الجسيمات الدقيقة تسبب 250 ألف حالة وفاة في أوروبا

تشهد دول الاتحاد الأوروبي تركيزات عالية للجسيمات الدقيقة في الهواء ما يسبب أمراضا تصيب الأطفال والبالغين، منها الربو وسرطان الرئة وأمراض القلب والسكتات الدماغية والسكري، وهو ما من شأنه أن يقلل من متوسط العمر المتوقع. وتعد الجسيمات الدقيقة مزيجا من جزيئات المواد العضوية الصلبة والسائلة المُعلَّقة في الهواء.
بروكسل - ذكرت الوكالة الأوروبية للبيئة الجمعة أن الجسيمات الدقيقة في الهواء تسببت في حوالي 250 ألف حالة وفاة بمختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، خلال عام 2021.
وأضافت الوكالة خلال تقديمها للنتائج في منتدى الهواء النظيف الرابع، بمدينة روتردام الهولندية، أنه كان من الممكن تفادي تلك الوفيات لو أن تركيزات الجسيمات الدقيقة استوفت توصيات منظمة الصحة العالمية.
وقالت المديرة التنفيذية للوكالة لينا يلا – مونومين “بينما خطونا خطوات واسعة على مدار السنوات الماضية، لتقليص مستويات تلوث الهواء، فإن أحدث بيانات وتقييمات لدينا تظهر أن آثار تلوث الهواء على صحتنا مازالت كبيرة للغاية، مما يتسبب في حالات وفاة وأمراض، يمكن أن تُعزى إلى تلوث الهواء”.
التلوث يزيد احتمال الإصابة بمشكلات صحية من بينها الربو الذي يطال 9 في المئة من الأطفال والمراهقين في أوروبا
وطبقا لتقديرات الوكالة فإن الجسيمات الدقيقة هي السبب وراء حالات الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية والسكري وسرطان الرئة والربو.
وتدق دراسات ناقوس الخطر محذّرة مما وصل إليه مستوى تلوث الهواء في أوروبا، لاسيما تلوثه بالجسيمات الدقيقة، والذي تجاوز الموصّى به من قبل منظمة الصحة العالمية.
ويتنفس سكان القارة الأوروبية عمليا هواءً سيئًا يشكل خطرا على حياتهم حيث يزيد تلوث الهواء من خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والقلب مما يقلل من متوسط العمر المتوقع.
وقال مارك نيوينهوزن، مدير معهد برشلونة الإسباني للصحة العالمية، إن الكثير من الناس “يصابون بأمراض بسبب المستويات الحالية لتلوث الهواء، فيما يكمن الحل في خفض مستويات تلوث الهواء”.
وفي عام 2022 عاش تقريبا جميع سكان القارة الأوروبية (98 في المئة من تعداد السكان) في مناطق تعاني من تركيز للجسيمات الدقيقة بمعدل يفوق المستويات التي حددتها منظمة الصحة العالمية.
وتوصي منظمة الصحة العالمية بألا يتجاوز المتوسط السنوي لتركيز الجسيمات الدقيقة الملوثة من نوع “جسيمات بي أم 2.5” (جسيمات ذات قُطْر أقل من 2.5 ميكروغرام) خمسة ميكروغرامات لكل متر مكعب من الهواء، فيما تختلف مستويات التلوث من منطقة إلى أخرى داخل القارة الأوروبية حيث ترتفع المستويات في شرق أوروبا ووادي بو في إيطاليا وفي المدن الكبرى مثل أثينا وبرشلونة وباريس.
يشار إلى أن الميكروغرام هو جزء من مليون جزء في الغرام وأقل من الملّيغرام بألف مرة. والجدير بالذكر أنه جرى الإبلاغ في السابق عن مستويات عالية من تلوث الهواء في المدن الأوروبية.
وتعد الجسيمات الدقيقة مزيجا من جزيئات المواد العضوية الصلبة والسائلة المُعلَّقة في الهواء فيما توجد في شكل نوعين، يطلق على النوع الأول “جسيمات بي أم 10″، وهي جسيمات ذات قُطْر أقل من 10 ميكروغرامات، ويُطلق على النوع الثاني “جسيمات بي أم 2.5″، وهي جسيمات ذات قُطْر أقل من 2.5 ميكروغرام ولا تُرى بالعين المجردة.
ورغم وجود العديد من الملوثات الأخرى التي تؤثر على صحة الإنسان، إلا أن التركيز ينصب على هذا النوع من ملوثات الجسيمات الدقيقة لأن الأدلة العملية تشير إلى التأثير السلبي الذي يسببه لصحة البشر بشكل عام.
وتعد مستويات جودة الهواء في أوروبا أفضل بشكل عام من مستوياتها في بلدان ومناطق أخرى من العالم حيث يصل مستوى متوسط تركيز الجسيمات الدقيقة من نوع “جسيمات بي أم 2.5” في مدن مثل نيودلهي إلى مئة ميكروغرام لكل متر مكعب، فيما تظهر البيانات أن هذه النسبة تصل إلى 25 ميكروغراما لكل متر مكعب في أوروبا.
ورغم هذا الانخفاض في مستويات التلوث بالقارة الأوروبية، فإن الأمر يحمل في طياته مخاطر محدقة بالصحة.
