بايدن يحذّر إسرائيل من خسارة الدعم الدولي لاستهدافها المدنيين في غزة

واشنطن – خرجت الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى العلن الثلاثاء عندما حذر الرئيس الأميركي جو بايدن من أن الدولة العبرية بصدد خسارة الدعم العالمي لحربها ضدّ حركة حماس بسبب قصفها "العشوائي" لقطاع غزّة، ورفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو علنا الخطط الأميركية للقطاع ما بعد الحرب.
وتعكس الانقسامات، التي تم احتواؤها خلف الكواليس حتى الآن، الخلافات المتزايدة بين الحليفين القويين مع تزايد عدد القتلى المدنيين في غزة.
وفي أشدّ انتقاد يوجّهه لنتانياهو منذ الهجوم الذي شنّته حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر وأشعل فتيل الحرب الحالية، قال بايدن خلال فعالية انتخابية في واشنطن إنّه ينبغي على رئيس الوزراء الإسرائيلي "تغيير" موقفه بشأن حلّ الدولتين.
وتمثّل هذه التصريحات خلافا علنيا نادرا بين الجانبين بعد أسابيع كان دعم الرئيس الأميركي فيها لإسرائيل مطلقاً.
وبدوره، أقرّ نتانياهو بوجود "خلاف" مع بايدن بشأن الطريقة التي ينبغي أن يحُكم بها قطاع غزة بعد انتهاء الحرب الراهنة، وقال في تصريح مكتوب الثلاثاء "أود أن أوضح موقفي: لن أسمح لإسرائيل بتكرار خطأ أوسلو".
انطلقت هذه الفكرة ــ إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل ــ في تسعينيات القرن الماضي، مع سلسلة من الاتفاقيات المعروفة باسم اتفاقيات أوسلو، التي أدت، من بين أمور أخرى، إلى إنشاء السلطة الفلسطينية، التي تولت سيطرة جزئية على الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتم طرد السلطة الفلسطينية فعلياً من غزة على يد حماس في عام 2007، لكن إدارة بايدن أوضحت بشكل متزايد أنها تعتقد أن السلطة الفلسطينية يجب أن تستأنف حكم القطاع عندما تنتهي الحرب.
وقال نتنياهو "بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها مدنيونا وجنودنا، لن أسمح بدخول غزة لأولئك الذين يقومون بتعليم الإرهاب ودعم الإرهاب وتمويل الإرهاب". وهي اتهامات وجهها سابقا إلى السلطة الفلسطينية. وأضاف "غزة لن تكون حماستان ولا فتحستان"، في إشارة ليس فقط إلى حماس ولكن أيضا إلى فتح، أكبر فصيل فلسطيني، والذي كان له دور فعال في توقيع اتفاقيات أوسلو، وما زال يسيطر على السلطة الفلسطينية منذ ثلاثة عقود.
وخلال حفل لجمع التبرّعات لحملته الانتخابية في واشنطن، قال بايدن إنّ إسرائيل تحظى اليوم بدعم "أوروبا" و"معظم دول العالم" بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حماس عليها انطلاقاً من غزة.
وأضاف "لكنّهم (الإسرائيليين) بدأوا يفقدون هذا الدعم بسبب القصف العشوائي الذي يحدث".
وأسفر هجوم حماس عن 1200 قتيل معظمهم مدنيون، وفق السلطات الإسرائيلية. كذلك، اختطف مقاتلو حماس حوالي 240 شخصاً اقتادوهم معهم إلى قطاع غزة حيث احتجزوهم رهائن. وما زال 137 من هؤلاء محتجزين في القطاع.
وردًا على الهجوم، توعدت إسرائيل بـ"القضاء" على حماس وهي مذاك تقصف قطاع غزة وتشنّ منذ 27 أكتوبر هجوماً برّياً واسعاً.
وأسفر الردّ الإسرائيلي حتى الآن عن سقوط 18412 قتيلاً في غزة، معظمهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في حكومة حماس.
وفي خطابه، أكّد الرئيس الأميركي أنّه "ليس هناك أيّ شكّ في ضرورة القضاء على حماس".
لكنّه نفى بالمقابل الحجج التي قال إنّ نتانياهو ساقها لتبرير قصف الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، ولا سيّما لجهة قوله إنّ قوات التحالف "سوّت بالأرض" ألمانيا النازية واستخدمت أسلحة نووية ضدّ اليابان خلال الحرب العالمية الثانية.
وأوضح بايدن أنّه قال لنتانياهو إنّه بعد الحرب العالمية الثانية تمّ إنشاء مؤسّسات دولية "للتأكّد من عدم تكرار ذلك مرة أخرى".
كما أكّد الرئيس الأميركي أنّ الولايات المتّحدة ارتكبت "أخطاء" بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
وبالنسبة لبايدن فإنّ أمام نتانياهو الآن "قراراً صعباً يتعيّن عليه اتّخاذه" في ما يتعلّق بحكومته اليمينية المتشدّدة.
