمل المسؤولين سواء على المستوى المركزي أو الجهوي أو المحلي لمسؤولياتهم.
وأكد أنه يتدخل في خصوص هذه الملفات في نطاق القانون ويتم فتح بحث وإحالة الملف على النيابة العامة للقيام بالإجراءات اللازمة.
وتخوض تونس منذ فترة جهودا للتصدي لممارسات الفساد المالي والإداري في المؤسسات، وسط مطالب متجددة من الرئيس سعيّد لتطهير الإدارة ومراجعة التعيينات بعد 2011.
وفي هذا السياق، دعا كل مسؤول منخرط في الفساد وغير متحمل لمسؤولياته إلى المغادرة قبل اتخاذ القرار بإبعاده عن تلك المسؤوليات.
كما جدد الرئيس التونسي انتقاداته لطول مرحلة الاستماعات التي تصل إلى 14 شهرا في بعض القضايا المنشورة رغم وجود أدلة وبراهين تثبت الجريمة، داعيا المحاكم إلى الاكتفاء بتلك الأدلة "حتى لا يتحول الأمر إلى نكران للعدالة".
وقال سعيد إن "البلاد في سباق ضد الساعة لصناعة تاريخ جديد لتونس لكن توجد أطراف برزت مواقفها وخيانتها وعمالتها حينما ارتمت في أحضان الخارج ثم ادعت أنها من جبهة الإنقاذ". في إشارة إلى جبهة الخلاص الوطني بقيادة أحمد نجيب الشابي والتي يعتبرها سياسيون واجهة سياسية لحركة النهضة الإسلامية.
وأكد الرئيس التونسي أنه سيتحمل المسؤولية الجسيمة "رغم المكائد المخططات التي يرتب لها هؤلاء"، مشيرا الى ضرورة تطوير التشريعات التي وضعت خدمة للوبيات والهيئات المالية العالمية.