شبكة "إم بي سي" تفتح للمواطنين آفاق تملّك وسائل إعلام

أنماط الملكية القديمة لن تستمر على حالها باتساع سوق المنصات.
الجمعة 2023/11/24
رؤية احترافية

يسلط إعلان مجموعة "إم بي سي" السعودية عن أولى خطواتها لطرح مجموعة من أسهمها في البورصة الضوء على منطق الاستثمار الحر في وسائل الإعلام، وهو ما يمكن أن يغير نمط ملكياتها.

القاهرة - فتحت موافقة سوق الأسهم السعودية على طرح مجموعة “إم بي سي” للاكتتاب بين الأفراد والمستثمرين التابعين لمؤسسات مختلفة الباب أمام تجريب أنماط جديدة للإعلام العربي الذي يدور في فلك الملكية الحكومية وشركات استثمارية أو مساهمة خاصة، ويدعم ذلك اتساع سوق الإعلام واستفادته من منصات البث عند الطلب وتطور أنواع الوسائل الرقمية التي خدمت الإعلام التقليدي بأوجه مختلفة.

وقالت مجموعة “إم بي سي” السعودية إن التداول سوف يشمل طرح 33 مليونا و250 ألف سهم جديد، وسيتم بيع 10 في المئة منها لمستثمرين أفراد و90 في المئة لمستثمرين مؤسساتيين، وتقدم الطلبات عبر عدة بنوك سعودية، تشمل بنك الرياض والبنك السعودي الفرنسي والأهلي السعودي والبنك العربي الوطني، دون أن تكشف المجموعة عن السعر المتوقع للطرح.

وتمضي المجموعة التي تمتلك الحكومة السعودية فيها 60 في المئة على طريق وسائل إعلام أجنبية ومنصات رقمية لديهما أسهم في بورصة الدول التي يخرجان منها، بينها “نتفليكس” و“ديزني” و“أو إس إن”، ما يجعل تجربة “إم بي سي” جيدة ويمكن القياس على مدى نجاحها لتطبيقها في مجموعات إعلامية عربية لديها أيضا انتشار واسع.

وبلغت إيرادات مجموعة “إم بي سي” 930 مليون دولار العام الجاري، وزادت بنسبة 23 في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية، ونمت منصة “شاهد” بنسبة 59 في المئة، ومن المتوقع أن يستمر هذ النمو بعد أن وصلت الأنشطة في البث التلفزيوني إلى مرحلة النضج، وباتت المنصة تقدم دخلا إضافيا كبيرا للمجموعة، يساعدها على جذب المزيد من الراغبين في الاستثمار ونجاح طروحاتها.

عمرو قورة: ما قامت به مجموعة "إم بي سي" نادى به الكثير من خبراء الإعلام
عمرو قورة: ما قامت به مجموعة "إم بي سي" نادى به الكثير من خبراء الإعلام

ويرى خبراء إعلام من دول عربية أن الخطوة السعودية قد تغير نمط ملكيات الإعلام في بعض الدول العربية، خاصة في الإعلام الذي تسيطر عليه جهات حكومية وسوف يكون من الممكن إتاحة الفرصة أمام دخول مستثمرين وأفراد للمساهمة في رأس المال مع ارتفاع الميزانيات المالية التي يحتاجها الإعلام في الوقت الراهن، والأزمات الاقتصادية التي باتت مؤثرا مهما في الإنفاق على الإعلام بوجه عام.

وتعد الشبكات والمجموعات الإعلامية القديمة والراسخة الأكثر قدرة على تجربة أنماط جديدة من الملكية، شريطة أن تقدم ما يثبت نموها واستقرارها المهني والإعلاني الذي يجذب الأفراد للتداول، وأن تتوفر فيها مقومات الشفافية التي تشجع على شراء أسهمها، وأن تقوم بتغيير نمط إدارتها الحالي ليصبح أكثر احترافية ويتماشى مع الشركات الاستثمارية بعيداً عن إعلام الخدمة العامة الذي كان سائداً في فترات سابقة.

