مصريو غزة يثيرون جدلا في القاهرة بين حماس وإسرائيل

التدقيق في الهويات لأسباب أمنية بعد سفر متطرفين من سيناء إلى غزة.
الأحد 2023/12/10
العبور يحتاج إلى تدقيق أمني

مصر تشعر بالحرج من حديث عن أنها لا تقبل بعودة المصريين المقيمين في غزة بصفة آلية كما فعلت دول أخرى، وأنها تنسق في تحديد القوائم مع إسرائيل. فالتعاطف مع قطاع غزة لا ينسي القاهرة الاعتبارات التي تخص أمنها القومي خاصة أن كثيرا ممن تبحث عنهم أمنيا فروا إلى غزة واستقروا تحت حماية حماس.

تداولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي قصصا عديدة عقب اندلاع الحرب على غزة بشأن قيام الحكومة المصرية باتخاذ إجراءات صارمة مع مواطنين، رجالا ونساء، حاولوا العودة عبر معبر رفح، وروّجت مواقع إخوانية أن القاهرة رفضت عودة الكثير منهم، ويتراوح عددهم بين ثلاثين وأربعين ألف شخص يقيمون في القطاع منذ سنوات، عدد كبير منهم حصل على الجنسية المصرية نتيجة الزواج.

واكتفت الحكومة بالرد بما يؤكد اهتمامها بالمواطنين وعودتهم بسلام ودون تفرقة، لكن ظلت الشكوك في تعاملها لوضع ضغط آخر عليها، يُضاف إلى ضغوط مواجهة مخطط توطين سكان غزة بسيناء، في وقت لم تكن الظروف الأمنية والمضايقات الإسرائيلية كافية للاقتناع برؤية القاهرة، لأن هناك مواطنين من جنسيات مختلفة خرجوا من معبر رفح وظل الحديث عن المصريين يوحي أن ثمة رفضا رسميا متعمدا لعودتهم.

وانفجر الحديث على نطاق واسع عقب حلقة أذيعت أخيرا في برنامج الحكاية على قناة "إم بي سي - مصر" يقدمه الإعلامي المصري عمرو أديب (حصل على الجنسية السعودية مؤخرا) عندما استضاف الباحث المصري محمد حمزة الشهير بـ"سمير غطاس" وتحدث عن تنسيق بين مصر وإسرائيل لدخول أصحاب الجنسية المصرية.

وقال غطاس إن كل من يريد العودة يسلم جواز سفره لمكتب التمثيل المصري في رام الله الذي يقوم بإرسال بيانات الشخص للتأكد من أنه ينتمي/تنتمي لحركة حماس أم لا، وتتوقف الموافقة بالسفر على طبيعة الرد الإسرائيلي، حيث يمنع دخول الأراضي المصرية على كل من ينتمون لحماس أو يتعاطفون معها، ويسمح لغيرهم.

◙ البطء في دخول المصريين عبر معبر رفح يعود إلى أسباب أبرزها التوترات الأمنية على الجانب الفلسطيني من المعبر

وأدت هذه الإشارة إلى قيام وزارة الخارجية المصرية بإصدار نفي رسمي، والتأكيد أن الأجهزة المعنية وحدها تحدد من يدخل أم لا، وبعدها تصاعدت الانتقادات وصبت جزءا كبيرا منها على الإعلامي عمرو أديب أكثر من سمير غطاس، بما يوحي أنه أراد إحراج الدولة وتثبيت روايات الإخوان وتقليل الثقة في تصرفات القاهرة حيال التعامل مع الحرب في غزة وتلافي تداعياتها الأمنية والإنسانية.

وفتح الجدل الذي أثاره غطاس وأديب ملف العلاقات الأمنية بين مصر من ناحية وكل من إسرائيل وحماس من ناحية أخرى، وهو ملف حظي بالكثير من اللغط مع الجانبين مؤخرا، وربما المبالغة في التعاون معهما والتشديد على زاوية التناقض الخفية. فكيف تقوم القاهرة بالتنسيق مع دولة تمارس عمليات إجرامية بحق الشعب الفلسطيني وتثق في معلوماتها الأمنية، وكيف تقوم بالتنسيق مع حركة تعود جذورها وأيديولوجيتها إلى جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر؟

اكتفت الإجابات الرسمية والإعلامية في مصر بالدفاع عن موقف الدولة، وتأكيد أن دخول مصريّي غزة يخضع لمعايير حددتها القاهرة، وتبرير التعاون مع حماس باعتبارات تفرضها مقتضيات الأمن القومي، حيث تسيطر الحركة على قطاع غزة المجاور لمصر، وتمت تصفية الكثير من الملفات العالقة الفترة الماضية وجرى التعاون في أوجه أمنية متباينة بما يضمن الهدوء.

