التجاذبات السياسية بشأن حرب غزة تشوش على الجامعات الأميركية

استقالة رئيسة جامعة بنسلفانيا بعد شهادة اعتبرت معاداة للسامية.
الثلاثاء 2023/12/12
بين حرية التعبير ومعاداة السامية خيط رفيع

الجامعات الأميركية التي يفترض أن تكون محايدة دخلت على خط التجاذبات السياسية بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، ما دفع بعض رؤساء أعرق الجامعات إلى الاستقالة من منصبهم بعد جلسات استجواب في الكونغرس.

واشنطن - وضعت الحرب الإسرائيلية على غزة الجامعات الأميركية أمام وضع غير مسبوق منذ ستينات القرن الماضي بعد أن وجدت نفسها في مواجهة ضغوط سياسية بلغت حد إجراء جلسات استجواب داخل الكونغرس لعمداء كليات مرموقة أدت في نهاية المطاف إلى دفع عدد منهم للاستقالة من مناصبهم بتهم.

وشهدت الجامعات الأميركية خلال الأيام الماضية العديد من التباينات المحيطة بالحرب، ومن بينها جامعة هارفارد المرموقة حيث أثار بيان مؤيد للفلسطينيين وقعته اتحادات طلابية سخط مسؤولين سياسيين اتهم بعضهم تلك المنظمات بمعاداة السامية.

وفي جامعة كولومبيا في نيويورك، والتي تخضع للتحقيق، تم تعليق نشاط منظمتين طلابيتين دعتا إلى وقف إطلاق النار في غزة، واتهمتهما إدارة الجامعة بإلقاء “خطابات تهديد وترهيب”.

وفي جامعة كورنيل، ومقرها في شمال ولاية نيويورك، تم إلغاء الفصول الدراسية في الثالث من نوفمبر الماضي من أجل تهدئة الأجواء في الحرم الجامعي، بعد أن وجه القضاء الفيدرالي لائحة اتهام إلى طالب تلفّظ بإهانات عبر الإنترنت وتهديدات بالقتل ضد زملاء يهود.

وفي جامعة بنسلفانيا تم عرض رسائل معادية للسامية على مبان في الحرم الجامعي في فيلادلفيا الأسبوع الماضي، وفق المؤسسة.

المشرّعة نانسي ميس تقول إن كل رئيس جامعة لا يستطيع إدانة معاداة السامية عليه أن يتقدّم باستقالته أو يطرد

ويرى محللون أن هذا المناخ المشحون يشوش على حياد المرفق الأكاديمي الذي ظل بعيدا عن التجاذبات السياسية منذ حرب فيتنام.

ويكفل الدستور الأميركي حرية التعبير والإدلاء بالرأي، ويستند الكثير من مسؤولي الأحرام الجامعية إلى تقرير لجنة كالفن لعام 1967 في الدفاع عن حرية الطلاب في التعبير عن مواقفهم.

والتقرير الذي أصدرته جامعة شيكاغو في خضم احتجاجات غاضبة ضدّ حرب فيتنام وأعمال شغب على صلة بالحقوق المدنية، خلص إلى أنّ دور الجامعات يجب أن يكون الترويج لتعددية الآراء عوضاً عن اتخاذ موقف بشأن قضايا مثيرة للجدل.

ورغم ذلك أحييت الحرب الإسرائيلية على غزة النقاش مجددا ما يضع الجامعات أمام معادلة دقيقة: حقّ طلابها في التعبير عن آرائهم الداعمة للفلسطينيين وتلبية مطالب مكافحة معاداة السامية.

وتقدّمت رئيسة جامعة بنسلفانيا الأميركية المرموقة إليزابيث ماغيل باستقالتها من منصبها في أعقاب موجة انتقادات واسعة طالتها على خلفية جلسة استماع في الكونغرس بشأن معاداة السامية في جامعات الولايات المتحدة بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس.

مناخ مشحون يشوش على حياد المرفق الأكاديمي الذي ظل بعيدا عن التجاذبات السياسية منذ حرب فيتنام

وأعلن رئيس مجلس أمناء الجامعة سكوت بوك السبت أنّ ماغيل “قدّمت استقالتها بشكل طوعي”. وأكّد متحدث باسم الجامعة أنّ بوك بدوره استقال من منصبه.

وكانت ماغيل واحدة من رئيسات ثلاث جامعات أميركية مرموقة تعرّضن لانتقادات حادة بعد مثولهنّ الأسبوع الماضي أمام الكونغرس في جلسة استماع مخصّصة للبحث في معاداة السامية داخل الجامعات.

وقدّمت الرئيسات الثلاث مطالعات قانونية وأخلاقية مطوّلة وتفادين الإجابة المباشرة عن أسئلة شملت الاستفسار عمّا إذا كانت الدعوة إلى “إبادة اليهود” تشكّل انتهاكاً للقوانين الطالبية في الجامعات.

وأثارت تصريحات ماغيل ورئيسة جامعة هارفارد كلودين غاي ورئيسة “أم آي تي” سالي كورنبلوث انتقادات غاضبة.

