كفة الهند تميل إلى الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين

نيودلهي - سلط رد الهند على هجوم حماس في السابع من أكتوبر على إسرائيل والحرب التي تلت ذلك بين إسرائيل وحماس الضوء على التحول الملحوظ في العلاقات الثنائية بين الهند وإسرائيل التي حدثت تحت قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
وغرد رئيس الوزراء مودي في 7 أكتوبر قائلاً “أشعر بصدمة عميقة من أنباء الهجمات الارهابية في إسرائيل. أفكارنا وصلواتنا مع الضحايا الأبرياء وعائلاتهم. نحن نتضامن مع إسرائيل في هذه الساعة الصعبة”.
و يقول نيشانك موتواني، وهو باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط وزميل إدوارد س. ماسون في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، إن سرعة وصرامة البيان لم تكن معتادة بالنسبة إلى الهند، وهو ما يسلط الضوء على إعادة توجيه أعمق في سياستها الخارجية في ما يتصل بالأزمة الإقليمية المستمرة.
ويضيف موتواني في تقرير نشره معهد الشرق الأوسط أنه رغم أن وزارة الشؤون الخارجية أكدت على دعم نيودلهي الطويل الأمد لحل الدولتين، فإن هذا الابتعاد ــ المتمثل في الانحياز بحزم إلى جانب إسرائيل ودون الإشارة إلى القضية الفلسطينية ــ يجسد إعلاء الهند لمصالحها الإستراتيجية على المواقف المبدئية.
مودي يرى أن التحول نحو إسرائيل أمر منطقي، لأن الحرب المطولة يمكن أن تعرض مصالح الهند الإستراتيجية للخطر وتبطل الأساس الذي وضعته للاستفادة من المنطقة
ويمثل دعم الهند التاريخي للحقوق الفلسطينية جزءا لا يتجزأ من نضالها من أجل الاستقلال، وهو ما يجعل ميلها الأخير نحو إسرائيل أكثر وضوحا.
وفي عام 1947، صوتت الهند ضد خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين على أسس دينية إلى جانب الدول العربية، مفضلة دولة فيدرالية بدلاً من ذلك مع وضع خاص للقدس، مؤكدة التزامها بالقضية الفلسطينية. واستمر هذا الدعم للدولة الفلسطينية على مر العقود، مع اعتراف الهند بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في عام 1974. وكان التضامن مع فلسطين حجر الزاوية في السياسة الخارجية الهندية، التي تضرب بجذورها في مناهضة الاستعمار ونضالها. ولكن في السنوات الأخيرة، بدأت العلاقة بين الهند وإسرائيل تتغير بشكل ملحوظ.
ورغم أن الهند اعترفت بإسرائيل في عام 1950، فإنها لم تقم علاقات دبلوماسية معها حتى عام 1992. وفي السنوات التالية، اكتسبت العلاقات الثنائية تدريجيا زخما كبيرا، وخاصة في مجالات الزراعة والدفاع والسياحة والتجارة.
وأصبحت الهند أكبر سوق لصادرات إسرائيل الدفاعية، مما أدى إلى إدراك متزايد في نيودلهي بأن تل أبيب حيوية لمصالح الهند الإستراتيجية طويلة المدى. وعلى خلفية العلاقات المزدهرة، تحولت سياسة الهند عندما أصبح مودي أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل في عام 2017. وفي العام التالي، في يناير 2018، استضاف مودي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيودلهي، برفقة وفد تجاري مكون من 130 فردا لتعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية.
الانحياز إلى جانب إسرائيل دون الإشارة إلى القضية الفلسطينية يجسد إعلاء الهند لمصالحها على المواقف المبدئية
ومع اكتساب هذه الزيارات أهمية متزايدة، قام مودي أيضًا بزيارة تاريخية إلى فلسطين بعد شهر من استضافة نتنياهو، مما جعله أول رئيس وزراء هندي يقوم بذلك.
