مصر تتعاطى بحذر مع مشكلة المهاجرين متفادية خيار الترحيل

القاهرة تقنن الإجراءات تمهيدا للحصول على مساعدات أوروبية سخية.
الثلاثاء 2023/12/12
مرونة مصرية

حسابات سياسية وأخرى مالية تدفع مصر إلى التعاطي بمرونة مع مشكلة المهاجرين على أراضيها، وقد بدأت القاهرة في جملة من الإجراءات من أجل حصر أعدادهم وتوفير قاعدة بيانات تتعلق بهم لدواع مختلفة بينها الاعتبار الأمني.

القاهرة - تعمل الحكومة المصرية على تأمين الجبهة الداخلية من أي اختراقات قد يتسبب فيها تواجد عدد كبير من المهاجرين واللاجئين في البلاد، دون أن يؤدي ذلك إلى خلافات مع جهات دولية بسبب ترحيل الكثير من المتواجدين بلا إقامات شرعية أو دخلوا مصر بلا أوراق ثبوتية.

ومددت الحكومة المصرية فترة توفيق أوضاع وتقنين إقامة الأجانب المقيمين في البلاد بصورة غير شرعية لمدة ثلاثة أشهر إضافية، وأدخلت تعديلا على قانون أصدرته مطلع سبتمبر الماضي تضمن إجراءات تقنين أيضا، وأكدت أن التعامل مع الأجانب يتم وفقًا لما نص عليه القانون في إطار الاتفاقيات الدولية المعمول بها.

وتحقق القاهرة أهدافا عدة بإجراءاتها الأخيرة، لأن مسألة التقنين التام بحاجة إلى وقت أطول وما يهمها هو دفع الأجانب المقيمين بصورة غير شرعية إلى تسجيل بياناتهم في مصلحة الجوازات المصرية ومفوضية اللاجئين بما يساعدها على حصر أعدادهم والتعرف على أماكن إقامتهم، وتسعى لأن تكون جهودها متوافقة مع القوانين الدولية الخاصة بالتعامل مع اللاجئين والنازحين من أماكن الصراعات.

وقال مصدر أمني مطلع، تحدث لـ”العرب”، شريطة عدم ذكر اسمه، إن القاهرة لديها مخاوف من دخول مهاجرين إلى أراضيها بصورة غير شرعية مع استحداث أماكن جديدة للتهريب من خلال منطقة حلايب وشلاتين جنوبا على الحدود مع السودان بعيدا عن المنافذ والمعابر الرسمية بعد أن قيدت مصر مسألة دخول السودانيين.

أيمن نصري: القاهرة تتعامل بقدر من التفاهم مع مشاكل المهاجرين
أيمن نصري: القاهرة تتعامل بقدر من التفاهم مع مشاكل المهاجرين

وأكد المصدر الأمني أن قرارات التقنين أدت إلى اتجاه أعداد كبيرة من المهاجرين إلى مفوضية اللاجئين للتسجيل لديها لإعفائهم من الأموال التي أقرتها الحكومة المصرية، ما يخدم رؤية القاهرة التي تستهدف تكوين قاعدة بيانات عنهم.

وشدد المصدر على أن الأجهزة المعنية بدأت بالفعل في تنفيذ بعض الحملات الأمنية على بعض المناطق المعروف عنها تواجد أعداد كبيرة من اللاجئين، وتستهدف دفع المخالفين إلى تسجيل بياناتهم، فيما أقدمت على ترحيل أعداد قليلة للغاية.

ولا تخلو الإجراءات من رغبة مصرية في ضمان تدفق المساعدات الأوروبية إليها بعد أن أشار الاتحاد الأوروبي إلى تقديم حزمة مساعدات مالية لمصر في صورة استثمارات تصل إلى نحو 10 مليارات دولار، تطال قطاعات الرقمنة والطاقة والزراعة والنقل، إلى جانب اتخاذ سلسلة من الخطوات لتعزيز أمن حدود البلاد ومكافحة التهريب ضمن خطط الشراكة الإستراتيجية الأوروبية مع مصر.

وطالبت الحكومة المصرية مطلع سبتمبر الماضي الأجانب المقيمين في البلاد بصورة غير شرعية بتوفيق أوضاعهم وتقنين إقامتهم شريطة وجود مُستضيف مصري الجنسية، خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بهذا القرار، مُقابل سداد مصروفات إدارية بما يعادل ألف دولار تودع بالحساب المخصص لذلك.

وقال منصور عبدالرحيم، وهو مواطن يمني يقطن في منطقة فيصل بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، إن ما أصدرته القاهرة من قرارات دفع البعض ممن لديهم القدرة المادية إلى الذهاب لتقنين أوضاعهم واستخراج الإقامات الخاصة بهم، فيما اتجه آخرون إلى مفوضية اللاجئين أملا في تسجيلهم ومن ثم لا يكون عليهم الالتزام بإجراءات الحكومة التي تستثني اللاجئين، إلى جانب فئة ثالثة لديها مشكلات مادية وتخشى من مسألة ترحيلها في أي لحظة.

