التكنولوجيا الحديثة لا تأتي دون ثمن يدفعه الجميع

باعتماده الذكاء الاصطناعي.. العالم يواجه فاتورة طاقة متزايدة.
الجمعة 2023/12/08
التكنولوجيا الذكية لها ثمن

الذكاء الاصطناعي أصبح جزءا من حياتنا اليومية، ورغم عمره القصير نسبيا، لا نتخيل اليوم الحياة من دونه. ولكن هذا القادم الجديد ما لم يتم كبحه وتنظيمه سيؤدي إلى استهلاك عال للطاقة ينعكس سلبا على محاولات السيطرة على الهدر الذي تشتكي منه دول العالم.

العالم يرحب بالتكنولوجيات المبتكرة، رغم أنها قد تسبّب ارتفاعا حادا في استهلاك الطاقة إذا لم يتمكن العالم من تنظيمها. وتتطلع مجموعة واسعة من الصناعات، بما في ذلك قطاع الطاقة، إلى الذكاء الاصطناعي لتحديث نفسها. لكن الكثيرين لا يفكرون في تكاليف الطاقة المحتملة عند اعتماد الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات المبتكرة الأخرى. وأبرزت تجربة تعدين العملات المشفرة احتمال زيادة استخدام الطاقة في التقنيات الجديدة عبر الصناعات المختلفة. وسيخلّف هذا التوجه كارثة إن لم يتم كبحه والسيطرة عليه.

وشهدت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تطوّرات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وهذا ما دفع العديد من الشركات إلى اعتماد التكنولوجيا وجعلها في متناول العديد من الأفراد.

برادي بريم ديفورست: وحدات معالجة الرسوميات تستهلك 15 ضعفا من الطاقة
برادي بريم ديفورست: وحدات معالجة الرسوميات تستهلك 15 ضعفا من الطاقة

وسرعان ما أصبحت التكنولوجيا أداة أساسية في الحياة اليومية، حيث تُعتمد في مجموعة من الأنشطة التي قد لا نفكر في كيفية حدوثها، حيث نشهد اليوم هيمنة الذكاء الاصطناعي على عدة عمليات بدءا من حجز الرحلات بالطائرة، إلى البحث على غوغل. وترى الشركات أن استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحسّن هذه المهام من خلال اتخاذ القرارات الذكية وعمليات الأتمتة، حيث يقلل من الأخطاء البشرية ويعزز من مستوى الكفاءة. وتستثمر العديد من الشركات في التكنولوجيا لتحقيق هذا الهدف.

كل عملية تفاعل عبر الإنترنت تتطلب استخدام خوادم بعيدة، وهي في الحقيقة أجهزة موجودة في مراكز البيانات تستخدم الكهرباء لتنفيذ العمليات. وتقدّر وكالة الطاقة الدولية أن مراكز البيانات تسجّل حاليا من 1 إلى 1.5 في المئة من استخدام الكهرباء في العالم. وفي حين قد يبدو هذا الرقم في الوقت الحالي منخفضا، يجب إدراك أن الانتشار السريع للتكنولوجيات الجديدة (مثل الذكاء الاصطناعي) سيرفع هذه النسبة. وهذا ما أدى إلى احتدام الجدل في الأوساط الأكاديمية حول احتياجات الذكاء الاصطناعي العالية إلى الطاقة. إلا أن هذا لا يكفي، ولا بد من الإسراع في تحويل الأقوال إلى أفعال، الأمر الذي أصبح ملحّا ويتطلب سياسات على المستوى الوطني تمكّن من إدارة استخدام الطاقة في هذا القطاع مستقبلا.

وفي تحليل نُشر خلال شهر أكتوبر الماضي كشف عن عزم شركة إنفيديا التكنولوجية متعددة الجنسيات شحن حوالي 1.5 مليون خادم ذكاء اصطناعي سنويا بحلول عام 2027، يمكن أن تستهلك سنويا عند تشغيلها ما يعادل 85.4 تيراواط/ساعة من الكهرباء. وهذا الرقم أعلى من إجمالي استهلاك الكهرباء في العديد من البلدان الصغيرة.

وتعتمد شركات مثل إنفيديا الآن وحدات معالجة الرسوميات المتقدمة، بدلا من وحدات المعالجة المركزية الأبسط لإتمام العمليات التي تتطلب المزيد من الطاقة.