واختلط الواقع بالخيال بشأن حديث التعاون الأمني مع إسرائيل، فقد صمتت المصادر المصرية على هذا الجانب بما يشي بعدم الرغبة في الحديث عن تفاصيله أو أن هناك مبالغة في تضخيمه ولا تريد الدخول فيها، بينما زادت السرديات حول التعاون على لسان مصادر عديدة في إسرائيل قبل الحرب على غزة، وهو ما تم ترويجه بعدها.

وقال مصدر مصري لـ"العرب" من الطبيعي أن يكون هناك تعاون أمني بين مصر وإسرائيل بحكم اتفاقية السلام الموقعة بينهما، وبانتشار الجيش المصري إلى أبعد نقطة في سيناء لمحارية المتطرفين والإرهابيين تم بالتنسيق معها بحكم مقتضيات اتفاقية كامب ديفيد، وهذا لا يعني أن إسرائيل تريد الاستقرار لمصر، إذ يكفي ما تسرّب حول مخططها لتوطين سكان غزة في سيناء للإشارة إلى ما يمكن أن تسببه من تهديدات وتحديات للأمن القومي المصري.

وألمح المصدر إلى أن رحيل مصريّي غزة إلى بلدهم من الطبيعي أن يتم من خلال التدقيق في هوياتهم السياسية بطرق مختلفة، لوجود عناصر تنتمي للإخوان هربت بعد سقوط حكم الجماعة في مصر عام 2013 وربما تكون على قوائم الإرهاب، وكي لا تتهم القاهرة بأنها تحولت إلى ملاذ آمن لعناصر حماس في خضم الحرب.

غراف
♦ كيف تقوم القاهرة بالتنسيق مع إسرائيل وتثق في معلوماتها الأمنية، وتنسّق مع حركة جذورها إخوانية

وزادت التلميحات الإسرائيلية حول كميات الأسلحة والمعدات التي تمتلكها حماس، وظهرت إشارات بأن مصدرها مصر التي تمتلك الممر الوحيد مع غزة، ولم يسأل أصحاب التلميحات والإشارات من أين جاءت الأسلحة التي بحوزة فلسطينيي الضفة الغربية، خاصة في مخيم جنين الذي يتعرض لاقتحامات أمنية مستمرة من قبل إسرائيل؟ والإجابة الواضحة من إسرائيل نفسها.

ويعود البطء في دخول المصريين عبر معبر رفح إلى أسباب عدة، أبرزها التوترات الأمنية المستمرة على الجانب الفلسطيني من معبر فح، والتي أفضت إلى تكدس كبير منع خروج حاملي جنسيات غربية عديدة الفترة الماضية، وتعمد إسرائيل القيام بمضايقات هناك لتعزيز انطباعات بأنها لا تزال تتحكم في جنوب غزة، وما يحدثه ذلك من فوضى في عمليات تنظيم مرور البشر والشاحنات في آن واحد.

ولم يخل البطء المصري من رغبة عارمة في الكشف عن ميول العائدين من المواطنين، فبعد سقوط نظام الإخوان تحول قطاع غزة إلى ملاذ لبعض المتطرفين الذين استغلوا الانفلات في سيناء وكانوا يدخلون غزة ويخرجون منها بقدر عال من الأريحية. وعندما تمكن الجيش المصري من ضبط الأمن وكسر شوكة الإرهابيين في سيناء تغير الحال، فمنهم من ألقي القبض عليهم وقتلوا، والبقية فروا إلى غزة، واستقروا وتزوجوا من فلسطينيات.

وينكر إعلام الإخوان ونشطاؤهم على مواقع التواصل هذه الجزئية الغاطسة في أزمة دخول مصريّي غزة عبر معبر رفح، واتخذوا قمة جبل الثلج (فكرة المنع) مطية للنيل من الحكومة المصرية، ووجدوا في حديث سمير غطاس المشار إليه أداة لتعزيز روايتهم حول التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل وتوظيفها بصورة سياسية بما يشير إلى “تواطؤ” على سكان غزة ومصرييها ضمن حملة ترمي إلى وضع الموقف المصري تحت ضغط، المستفيد الأول منه إسرائيل والإخوان.

وتكشف هذه النتيجة طبيعة التصعيد في غالبية الردود المصرية التي جاءت عن طريق إعلاميين قريبين من الحكومة على كلام سمير غطاس مع عمرو أديب، لأن مضمونها ينزع البعدين الوطني والقومي عن الخطاب المصري، ويثير شبهات حول الكثير من الخطوات الإيجابية التي اتخذتها الدولة مبكرا للتعامل مع حرب لا أحد يعلم المدى الذي يمكن أن تصل إليه في مخطط التوطين، وسط انتهاكات إسرائيلية جنونية في جنوب غزة قد تضطر مئات الآلاف من سكانها للفرار إلى سيناء.

ويبدو أن هذا السيناريو يقبله الإخوان خفية، وربما على العكس لا تجد الجماعة غضاضة في تسويقه بذريعة أن مصر ترفض عودة الآلاف من مواطنيها في غزة، وحرف التعاون الأمني مع إسرائيل عن بعده التكتيكي ووضعه في إطار إستراتيجي.

4