حرب غزة تفصل القشر عن الثمر بين القيادات الدينية

يعكس التضاد بين مؤسسة الأزهر في مصر وهيئة نهضة العلماء في إندونيسيا التناقض الصارخ في مواقف القيادات الدينية الإسلامية من الحرب على غزة. ويرى مراقبون أن ذلك يمثل شرخا يجب الانتباه إليه ومعالجته.
واشنطن - خلق هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر انقساما بين الزعماء السياسيين المسلمين وأثار استجابات متنوعة من الشخصيات والمؤسسات الدينية، مما يعكس شروخا أعمق حول ما يمثله الإسلام في القرن الحادي والعشرين.
ويقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي إنه في قلب الخلافات توجد القدرة والرغبة في التعاطف مع الضحايا الأبرياء على جانبي الانقسام الإسرائيلي – الفلسطيني، حتى لو تمحور التركيز حول المذبحة التي أحدثها الهجوم الإسرائيلي على غزة، والمعايير المزدوجة التي يفرضها الغرب، وعجز المجتمع الدولي عن فرض وقف طويل للقتال.
ويضيف دورسي إن هذا الانقسام يوجد بين الإسرائيليين واليهود، الذين لا يتعاطف الكثير منهم مع معاناة المدنيين الفلسطينيين الأبرياء.
ويرى جل الزعماء الدينيين المسلمين في هجوم حماس نتيجة عقود من احتلال الأراضي الفلسطينية منذ حرب 1967 والسياسات الإسرائيلية التي تشمل قمع المقاومة الفلسطينية وإحباط حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني من خلال إقامة دولتين مستقلتين.
ويرى الكثيرون أيضا أن القصف الإسرائيلي العشوائي والهجوم البري على غزة يلقي بظلاله على وحشية هجوم حماس الذي تسبب في مقتل 1200 شخص كان معظمهم من المدنيين الإسرائيليين.
الحرب تشكل اختبارا حقيقيا للزعماء الدينيين المسلمين واليهود حول ما إذا كان يمكن الارتقاء فوق النزاع واتخاذ مواقف إنسانية أخلاقية
وأدى هجوم الجانب الإسرائيلي إلى مقتل أكثر من 14 ألفا من سكان غزة، وإصابة أكثر من 30 ألفا آخرين، وتسبب في تدمير البنية التحتية اللازمة لأساسيات الحياة.
ويبرز الانقسام بين الزعماء الدينيين والعلماء المسلمين في استجابة قطبين من طيف المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم معتدلين.
ويتراوح هذا الطيف من الزعماء الدينيين والعلماء الذين يدعون إلى إصلاح يمس الفقه الإسلامي لتجاوز النقاط التمييزية في الشريعة وتمكين التعددية السياسية إلى الشخصيات والمؤسسات الدينية المتحالفة مع المستبدين الذين يفضل بعضهم حريات اجتماعية أكبر لكنهم يقمعون المعارضة ويعارضون إصلاح القانون الديني.
ويعكس التنوع في التفسيرات “المعتدلة” للإسلام اجتهادا لتحديد ما يعنيه الإسلام المعتدل في القرن الحادي والعشرين. كما يعكس الانقسام بين التعبيرات الدينية المعتدلة والأكثر تشددا التي تمتد من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إيران وإلى الجهاديين.
ونجحت حركة حماس في طمس الخطوط الفاصلة بين المعتدلين والتعبيرات الأكثر تشددا عن الإسلام خلال هجوم 7 أكتوبر. وحماس جماعة إسلامية تستلهم أفكار جماعة الإخوان المسلمين وتخفي قوميتها في عباءة دينية.
ويسلّط الخلط بين التوجهات المختلفة الضوء على الحاجة إلى إصلاح الفقه الديني الإسلامي لضمان الامتثال للقانون الإنساني الدولي وحرمان المسلحين من القدرة على تحديد الشرعية في الشريعة.