وقال الرئيس الأميركي عن رئيس الوزراء الإسرائيلي "إنّه صديق جيّد، لكنّني أعتقد أنّ عليه أن يتغيّر، ومع هذه الحكومة، هذه الحكومة في إسرائيل تجعل من الصعب عليه التحرّك".
وأضاف "هم لا يريدون أيّ شيء يشبه من قريب أو بعيد حلّ الدولتين"، واصفاً حكومة نتانياهو بأنها "أكثر حكومة محافظة في تاريخ إسرائيل".
ومساء الإثنين، خلال حفل في البيت الأبيض بمناسبة "عيد الأنوار" اليهودي، شدّد بايدن على وجوب أن يتوخى الإسرائيليون "الحذر" لأنّ "الرأي العام العالمي يمكن أن يتغيّر في أيّ وقت".
وتدعو الإدارة الأميركية منذ أسابيع إسرائيل إلى توخّي المزيد من الحذر في عملياتها العسكرية في قطاع غزة لتجنّب سقوط ضحايا مدنيين، مؤكّدة أنّ عدد القتلى الفلسطينيين كبير جداً.
وتطرّق الرئيس الأميركي إلى العلاقات التي يسودها غالباً التوتر بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي.
ومساء الإثنين قال بايدن إنّ نتانياهو يضع على مكتبه صورة تجمعهما سوياً عندما كان الرئيس الأميركي سناتوراً شاباً.
وأوضح بايدن أنّه كتب على الصورة العبارة التالية "بيبي (لقب رئيس الوزراء الإسرائيلي)، انا أحبك كثيراً لكنّي لا أوافق على شيء ممّا تقوله".
وأضاف أمام ممثلين عن المجتمع اليهودي تمّت دعوتهم إلى البيت الأبيض "هذا الأمر لا يزال صحيحاً في يومنا هذا".
والثلاثاء، قال نتانياهو عقب محادثة مع بايدن إنّ هناك "خلافاً" بين الجانبين بشأن ما ينبغي القيام به "بعد القضاء على حماس".
وأعرب رئيس الوزراء الإسرائيل عن أمله في "أن نتوصّل إلى اتفاق بهذا الشأن" لكنّه تعهّد "عدم تكرار خطأ أوسلو"، في إشارة إلى اتفاقيات السلام التي أبرمتها الدولة العبرية مع الفلسطينيين.
وكان مسؤولو إدارة بايدن يضغطون على نظرائهم الإسرائيليين في الأسابيع الأخيرة لبدء التخطيط لما يحدث في غزة بمجرد انتهاء الحملة العسكرية، بما في ذلك الإصرار على إبقاء الباب مفتوحا أمام إقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف.
وتقول الولايات المتحدة إنها سترفض أي اقتراح يتضمن السيطرة الإسرائيلية على غزة، وحذرت من تقليص حدود الأراضي الفلسطينية.
وقال مسؤولون أميركيون لشبكة "سي أن أن" الأميركية إن الولايات المتحدة تضغط أيضًا على إسرائيل لفتح معبر كرم أبوسالم الحدودي للسماح لشاحنات المساعدات الإنسانية بالذهاب مباشرة إلى غزة على أساس طارئ.
وسمحت الحكومة الإسرائيلية الثلاثاء بتفتيش شاحنات المساعدات في معبر كرم أبوسالم للمرة الأولى منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر، لكن لا يزال يتعين على هذه الشاحنات العودة عبر مصر قبل دخول غزة عبر معبر رفح. وفي حين أن هذه الخطوة تضاعف قدرة إسرائيل على تفتيش شاحنات المساعدات، إلا أنها لا تحل الاختناق الذي يظهر عند معبر رفح.
وقال المسؤولون الأميركيون إن بايدن أثار القضية مباشرة مع نتنياهو خلال مكالمتهما الأخيرة الأسبوع الماضي. وقال المسؤولون إن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان حث أيضًا نظراءه الإسرائيليين على فتح المعبر بين إسرائيل وغزة قبل وصوله إلى إسرائيل لعقد اجتماعات يوم الخميس.
وقال سوليفان لشبكة "سي أن أن" الثلاثاء، إن "رفح لا تستطيع استيعاب كمية كافية من المساعدات لتلبية احتياجات الشعب الفلسطيني التي تتزايد مع تزايد عدد النازحين".
وأضاف "نحن بحاجة إلى القدرة التي يوفرها معبر كرم أبوسالم - على أساس طارئ - للحصول على المزيد من الغذاء والماء والأدوية والضروريات لتوزيعها على المدنيين الفلسطينيين، ونحن نطرح ذلك بشكل عاجل على الحكومة الإسرائيلية لتقول "نحن وأضاف "نطلب منكم القيام بذلك في أسرع وقت ممكن بسبب طبيعة الوضع الإنساني على الأرض".
ورفضت متحدثة باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي التعليق على الخطوة الأمريكية. وترفض إسرائيل حتى الآن هذه الفكرة. فقد قطعت جميع المساعدات التجارية والإنسانية من إسرائيل إلى غزة منذ أن شنت حماس هجومها المفاجئ في 7 أكتوبر، وتعهدت بقطع كافة العلاقات مع غزة.