حرب غزة تقلص مداخيل السياحة في الشرق الأوسط

يواجه عدد من بلدان الشرق الأوسط معضلة تقلص مداخيل السياحة خلال 2023 بسبب تداعيات الحرب في غزة، الأمر الذي يحبط طموحات الحكومات لتحقيق ازدهار كانت تنتظره بفارغ الصبر لمعالجة أزماتها المالية والابتعاد أكثر عن منغصات الوباء.
عمّان - بات السياح يتجنبون زيارة منطقة الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب في غزة، ما يشكل خطرا على قطاع السياحة في بلدان مثل الأردن ولبنان ومصر التي تعتمد إلى حد كبير على عائدات السياحة الدولية لتمويل خزينتها.
وفي مدينة البتراء الوردية المنحوتة بالصخر، جوهرة الصحراء الأردنية، التي زارها نحو 900 ألف سائح العام الماضي، تراجع عدد السياح بشكل واضح خلال نوفمبر الماضي عما كان عليه في الشهر السابق.
وقال الدليل السياحي عامر نظامي لفرانس برس “للأسف لو زرت البتراء الآن لن ترى سوى عدد قليل من الزوار”، مؤكدا أن المدينة الأثرية كانت مزدحمة مطلع شهر أكتوبر و”كنا سعداء بأن الموسم استثنائي”.
وأضاف أن “الرحلات المنظمة التي تشمل وجهات عدة، وتجمع الأردن والضفة الغربية وإسرائيل، توقفت تماما، وألغيت العشرات من الحجوزات، خصوصا لمجموعات قادمة من الولايات المتحدة”.
ويوافقه الرأي موظف الاستقبال في فندق قصر البتراء صافي النوافلة الذي قال إن “عدد الزوار في الفنادق الرئيسية انخفض ما بين 25 و50 في المئة، بينما بعض الفنادق الصغيرة ليس فيها أحد”.
وحققت البلاد عوائد سياحية العام الماضي بواقع 5.8 مليار دولار مترفعة بنحو 110.5 في المئة عن مستويات عام 2021 وفق بيانات البنك المركزي.
وتساهم السياحة في الأردن بنحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويوظّف أكثر من 55 ألف عامل في هذا القطاع الحيوي للبلاد، التي تعتمد بشكل مفرط على المساعدات الخارجية.
وتمتعت منطقة الشرق الأوسط قبل الحرب بطفرة في عدد الوافدين، إذ سجلت أكبر زيادة بين المناطق العالمية في الفترة بين يناير ويوليو الماضيين، وتجاوز عدد زوارها مستويات ما قبل الوباء بنسبة 20 في المئة، وفقا لمنظمة السياحة العالمية.
وقبل اندلاع الحرب في غزة كانت السياحة في البلدان الثلاثة تشهد موسما مميزا، إذ ارتفعت الإيرادات خلال النصف الأول من هذا العام بأكثر من 50 في المئة في الأردن و30 في المئة في مصر.
وكانت المداخيل السياحية عند مستويات قياسية عالية على مدى 12 شهرا حتى نهاية يونيو الماضي في كلا البلدين.
وفي لبنان، الذي يراهن كثيرا على صناعة السياحة في ظل الأزمة المالية الخانقة، فقد ارتفع عدد السياح بنسبة 33 في المئة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي.
لكن وفقا لأوليفييه بونتي من شركة فورورد كييز التي تحلّل بيانات السفر، فقد “أدّت الحرب إلى توقف طلبات السفر إلى إسرائيل”.
وقال لفرانس برس “كان لاندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس تأثير مضاعف على الوجهات المجاورة، إذ تعاني دول الشرق الأوسط من انخفاض كبير في الحجوزات الجديدة”.
وأوضح أن بعض السياح استبدلوا وجهات سفرهم المعتادة كمصر وتركيا بوجهات أخرى في جنوب أوروبا مثل إسبانيا واليونان والبرتغال.
