تونس تحتفل بترسيم إرث ديرلانجي في ذاكرة العالم

سلمت اليونسكو تونس شهادة ترسيم الأرشيف الورقي الموسيقي للبارون ديرلانجي في سجل ذاكرة العالم للمنظمة، وهو ما يدعم الجهود التونسية المتواصلة للتعريف بالتراث المادي وغير المادي محليا ودوليا.
تونس - يحرص القائمون على تهيئة وصيانة قصر الرسام البارون رودولف ديرلانجي، الواقع فوق قمة هضبة سيدي بوسعيد شمال شرق تونس العاصمة، على المحافظة على أثار المستشرق الفرنسي بعد مرور نحو قرن من الزمان. وأفضت تلك الجهود إلى إعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في مايو الماضي عن ترسيم ملف "التراث الموسيقي في أرشيف البارون ديرلانجي" في سجل ذاكرة العالم للمنظمة.
وحرصت اليونسكو على هامش الدورة الثامنة عشرة للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي للمنظمة، التي انعقدت أشغالها خلال الفترة ما بين 4 و9 ديسمبر في كاساني بشمال بوتسوانا، على تسليم شهادة ترسيم الأرشيف الورقي الموسيقي للبارون ديرلانجي إلى تونس. وتسلّمت وزيرة الشؤون الثقافية الدكتورة حياة قطاط القرمازي، الأربعاء الماضي، شهادة الترسيم، خلال حفل بالمناسبة تم تنظيمه بمركز الموسيقى العربية والمتوسطية النجمة الزهراء.
وأكدت وزيرة الثقافية، في كلمة ألقتها بالمناسبة، أن تسجيل الأرشيف الورقي الموسيقي للبارون ديرلانجي في سجل ذاكرة العالم مكسب يَعكس حِرص وزارة الشؤون الثقافية على صون تُراثنا الوطني وتثمينه وتنزيله المكانة اللّائقة به ضمن التراث العالمي والإنساني في بُعديه المادي وغير المادي، ويمثل اعترافا بأهميّته البالغة وبِقيمته الكونيّة والمعرفيّة لفائدة الباحثين في عُلوم الموسيقى التونسية والعربية وتاريخها ومقاماتها.
◙ الاعتراف الدولي يكتسي أهمية بوصفه يحفظ الذاكرة للأجيال القادمة والعمل التشاركي الكبير الذي قامت به مختلف الأطراف المساهمة في تقديم الملف
ويمثّل ما تركه البارون ديرلانجي من وثائق بالغة الأهميّة شاهدًا على عنايته بالموسيقى العربية واهتمامه الكبير بها، وفق حياة قطاط القرمازي، موضحة “هو إرث يضم آلاف الوثائق، مختلفة الشكل والمضمون، استغرق جردها وتوصيفها العلمي ورقمنتها ست سنوات من البحث والعمل بإشراف عدد من الخبراء والباحثين في اختصاصات مختلفة تتوزع بين علوم التوثيق والأرشيف والرقمنة والعلوم الموسيقية".
وتم إعداد ملف التراث الموسيقي في أرشيف البارون ديرلانجي من قبل خبراء مركز الموسيقى العربية والمتوسطية "النجمة الزهراء"، ويختزل الوثائق النادرة المتعلقة بمعرفة أصول الموسيقى التونسية والعربية والمتوسطية. ويحتوي الأرشيف الموسيقي للبارون على عدد هام من الوثائق المتعلقة بعدة أنماط موسيقية.
وشددت وزارة الشؤون الثقافية التونسية في بيان نشرته على صفحتها بفيسبوك في مايو الماضي على أن تسجيل الأرشيف الورقي الموسيقي للبارون ديرلانجي في سجل ذاكرة العالم "يدعم الجهود الوطنية المتواصلة للتعريف بتراثنا المادي وغير المادي محليا ودوليا، ولتثمينه وتعزيز مكانته وإبراز ثرائه وجدارته بالحفظ في ذاكرة التراث العالمي".
وينحدر البارون ديرلانجي (1872-1932) من أصول ألمانية وهو بريطاني الجنسية وفرنسي المولد. واقترنت شهرته الفنية أثناء إقامته في تونس بولعه بالثقافات الشرقية. فديرلانجي يعتبر من الشخصيات الأوروبية التي عاشت في تونس واهتمت كثيرا بقضايا الفن العربي، ولأنه كان عاشقا للموسيقى فقد نمت لديه فكرة إعداد عمل جامع حول الموسيقى العربية بمختلف أنماطها وضروبها، وفكر في وضع مُؤلف موسوعي يؤرّخ للموسيقى العربية.
وشيّد البارون في تونس قصرا يُعرف باسم مركز النجمة الزهراء استغرق بناؤه حوالي عشر سنوات. ولفت مدير مكتب اليونسكو بالرباط إيريك فالت، الذي حضر حفل تسليم الترسيم، إلى أن تسجيل الأرشيف الورقي الموسيقي للبارون ديرلانجي ضمن سجلّ ذاكرة العالم هو الأول من نوعه في المنطقة العربية. وأشاد فالت بإرث ديرلانجي الفني الذي يتضمن تنوعا موسيقيا فريدا من نوعه، مضيفا أن منظمة اليونسكو تسعى من خلال برنامج سجلّ ذاكرة العالم إلى حماية التراث من التدهور والضياع وصونه للأجيال القادمة.
ويرى وزير التربية في تونس محمد علي البوغديري أن هذا الاعتراف الدولي يكتسي أهمية بوصفه يحفظ الذاكرة للأجيال القادمة، مثمنا العمل التشاركي الكبير الذي قامت به مختلف الأطراف المساهمة في تقديم الملف. وتم خلال حفل تسليم شهادة الترسيم تكريم الباحثين والأساتذة المساهمين في الجرد والرقمنة والتوصيف العلمي للأرشيف الورقي، فضلا عن تنظيم معرض لنسخ من مخطوطات ومدوّنات موسيقية من الأرشيف.