وطالب 74 مشرّعاً أميركياً بإقالة الرئيسات الثلاث، بينما اعتبر الحاكم الديمقراطي لولاية بنسلفانيا جوش شابيرو أنّ أداء ماغيل كان “مخزيا”.

وأعلن أحد المتبرعين لجامعة بنسلفانيا سحب دعم بقيمة 100 مليون دولار قدّمه لكلية إدارة الأعمال.

مجموعة من أساتذة هارفارد دعت إلى وضع حدّ للمضايقات في حقّ طلاب وقّعوا عريضة مناهضة لإسرائيل

وخلال جلسة الاستماع سألت إليز ستيفانيك، العضو في الكونغرس، الرئيسات الثلاث عمّا إذا كانت الدعوة إلى “إبادة اليهود” تشكّل مخالفة لقواعد التصرّف في الجامعات. وردّت رئيسة جامعة هارفارد إليزابيث ماغيل بالقول “إذا تحوّل الخطاب إلى تصرّف يمكن أن يكون مضايقة، نعم”.

ومع مواصلة ستيفانيك البحث عن إجابة مباشرة، ردّت ماغيل بالقول إنّ القرار بشأن اعتبار هذا الأمر مضايقة أم لا سيكون مرتبطا بدراسة الحالة لدى وقوعها والسياق الذي حصلت فيه.

وأثارت الإجابة غضب ستيفانيك التي قالت لماغيل “الأمر لا يرتبط بالسياق. الإجابة هي نعم، ولذا عليك الاستقالة”.

وعلّقت ستيفانيك على استقالة ماغيل، وتوجّهت عبر منصة إكس إلى رئيستي هارفارد و”أم آي تي” بدعوتهما إلى “القيام بالأمر الصحيح… العالم يراقب”، في دعوة غير مباشرة لهما إلى الاستقالة.

وقالت المشرّعة الجمهورية في كارولاينا الجنوبية نانسي ميس لشبكة “فوكس نيوز” المحافظة “كل رئيس جامعة في هذا البلد لا يستطيع إدانة معاداة السامية وإبادة اليهود عليه أن يتقدّم باستقالته أو أن يُطرد”. وأضافت أنّ “إسرائيل هي البلد الوحيد في العالم الذي يواجه خطر الإبادة الحقيقية”.

وأتى الإعلان عن استقالة ماغيل غداة تقديم رئيسة جامعة هارفارد كلودين غاي اعتذارا علنيا عن تعليقاتها خلال جلسة الاستماع في الكونغرس.

وقالت في مقابلة نشرتها صحيفة “هارفارد كريمسون” التي ينشرها طلاب الجامعة “أنا آسفة”.

وأضافت “كان يجب أن يكون ذهني حاضراً في تلك اللحظة لأعود إلى الحقيقة التي ترشدني، وهي أنّ الدعوات إلى العنف ضدّ مجتمعنا اليهودي (…) والتهديدات الموجّهة لطلابنا اليهود (…) لا مكان لها في جامعة هارفارد، ولن تمرّ دون أن يتمّ التصدّي لها”.

Thumbnail

وأكد رئيس مجلس أمناء جامعة بنسلفانيا أن ماغيل ارتكبت “زلّة مؤسفة” الثلاثاء، وفق ما نقلت عنه صحيفة الجامعة “ديلي بنسلفانيا”.

وأضاف “لم تكن الثلاثاء كما عهدناها”، معتبراً أنّها “قدّمت إجابة قانونية على سؤال أخلاقي، وهذا كان خاطئا”.

وأعرب عن أسفه لأنّ ذلك نتج عنه “تسجيل مريع مدّته 30 ثانية” غلب على “شهادة امتدّت خمس ساعات”.

وأكد بوك أنّ استقالتها بمفعول فوري، في حين أنّ ماغيل ستبقى في منصبها إلى حين تعيين رئيس بالإنابة. كما أوضح أنّها ستواصل العمل كأستاذة في كلية الحقوق.

وكذلك واجه المسؤولون عن جامعتي كولومبيا في نيويورك وستانفورد في ولاية كاليفورنيا مطالبات بالنأي بأنفسهم بشكل لا لبس فيه عن مجموعات طلابية مؤيدة للفلسطينيين تتّهم إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” في منشورات يتم توزيعها خلال تحركاتها.

وفي المقابل، دعت مجموعة من أساتذة هارفارد إلى وضع حدّ للمضايقات في حقّ طلاب وقّعوا عريضة مناهضة لإسرائيل.

واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ الجالية اليهودية تتصدى لهذا الاتجاه الحالي لمعاداة السامية، قائلًا خلال الاجتماع الحكومي الأسبوعي “الشيء المهمّ الذي يحدث الآن هو أنّ الأصدقاء والزعماء في الجالية اليهودية يرفعون الصوت”.

وأضاف “هذه هي الطريقة الوحيدة لمحاربة معاداة السامية، بكل فخر وشرف وليس برؤوس منحنية”.

6