وذكرت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية في مطلع نوفمبر الماضي أن لبنان والأردن ومصر، وهي الدول المجاورة بشكل مباشر لإسرائيل وغزة، ستعاني أكثر من غيرها من انخفاض السياحة.
ورجحت في تقرير نشرته على منصتها الإلكترونية وقتها بلوغ الخسائر للدول الثلاث من تقلص إيرادات السياحة للعام الحالي بنحو 16.1 مليار دولار.
وأوضحت أن الخسائر قد تتراوح ما بين 10 و70 في المئة من إجمالي عائدات السياحة المسجلة العام الماضي، وذلك بحسب تفاقم الصراع واتساع رقعته وامتداد فترته الزمنية.
وأشارت ستاندرد آند بورز إلى أن السياحة شكّلت 26 في المئة من إيرادات لبنان الخارجية خلال العام الماضي، و21 في المئة بالنسبة للأردن و12 في المئة بالنسبة لمصر. أما بالنسبة لإسرائيل، فكان الرقم 3 في المئة فقط.
وقالت إن “منذ الحرب بين إسرائيل وحماس، أبلغت العديد من وكالات السياحة في مصر إلغاء نحو نصف الحجوزات لشهري نوفمبر وديسمبر، خصوصا من السياح الأوروبيين”.
وأوقفت عدد من شركات الطيران رحلاتها إلى لبنان حيث يتبادل مقاتلو حزب الله القصف عبر الحدود مع القوات الإسرائيلية.
وحذّرت شركة إيزي جت الثلاثاء الماضي من أن الصراع سيؤثر على أرباحها، إذ تمثّل الرحلات الجوية إلى مصر وإسرائيل ولبنان (وجهتان معلقتان) أربعة في المئة من طاقتها الاستيعابية.
وألغت شركة أم.أس.سي العمليات الشتوية لسفينتيها السياحيتين أوركسترا وسينفونيا اللتين كان من المقرر أن تبحرا في البحر الأحمر وتصلا إلى ميناء حيفا الإسرائيلي على البحر المتوسط.
مساهمة السياحة لبعض الدول في عام 2022
- 26 في المئة من عوائد لبنان
- 21 في المئة من عوائد الأردن
- 12 في المئة من عوائد مصر
ولا تتوقع ستاندرد آند بورز في الوقت الحالي انخفاضا كبيرا في السياحة إلى تركيا بسبب بعدها الجغرافي عن الصراع، كما لا تتوقع تأثيرا كبيرا على الإمارات حيث يتجاوز عدد السياح الوافدين مستويات ما قبل جائحة.
لكنها أوضحت أن “الكثير سيعتمد على مدة استمرار الصراع وما إذا كان سيمتد إلى مناطق أوسع”.
وقال المستشار في رئاسة الوزراء الأردنية سليمان الفرجات “استطاع الأردن على مدى العقدين الماضيين أن يصبح وجهة سياحية معروفة وآمنة، وبالتالي فإن التعافي في حال توقفت الحرب سيكون سريعا”.
لكنه حذر من أن “تأثير الحرب سيبقى حتى بداية الموسم القادم وإذا لم تتوقف الحرب على غزة فإن الموسم القادم في خطر أيضا”.
وأشار الفرجات إلى أنه في حال توقفت الحرب “ستقترب السياحة من المستوى الطبيعي” في سبتمبر 2024.
وتعد مصر من الدول التي لديها سمعة جيدة بشأن تأمين الوفود السياحية، ودائما ما تكون خططها على رأس أولويات الجهات التنفيذية التي تكثف التأمين الذي يحظى بارتياح شركات السياحة ومتعهدي الرحلات.
ويشكل ذلك أحد العوامل المهمة التي يبحث عنها السائح بجانب انخفاض أسعار الرحلات مقارنة بغيرها في المنطقة.
واستقبلت مصر خلال النصف الأول من العام الجاري قرابة 7 ملايين زائر، وهو الأعلى، وفقا لوزير السياحة أحمد عيسى، الذي توقع أن يكون عدد الزوار في النصف الثاني من العام الجاري كبيرا.