وكانت زيارة مودي إلى رام الله بمثابة التأكيد على دعم الهند الدائم لتحقيق “فلسطين ذات سيادة ومستقلة تعيش في بيئة سلام”. كما عرضت نهج نيودلهي المتوازن، الذي يهدف إلى طمأنة شركائها العرب بأن علاقات الهند الوثيقة مع إسرائيل لن تغير موقفها المبدئي بشأن فلسطين. وفي سياق مماثل، عارضت الهند بشدة اعتراف إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في عام 2017، وصوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أدان هذه الخطوة.
وشهد تضامن الهند التاريخي مع القضية الفلسطينية، والذي شكلته مبادئها المناهضة للاستعمار، تحولا في السنوات الأخيرة. وفي حين تحافظ الهند على دعمها لإقامة الدولة الفلسطينية، فقد عمّقت علاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل، وخاصة في مجالي الدفاع والتجارة.
وبالنسبة إلى مودي، فإن التحول نحو إسرائيل أمر منطقي، لأن الحرب المطولة يمكن أن تعرض مصالح الهند الإستراتيجية للخطر وتبطل الأساس الذي وضعته للاستفادة من المنطقة.
وتظهر السياسة الخارجية الهندية على نحو متزايد ثلاث سمات تجسد الضرورات البنيوية لمصالحها الوطنية: سياسة خارجية مستقلة بقوة، وأهداف إستراتيجية طموحة، وموقف ثابت ضد الإرهاب.

وكان رفض الهند الوقوف في أيّ معسكر بشأن الحرب في أوكرانيا، وخاصة المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، سبباً في تلميع سمعتها كقوة قادرة على تحمل الضغوط السياسية لحملها على الانحياز إلى أحد الجانبين. ويكمن هذا الأمر في علاقات الهند مع إسرائيل، حيث تظهر ثقة نيودلهي المتزايدة أنها تقترب من تل أبيب دون الخوف من حدوث رد فعل سلبي في علاقاتها مع الدول العربية والدول ذات الأغلبية المسلمة.
وتُظهِر الأهداف الإستراتيجية الطموحة للهند أنها لاعب رئيسي في الشؤون العالمية، وأنها تتمتع بالرؤية والإرادة السياسية والثقل الاقتصادي لعرض أفكارها. وعلى جبهة الإرهاب، ونظراً لتاريخها في التعامل مع الهجمات عبر الحدود من الجماعات الإرهابية التي ترعاها باكستان، تنظر الهند إلى إسرائيل كنموذج. لذا، عندما أسفرت هجمات مومباي عام 2008 عن مقتل أكثر من 175 شخصاً، بما في ذلك هجوم استهدف بيت حباد اليهودي، كانت الهند عازمة على تغيير الحسابات لصالحها حتى تتمكن من الرد على الجماعات الإرهابية.
وقد تكثف التحالف بين الهند وإسرائيل على خلفية ضروراتهما الإستراتيجية والأسس المشتركة. ورغم أن الهند أرسلت مساعدات إنسانية إلى فلسطين في 22 أكتوبر، وغرّد مودي عبر تويتر عن صدمته إزاء الخسائر في الأرواح أثناء قصف المستشفى الأهلي في غزة، فقد أظهرت السياسة الخارجية الهندية أنها ستفضل المصالح الوطنية على المواقف المبدئية.
وإذا كان هناك أي شك، فقد امتنعت الهند عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر أكتوبر الماضي، والذي دعا إلى هدنة إنسانية. وهذا ليس مفاجئا، ومن المثير للسخرية أن نتوقع نهجا مختلفا.
ولكن الأمر المختلف هو جرأة الهند والحزم غير المعهود الذي تحركت به في التعامل مع إسرائيل؛ وهذا يؤكد ثقتها في أن سياقها الجيوسياسي وظهورها كلاعب رئيسي في الشؤون العالمية، وخاصة مراقبة الصين، يعني أنها شريك إستراتيجي لا غنى عنه.
ويرى محللون أن الهند تلعب وفق شروطها، حتى لو خففت من موقفها وخطابها الداعم للقضية الفلسطينية.