حرب غزة أثارت أكثر غرائز البشر تدميرا على جانبي الانقسام الإسرائيلي – الفلسطيني، وهي الرغبة في البقاء، والغضب، والخوف، واليأس، والانتقام
ويبرز الارتباك في التناقض في ردود الفعل على حرب غزة بين نهضة العلماء (حركة المجتمع المدني الإسلامية الأكبر والأكثر اعتدالا في العالم، والتي تتخذ من إندونيسيا مقرا لها) والأزهر (قلعة التعليم الإسلامي التي تأسست قبل 1053 عاما، ومقرها القاهرة).
وحثت نهضة العلماء في بيان يدعو إلى حل “عادل” للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على وضع الإلهام الديني (بما يشمل قيم الحب والرحمة العالمية والأخوة الإنسانية والعدالة) في مقدمة الوعي العام لدعم سبل حل الصراع على كل مستويات المجتمع، من القاعدة الشعبية إلى أروقة سلطة الدولة.
ودعا البيان المسلمين إلى الصلاة على أرواح جميع الذين قُتلوا نتيجة للعنف (الإسرائيلي – الفلسطيني المتصاعد)، وحذّر من تسليح الهوية واعتماد الدين لتأجيج الكراهية والعداء، بما في ذلك ما يتعلق بالصراع والعنف.
وحثّت نهضة العلماء السلطات الدينية الإسلامية وغير الإسلامية لعقد قمة لمناقشة “دور الدين في معالجة العنف في الشرق الأوسط والتهديدات التي يتعرض لها النظام الدولي القائم على القواعد”.
وأشاد الأزهر في المقابل عبر بيانه بجهود مقاومة الشعب الفلسطيني. وقدم “تعازيه الصادقة” للفلسطينيين “الذين استشهدوا في سبيل الدفاع عن وطنهم وأمتهم” دون ذكر مقتل الإسرائيليين.
جل الزعماء الدينيين المسلمين يرون في هجوم حماس نتيجة عقود من احتلال الأراضي الفلسطينية منذ حرب 1967 والسياسات الإسرائيلية
وأصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى منشورا ردد تأكيد حماس على عدم وجود إسرائيليين أبرياء، وهي أقوال تتطابق مع التصريحات الإسرائيلية بأن جميع سكان غزة إرهابيون ومؤيدون لحماس.
وقالت الفتوى إن تصنيف “المدنيين” لا ينطبق على المستوطنين الصهاينة للأرض المحتلة، بل هم محتلون للأرض، مغتصبون للحقوق، منحرفون عن سنة الأنبياء، ويعتدون على حرمة المقدسات في القدس التاريخية.
ولم يتضح ما إذا كانت الفتوى تشير إلى المستوطنين على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل خلال حرب 1967 أم أن جميع اليهود الإسرائيليين هم مستوطنون.
ووصف العديد من كبار رجال الدين في الأزهر اليهود في تأييدهم لهجوم حماس بأنهم “أحفاد القردة والخنازير الملعونين”.
ولم تشمل البيانات والإعلانات الرسمية الأخرى الصادرة عن الأزهر والمرتبطة بغزة والتي أصدرها علماء بمعزل عن المؤسسة، في أيّ وقت من الأوقات، بإدانة قتل المدنيين الأبرياء بغض النظر عن الدين أو العرق أو العقيدة.
وأثارت حرب غزة أكثر غرائز البشر تدميرا على جانبي الانقسام الإسرائيلي – الفلسطيني، وهي الرغبة في البقاء، والغضب، والخوف، واليأس، والانتقام.
وتشكل الحرب اختبارا حقيقيا للزعماء الدينيين المسلمين واليهود حول ما إذا كان يمكن الارتقاء فوق النزاع واتخاذ مواقف إنسانية أخلاقية، لكن لم ينجح عدد كبير منهم.
ويشكّل التناقض بين نهج الأزهر ونهضة العلماء بين المسلمين حول حرب غزة أبرز مثال على ذلك.
ويسلط هذا التناقض الضوء على جوهر المعركة حول روح الإسلام التي تفصل القشر عن الثمر في المنافسة بين اللاعبين المتعددين الراغبين في أن يُعتبروا منارة الاعتدال الإسلامي.