جدارة الصين الائتمانية تتعرض لهزة مقلقة

بكين – تعرضت الجدارة الائتمانية للصين إلى هزة نادرة على خلفية ارتفاع الديون في ثاني أكبر اقتصاد عالمي والمشاكل التي تواجهها القطاعات الرئيسية على رأسها العقارات بسبب الضبابية حول تعافي نمو الناتج المحلي الإجمالي بعد ثلاث سنوات من الإغلاق.
وخفضت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية توقعاتها للتصنيف الائتماني للصين إلى سلبية من مستقرة الثلاثاء، في أحدث علامة على تزايد القلق العالمي بشأن تأثير ارتفاع ديون الحكومات المحلية وتفاقم أزمة العقارات في البلاد.
وقالت موديز في بيان إن “التخفيض يعكس أدلة متزايدة على أن السلطات سيتعين عليها تقديم المزيد من الدعم المالي للحكومات المحلية والشركات الحكومية المثقلة بالديون، مما يشكل مخاطر واسعة النطاق على القوة المالية والاقتصادية والمؤسسية للصين”. وأضافت “يعكس تغير التوقعات أيضا المخاطر المتزايدة المرتبطة بالنمو الاقتصادي المنخفض هيكليا والمستمر على المدى المتوسط والتقليص المستمر لحجم قطاع العقارات”.
وتراجعت الأسهم القيادية في الصين إلى أدنى مستوياتها في خمس سنوات تقريبا وسط مخاوف بشأن النمو، مع حديث عن خفض محتمل من قبل موديز مما أدى إلى تدهور المعنويات خلال الجلسة، في حين واصلت أسهم هونغ كونغ خسائرها.
وقال مصدر مطلع لرويترز إن البنوك الكبرى المملوكة للدولة، والتي كانت تدعم عملة اليوان طوال اليوم، “كثفت بيع الدولار بقوة شديدة بعد بيان وكالة موديز”. ولم يطرأ تغير يذكر على اليوان بحلول وقت متأخر بعد الظهر. وارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية للصين ضد العجز عن السداد إلى أعلى مستوياتها منذ منتصف نوفمبر.
وقال كين تشيونغ، كبير إستراتيجيي سوق الصرف الآسيوي ببنك ميزوهو في هونغ كونغ، إن “الأسواق الآن مهتمة أكثر بأزمة العقارات وضعف النمو، بدلا من مخاطر الديون السيادية المباشرة”.
وكانت خطوة موديز أول تغيير في وجهة نظرها تجاه الصين منذ أن خفضت تصنيفها بدرجة واحدة إلى أي 1 في عام 2017، مشيرة أيضا إلى توقعات بتباطؤ النمو وارتفاع الديون.
وفي حين أكدت موديز تصنيف أي 1 لإصدارات الصين بالعملة المحلية والأجنبية على المدى الطويل قائلة إن “الاقتصاد لا يزال يتمتع بقدرة عالية على استيعاب الصدمات”، لكنها تتوقع تباطؤا في نمو الاقتصاد الكلي.
ويرجح خبراء الوكالة أن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد إلى 4 في المئة خلال عامي 2024 و2025، وبمتوسط يبلغ 3.8 في المئة في الفترة من 2026 إلى 2030.
ويأتي تخفيض توقعات موديز قبل مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي السنوي لوضع جدول الأعمال، والذي من المتوقع أن يكون في منتصف ديسمبر تقريبا، حيث يدعو المستشارون الحكوميون إلى هدف نمو مطرد لعام 2024 والمزيد من التحفيز.
ويقول محللون إن تصنيف أي 1 مرتفع بما فيه الكفاية في منطقة الدرجة الاستثمارية بحيث من غير المرجح أن يؤدي خفض التصنيف إلى عمليات بيع قسرية من قبل الصناديق العالمية. أما وكالتا التصنيف الرئيسيتان الأخريان، فيتش وستاندرد أند بورز، فتصنفان الصين عند أي+، وهو ما يعادل وكالة موديز. وكلاهما يتمتعان بنظرة مستقبلية مستقرة.
وشعرت وزارة المالية الصينية بخيبة أمل إزاء قرار موديز، وقالت إن “الاقتصاد سيحافظ على انتعاشه في اتجاه إيجابي”، مشيرة إلى أن مخاطر الممتلكات والحكومات المحلية يمكن السيطرة عليها.
وقالت الوزارة “مخاوف موديز بشأن آفاق النمو الاقتصادي في الصين والاستدامة المالية وجوانب أخرى غير ضرورية”. ويعتقد معظم المحللين أن نمو الصين يسير على الطريق الصحيح لتحقيق هدف الحكومة البالغ نحو 5 في المئة هذا العام، لكن ذلك بالمقارنة مع عام 2022 الذي أضعفه كوفيد، كما أن النشاط متفاوت إلى حد كبير.
ويكافح الاقتصاد الصيني من أجل تحقيق انتعاش قوي بعد الوباء، حيث أدت الأزمة المتفاقمة في سوق الإسكان، والمخاوف بشأن ديون الحكومات المحلية، وتباطؤ النمو العالمي، والتوترات الجيوسياسية إلى إضعاف الزخم.
ولم تثبت سلسلة من تدابير دعم السياسات فائدتها إلا بشكل متواضع، مما زاد الضغوط على السلطات لطرح المزيد من التحفيز. ويتفق المحللون على نطاق واسع على أن نمو الصين يتراجع عن التوسع السريع الذي شهده خلال العقود القليلة الماضية. ويعتقد الكثيرون أن بكين بحاجة إلى تحويل نموذجها الاقتصادي من الاعتماد المفرط على الاستثمار المدفوع بالديون إلى نموذج مدفوع بشكل أكبر بطلب المستهلكين.
وفي الأسبوع الماضي، تعهد رئيس البنك المركزي الصيني بان قونغ شنغ بإبقاء السياسة النقدية متكيفة لدعم الاقتصاد، لكنه حث على إجراء إصلاحات هيكلية لتقليل الاعتماد على البنية التحتية والعقارات لتحقيق النمو.
وبعد سنوات من الإفراط في الاستثمار، وانخفاض عائدات مبيعات الأراضي، وارتفاع تكاليف مكافحة الوباء، يقول الاقتصاديون إن البلديات المثقلة بالديون تمثل الآن خطرا كبيرا على الاقتصاد.
ووصل دين الحكومات المحلية إلى 92 تريليون يوان (12.6 تريليون دولار)، أو 76 في المئة من الناتج الاقتصادي للصين في عام 2022، ارتفاعا من 62.2 في المئة في عام 2019، وفقا لأحدث تقديرات صندوق النقد الدولي. وفي أكتوبر الماضي، كشفت الصين عن خطة لإصدار سندات سيادية بقيمة تريليون يوان (139.84 مليار دولار) بحلول نهاية هذا العام للمساعدة في انطلاقة النشاط.
ويرفع هذا التمشي هدف عجز الميزانية للعام الحالي إلى 3.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي من نحو ثلاثة في المئة في توقعات سابقة. كما نفذ البنك المركزي الصيني تخفيضات متواضعة في أسعار الفائدة وضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد في الأشهر الأخيرة.
ومع ذلك، كان المستثمرون الأجانب يشعرون بعدم الرضا تجاه الصين طوال العام تقريبا، حيث ارتفعت تدفقات رأس المال من الصين بشكل حاد إلى 75 مليار دولار في سبتمبر الماضي، وهو أكبر رقم شهري منذ عام 2016، وفقا لبنك غولدمان ساكس.