وتنص القواعد الجديدة في أوروبا الرامية إلى تحسين جودة الهواء على أن المتوسط السنوي لتركيز الجسيمات الدقيقة من نوع “جسيمات بي أم 2.5” يجب ألا يتجاوز 10 ميكروغرامات لكل متر مكعب من الهواء.
وفي عام 2017 دخل التوجيه الجديد لأسقف الانبعاثات حيز التنفيذ، ويتمثل في تطبيق قواعد جديدة تهدف إلى الحد بشكل كبير من تلوث الهواء في أوروبا وخفض عدد الوفيات والأمراض المرتبطة بتلوث الهواء إلى النصف بحلول عام 2030.
وقال كارمينو فيلا، المفوض الأوروبي لشؤون البيئة ومصايد الأسماك والشؤون البحرية سابقا، “تعتبر القواعد الأوروبية الجديدة لجودة الهواء علامة بارزة في مكافحة هذا القاتل غير المرئي وهو تلوث الهواء”.
وأضاف أن تلوث الهواء يقتل أكثر من 450 شخصا في أوروبا كل سنة، مشيرا إلى أن الرقم المذكور يمثل أكثر من عشرة أضعاف عدد حوادث المرور على الطرقات.
ولا تزال مستويات التلوث في العديد من البلدان الأوروبية أعلى من القيم الموصى بها، وهذا يمثل مشاكل للقصر بشكل خاص ويزيد من مخاطر إصابتهم بأمراض في وقت لاحق من حياتهم، علاوة على أنه يسبب وفاة كثيرين منهم.
ورغم تسجيل تحسن على هذا الصعيد مازال تلوث الهواء يواصل التسبب في ما لا يقل عن 1200 وفاة مبكرة سنويا في صفوف الأطفال والمراهقين في أوروبا، بحسب ما جاء في تقرير للوكالة الأوروبية للبيئة نشر في 24 أبريل الماضي.
وعلى غرار البالغين يشكل هذا التلوث الخطر البيئي الرئيسي على صحة القصر ويقلص متوسط العمر المتوقع بحسب هذه الدراسة التي شملت حوالي 30 دولة في القارة، بينها دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون.
وقد تبدأ مفاعيل التلوث في الظهور قبل الولادة، مع تعرض المرأة الحامل لتلوث الأجواء. وتتجلى في وزن منخفض عند الولادة وولادات مبكرة، حسب ما أوضحته الوكالة البيئية.
وبعد الولادة يزيد التلوث احتمالات الإصابة بمشكلات صحية، من بينها الربو الذي يطال 9 في المئة من الأطفال والمراهقين في أوروبا وقصور عمل الرئتين والتهابات في الجهاز التنفسي.
وتتفاقم هذه المفاعيل نظرا إلى أن الأطفال أكثر نشاطا من البالغين على الصعيد البدني فيما قامتهم الصغيرة تعرضهم أكثر لمصادر التلوث مثل عوادم السيارات.
وتعرّض 97 في المئة من سكان المدن من كل الفئات العمرية في 2021 لأجواء لا تستوفي توصيات منظمة الصحة العالمية.
وتُعَدّ الأمراض المرتبطة بتلوث الهواء من أمراض الرئة البيئية، وتحتوي المكونات الرئيسية لتلوث الهواء في البلدان المتقدمة على ثاني أكسيد النتروجين (بسبب احتراق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي)، والأوزون (بسبب تأثير أشعة الشمس في ثاني أكسيد النتروجين والهيدروكربونات)، والجزيئات الصلبة أو السائلة المُعلَّقة.
وتؤدي معظم ملوثات الهواء إلى انقباض في عضلات المَسالِك الهَوائيَّة وتضيُّقٍ في مجرى الهواء. وقد يزيد التعرض لتلوث الهواء على المدى الطويل عند مختلف الشرائح البشرية، وخُصوصاً الأطفال، من العدوى التنفسية وأعراض الاضطرابات التنفسية، مثل السعال وصعوبة التنفُّس، ويُضعف وظائف الرئة.
ويُعد الأوزون (المكون الرئيسي للضباب الدخاني) مهيجا قويا للرئة، وتميل مستوياته إلى أن تكون مرتفعة في فصل الصيف بالمقارنة مع الفصول الأخرى وإلى أن تكون مرتفعة أكثر نسبياً في وقت متأخر من الصباح وبداية فترة الظهيرة بالمقارنة مع أوقات أخرى من النهار. ويمكن أن يؤدي التعرض له على المدى القصير إلى صعوبات في التنفُّس وألم في الصدر وفرط في تفاعلية مجرى الهواء. ويكون الأطفال الذين يشاركون في نشاطاتٍ تجري في الهواء الطلق في أيام يكون فيها التلوث بالأوزون مرتفعاً، أكثر ميلاً إلى الإصابة بالربو. ويسبب التعرض الطويل للأوزون ضعفاً بسيطًا ودائمًا في وظائف الرئة.
ويُمكن أن يُؤدِّي حرق الوقود الأحفوري الذي يحتوي على مستويات مرتفعة من الكبريت إلى تشكُّل جزيئات حمضية تترسب بسهولة في مجرى الهواء العلوي، كما يمكن لهذه الجسيمات، التي تسمى أكسيدات الكبريت، أن تتسبب في التهاب وانقباض المَسالِك الهَوائيَّة، ممَّا يسبِّب أعراضاً مثل صعوبة التنفُّس.