وأضاف عبدالرحيم في تصريح لـ”العرب” أن السفارة اليمنية أفادت بوجود مباحثات مع السلطات المصرية لتقنين الأوضاع دون الحاجة إلى دفع ألف دولار للشخص الواحد، وأن البعض ينتظر تخفيض المبلغ وفي حال لم يكن هناك حل فالمغادرة سوف تكون حتمية.

الأجهزة المعنية بدأت بالفعل في تنفيذ بعض الحملات الأمنية على بعض المناطق المعروف عنها تواجد أعداد كبيرة من اللاجئين، وتستهدف دفع المخالفين إلى تسجيل بياناتهم

وكشف آخر إحصاء أعلنته المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة عن وجود 9 ملايين مهاجر في مصر ينتمون إلى 133 دولة، أبرزها السودان وسوريا والعراق واليمن.

وأكد رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان في جنيف أيمن نصري أن القاهرة تتعامل بقدر من التفاهم والحكمة مع مشاكل المهاجرين وترفض أن تذهب النجاحات السابقة التي حققتها في هذا الملف منفردة هباء، بعد أن لاقت جهودها استحسان المجمع الدولي، ما أدى إلى تحسين علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي.

وأوضح نصري في تصريح لـ”العرب” أن البديل أمام المهاجرين في مصر حال ترحيلهم الذهاب إلى الدول الأوروبية، وتخشى مصر من تغيير الصورة العامة لدى دول الاتحاد عنها وتصبح متهمة بتضييق الخناق على اللاجئين، خاصة أنهم يتواجدون على أراضيها منذ فترة، ما يجعلها تدخل في مقارنات مع دولة مثل تركيا تعاملت بشكل سلبي مع اللاجئين، وقد تخسر القاهرة نقاطا إيجابية أحرزتها في ملف حقوق الإنسان.

وكان تصويت البرلمان الأوروبي بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر مطلع أكتوبر الماضي شاهدا على انقسام بين دول ترى أن هناك تقدما مع أهمية توفير الدعم السخي للقاهرة، وأخرى تصر على أن الحالة الحقوقية المصرية سلبية.

وأشار نصري إلى أن الأزمة المصرية تتمثل في عدم معرفة القاهرة بالأعداد الدقيقة للمهاجرين، ما يؤرق الأجهزة الأمنية التي تعتبر أن ذلك يشكل تهديداً للأمن القومي، وأن انتشارهم في مناطق متفرقة هاجس آخر، كما أن القاهرة تستهدف التأكيد على أنها لن تستطيع أن تستمر في استقبال أعداد كبيرة منهم حيث يمثلون عبئا على الدولة.

Thumbnail

وذكر أيمن نصري في حديثه لـ”العرب” أن التسهيلات التي تقدمها الدولة المصرية بشأن مد آجال تقنين أوضاع الأجانب غير الشرعيين ترتبط بالتطورات الحاصلة في قطاع غزة مع دعم جهات غربية لمخطط توطين الفلسطينيين في سيناء.

وحرصت القاهرة على التأكيد أنها لا تمانع في استضافة لاجئين أو مهاجرين أرغمتهم الصراعات الداخلية في بلادهم على اللجوء إليها، لكن الوضع يختلف بالنسبة للفلسطينيين، حيث ترفض تصفية قضيتهم، فالقبول بالتوطين يفرغ القضية من مضامينها البعيدة.

وترفض القاهرة بشكل مستمر الربط بين استقبالها للملايين من المهاجرين العرب وبين تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وتحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي بشكل علني عن ذلك، معتبرا أن من يتواجدون على الأراضي المصرية بإمكانهم الرجوع إلى بلدانهم في أي لحظة متى انتهت الصراعات، عكس أهالي غزة حاليا.

ويشكل التعديل المصري الخاص بقانون تقنين أوضاع الأجانب وتطبيق المعاهدات الدولية التزاماً بشأن التعامل مع اللاجئين وفقًا لمواثيق الأمم المتحدة واستجابة لمجلس حقوق الإنسان الذي شدد على أهمية تنظيم علاقة اللاجئين بالدولة المصرية على نحو أكبر من خلال قانون مفصل، بما يساعد في تدفق مساعدات مفوضية اللاجئين والتأكيد على أن مصر بيئة آمنة لوصول هذه المساعدات إلى ذويها.

وسيكون تدفق الاستثمارات الأوروبية إلى مصر بحاجة إلى ضمانات تدعم الالتزام بعدم تحول المهاجرين إلى لاجئين يبحثون عن طرق وصول إلى الدول الأوروبية عبر البحر المتوسط، وأن هذا الملف يحتل أولوية في تعامل الاتحاد الأوروبي مع مصر بعد أن اتخذت قرارات جيدة لمنع الهجرة غير الشرعية من أراضيها إلى أوروبا.

2