تكنولوجيا متطورة تسخر قدرات كبيرة

وفي تصريح للرئيس التنفيذي لشركة فورميلا مونكز برادي بريم ديفورست أكد أن “وحدات معالجة الرسوميات خلال العقد المقبل ستشكل جوهر البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. وتستهلك هذه الوحدات ما بين 10 إلى 15 ضعفا من كمية الطاقة لكل دورة معالجة مقارنة بوحدات المعالجة المركزية. وهي لهذا تعدّ كثيفة الاستهلاك للطاقة”.

وتشمل التقنيات التي انتشرت خلال الأشهر الأخيرة تشات جي.بي.تي الذي طوّرته شركة “أوبن أيه آي”، وهو برنامج دردشة آلي يمكنه إجراء محادثة شبه بشرية، والرد على الأسئلة، وإنشاء محتوى مكتوب. وأكّدت دراسة حديثة من جامعة واشنطن أن مئات الملايين من الاستفسارات على تشات جي.بي.تي يمكن أن تكلّف حوالي 1 جيغاواط في الساعة يوميا، أي ما يعادل استهلاك 33 ألف أسرة أميركية من الطاقة. وقال أستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الكمبيوتر في واشنطن سجّاد موازيني إن “استهلاك الطاقة لطرح أسئلة على تشات جي.بي.تي عوضا عن تصفّح البريد الإلكتروني على سبيل المثال سيستهلك طاقة أكثر بـ10 إلى 100 مرة”.

وهذا ليس كل شيء، فخبراء الصناعة يتوقعون أيضا أن يزداد الاستخدام الفردي والصناعي للذكاء الاصطناعي أكثر خلال السنوات القادمة. ويُذكر أننا بلغنا نسبة 1 في المئة فقط من المستوى المتوقع أن يصل إليه تبني اعتماد الذكاء الاصطناعي خلال السنتين أو الثلاث سنوات المقبلة. وهذا يعني أن على الحكومات أن تعدّ بلدانها في وقت مبكر لضمان السيطرة على الارتفاع الكبير في استخدام الطاقة بسبب اعتماد التكنولوجيات المتقدمة.

100

ضعف استهلاك طرح سؤال على تشات جي.بي.تي من الطاقة عوضا عن تصفّح الإيميل

وفي حين تبدو هذا نظرة سلبية للذكاء الاصطناعي والتقنيات المبتكرة الأخرى، إلا أن هناك العديد من الجوانب الإيجابية لاستخدام التكنولوجيا المتقدمة. ورغم مشاكل استهلاك هذه الآلات للطاقة، إلا أنها عادة ما تكون أكثر كفاءة من العاملين العاديين، مما يساهم في تحسين الإنتاجية وتقليل الأخطاء البشرية.

ومؤخرا جرى الاعتراف رسميا ضمن قانون الذكاء الاصطناعي الذي أقره الاتحاد الأوروبي بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستستهلك طاقة عالية خلال دورة حياتها.

ويصنّف التشريع أنظمة الذكاء الاصطناعي، ويحدد متطلبات ما يسمى بـ”أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية المخاطر”. ويجب تصميمها وتطويرها بمراعاة استهلاكها للطاقة، واستخدامها الموارد، والأثر البيئي الذي تتسبب به طوال دورة حياتها. ولا توجد اليوم لوائح تقلّل استهلاك الطاقة لتقنيات الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي. ويركز البرلمان الأوروبي بدلا من ذلك على الشفافية واكتساب فهم أفضل لاستخدام الطاقة في التكنولوجيا المتقدمة.

ويتسارع اعتماد الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات المتقدمة بمرور الوقت، ومن المتوقع أن يرتفع هذا النسق خلال السنوات القليلة القادمة. وفي حين يمكن أن يعزز هذا الكفاءة التشغيلية عبر مجموعة من الصناعات، إلا أنه من المتوقع أن يضاعف نسب استهلاك الطاقة. واتّخذ الاتحاد الأوروبي خطوة في الاتجاه الصحيح بالفعل من خلال تشجيع قدر أكبر من الشفافية في مجال الذكاء الاصطناعي. ولكن يتوجب على الحكومات في جميع أنحاء العالم الآن أن تفكر في تقديم القواعد التنظيمية اللازمة للحد من إهدار الطاقة غير الضروري في التكنولوجيات المتقدمة.

12