عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية تضع إيران أمام خيار صعب

الولايات المتحدة بمعية الدول العربية تستعد لإطلاق عملية سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين عقب حرب غزة وهو ما يوفر، حسب مراقبين، فرصة لإيران للانخراط في جهود التسوية وتفادي أخطاء رفضها قبل عقود لاتفاقية أوسلو، ما عمّق تهميشها في المنطقة.
القدس - يرى محللون أن الحرب بين إسرائيل وحماس تجلب لإيران التهديدات والفرص.
ويتمثل التهديد الرئيسي في التدمير الكامل للقدرة العسكرية لحماس العضو المهم في ما يسمى “محور المقاومة” الذي تقوده طهران. وكان منع هذا السيناريو في قلب الجهود الدبلوماسية الإقليمية التي تبذلها إيران منذ السابع من أكتوبر.
ويقول أليكس فاتانكا وهو مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط وزميل أول في برنامج البحر الأسود التابع لمعهد الشرق الأوسط، إن جانب الفرص ينقسم إلى شقين. أولاً، على المدى القصير، ابتهجت طهران بما تعتبره ظهور موقف جديد مناهض لإسرائيل في العالم الإسلامي وفي جزء كبير من الجنوب العالمي. لكن الصراع الدائر يوفر أيضاً لطهران فرصة ذات مغزى أكبر بكثير: على وجه التحديد، تغيير موقفها بشكل أساسي تجاه إسرائيل، وهي حقيقة لا ينبغي أن تضيع على المجتمع الدولي.
وترى إيران أن هذه لحظة انتقامية ضد إسرائيل. ولا يلوم النظام الإيراني إسرائيل على العديد من الاغتيالات على أراضيه خلال العقد الماضي فحسب، بل يعتبر الدولة العبرية القوة الرئيسية التي تدفع الجهود الدولية لإبقاء إيران معزولة.
ومن وجهة نظر طهران، فإن سنوات الدعم المالي والعسكري التي قدمتها لحماس قد تم تسديدها بالهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر، والذي أشاد به المسؤولون الإيرانيون باعتباره اللحظة التي انتهت فيها دولة إسرائيل التي لا تقهر.
موقف إيران المتشدد ضد إسرائيل سوف يستمر في عزلها إذا بدأ المجتمع الدولي في الدفع باتجاه استئناف المحادثات الإسرائيلية – الفلسطينية
وبالتالي، أمضت طهران الأسابيع السبعة الماضية في محاولة للضغط على كل من إسرائيل والولايات المتحدة للحد من الرد على حماس، على أمل ألا يتم القضاء على الجناح العسكري للحركة في غزة بالكامل.
ومع ذلك، فقد أوضحت إيران وحليفها العربي الرئيسي حزب الله اللبناني أنهما لن يدخلا الحرب مباشرة لإنقاذ حماس.
ولمساعدة حماس على الجبهة الدبلوماسية، كان على طهران أن تتحرك فعلياً نحو الاتجاه الإقليمي السائد في ما يتعلق بمسألة كيفية وقف الصراع.
وكان الخطاب الإيراني مبالغاً فيه. وعلى سبيل المثال، الدعوة إلى إنشاء “جيش إسلامي” لمواجهة إسرائيل، أو الادعاء بالرغبة في تجنيد ونشر متطوعين في غزة، على الرغم من عدم وجود دليل على انضمام الإيرانيين إلى الحرب. لكن من الناحية العملية، كان على الدعوات الإيرانية لاتخاذ إجراء ضد إسرائيل أن تجتاز فحصًا أساسيًا للواقع.
وفي خطابه الشهر الماضي أمام منظمة التعاون الإسلامي في الرياض دعا الرئيس إبراهيم رئيسي إلى اتخاذ إجراءات إسلامية ضد إسرائيل، لكنه لم يوجه أي إنذار نهائي.
وطلب المرشد الأعلى علي خامنئي في البداية من الدول الإسلامية قطع علاقاتها مع إسرائيل، ثم طلب في وقت لاحق فقط تعليق العلاقات.
وتحرص طهران على عدم المبالغة في تقدير قوتها. ومن الواضح أنها لا تريد السماح لحرب غزة بأن تصبح نقطة خلاف مع الدول العربية التي تحافظ على علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، مثل الإمارات العربية المتحدة الشريك التجاري المهم لإيران. وهذا يعيدنا إلى الفرصة المتاحة لإيران لتغيير سياستها بشكل جذري تجاه إسرائيل.
إذا جاءت عملية السلام في أعقاب الحرب الأخيرة، والتي من المرجح أن تقودها الولايات المتحدة والدول العربية، فسوف يكون أمام إيران خيار صعب
ومنذ عام 1979، يرفض الإسلاميون في طهران الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. وخلال رئاسة محمد خاتمي (1997 – 2005)، ألمحت طهران إلى قبول حل سياسي مقبول للفلسطينيين، ولكن من دون أن تعرض علناً على الإطلاق الاعتراف بإسرائيل.
واليوم، وعلى الرغم من الغضب واسع النطاق في جميع أنحاء المنطقة بسبب الحرب الإسرائيلية في غزة، يجب على طهران أن تأخذ في الاعتبار أن التحالف الإسلامي الكبير المناهض لإسرائيل الذي كانت تأمل في تحقيقه من غير المرجح أن يتحقق حتى بعد انتهاء الحرب.
ومن هنا فإن موقف إيران المتشدد ضد إسرائيل سوف يستمر في عزلها إذا بدأ المجتمع الدولي في الدفع باتجاه استئناف المحادثات الإسرائيلية – الفلسطينية. والبديل بالنسبة إلى طهران هو القبول بإسرائيل، ولكن بالضرورة دون إعلان ذلك.
واتخذت إيران بالفعل خطوة في هذا الاتجاه خلال حرب غزة المستمرة. وفي أكتوبر صوتت طهران لصالح اقتراح عربي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وهي خطوة عبرت بشكل أساسي عن قبول طهران المتردد للدولة الإسرائيلية كأمر واقع.
ويتعين على المجتمع الدولي، وخاصة الدول العربية التي تتطلع طهران إلى العمل معها، أن يشجع إيران على تعديل سياساتها حتى تتمكن من لعب دور بناء داخل عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية بدلاً من مجرد العمل كمفسد لعملية السلام.
وإذا جاءت عملية السلام في أعقاب الحرب الأخيرة، والتي من المرجح أن تقودها الولايات المتحدة والدول العربية، فسوف يكون أمام إيران خيار صعب.
ويدرك الإيرانيون التكاليف الجيوسياسية المرتفعة المرتبطة بالعمل كمفسد. وقبل ثلاثين عاماً، رفضت إيران قبول اتفاقيات أوسلو، وهو القرار الذي أدى إلى تعميق صورة طهران كلاعب متطرف وتهميش إيران عن بقية المنطقة.
وبوسع إيران أن تكرر نفس الخطأ وتؤكد دعمها لمحور المقاومة ضد إسرائيل، أو يمكنها أن تبدأ في البحث عن سبل للعمل مع الأغلبية في المنطقة التي تسعى إلى التوصل إلى تسوية سياسية مجدية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.