وكشف الرئيس التنفيذي لمجموعة “إم بي سي” سام بارنيت في تصريحات إعلامية أن “الطرح العام الأولي بداية فصل جديد للمجموعة وأنها تُقدم على مرحلة جديدة من النمو، وهو أمر لم يتحقق منذ فترة طويلة”، مشيراً إلى أن المشاهدين يعرفون الشبكة بالبث المجاني وهذا سيستمر بالنمو، وأكد أن برامج التلفزيون ستبقى مهمة للغاية، لكن فيما يتعلق بمنصة الفيديو حسب الطلب “نرى نموا معتبرا”.

وأشار الخبير الإعلامي عمرو قورة إلى أن المجموعة السعودية تعمل منذ سنوات للوصول إلى هذه المرحلة التي تتمكن فيها من طرح أسهمها في البورصة، واستطاعت أن تحقق أرباحا متصاعدة في السنوات الثلاث الماضية، ما يمنح الثقة للاستثمار فيها.

ويتّضح أن التلفزيون التقليدي في طريقه إلى الزوال خلال السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة، وأن المستقبل سوف يكون للمنصات الرقمية أو منصات حسب الطلب بما يجعل التوجه نحو تطويرها على نحو يمكّن من جذب أكبر عدد من المشتركين.

وأضاف قورة في تصريح لـ”العرب” أن “ما قامت به مجموعة ‘إم بي سي’ نادى به الكثير من خبراء الإعلام خلال السنوات الماضية، لأن أنماط الملكية القديمة لن تستمر على حالها، ومفهوم الناس عن ملكية القنوات سيتغير، وهناك معاناة يواجهها ملاك وسائل الإعلام في الوقت الحالي، لأن القدرة على الإنفاق تراجعت بفعل تراجع الإعلانات انعكاساً على الأوضاع الاقتصادية، ما يدفع نحو التفكير في أساليب جديدة للإدارة الرشيدة التي تضمن استمرار القدرة على تقديم المحتوى الإعلامي”.

ولفت الخبير الإعلامي عمرو قورة إلى أن إدارة قنوات “إم بي سي” أثبتت خلال ما يقارب ربع قرن امتلاكها رؤية احترافية جعلتها تنمو بشكل مستمر، وبالتالي كانت خطوتها الأخيرة متوقعة، كما أن الشبكات الإعلامية العربية الكبيرة في دبي وأبوظبي وأيضَا القاهرة قد تُقدم على تلك الخطوة لأنها توفر سيولة مالية جديدة تحتاجها وسائل الإعلام في الوقت الحالي شريطة أن تحافظ تلك المؤسسات على حالة من الاستقرار وأن يكون معدل نموها منطقياً للتأكد من أنها تسير على أرضية صلبة.

تأسست المجموعة عام 1991 ويصل محتواها الآن إلى 150 مليون مشاهد أسبوعياً، وتمتلك 13 قناة مجانية لديها نسب مشاهدات مرتفعة في مصر والعراق والمغرب، و40 في المئة من إجمالي المشاهدين في السعودية، إلى جانب خمسة حقوق بث رياضي حصرية عبر القناة الرياضية السعودية.

سامي عبدالعزيز: السعودية بدأت التفكير في منطق الاستثمار الحر
سامي عبدالعزيز: السعودية بدأت التفكير في منطق الاستثمار الحر

وتمتلك المجموعة منصة البث حسب الطلب “شاهد” الأولى في المنطقة التي بلغ عدد مشتركيها 3.8 مليون شخص خلال شهر رمضان الماضي، و22 مليون مشاهد نشط شهرياً بحصة في السوق تبلغ 23 في المئة من سوق الاشتراك.

وقد تجعل الشفافية التي تتمتع بها المجموعة، وتتيح التعرف على معدل مشاهدتها عبر التعاقد مع شركات قياس مشاهدة عالمية، من اتجاه الأفراد والمستثمرين إليها متوقعا. وثمة اقتناع بأن المستثمرين يمكنهم مراجعة إدارة الشبكة في ميزانيتها المعلنة.

وقال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة سامي عبدالعزيز إن “السعودية بدأت التفكير في منطق الاستثمار الحر والرأسمالية الواضحة في إدارة وسائل الإعلام، وهي خطوة ضخمة جدا تؤكد الثقة في الكيان الإعلامي الذي طرحته بالبورصة، وأن ما تحققه الشبكة من ارتفاع في نسب الإعلانات والتعاقدات الضخمة من المعلنين ومشاهدي المنصات الرقمية هو العامل الأول الذي يجعل الطرح الحالي قابلاً للنجاح”.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “الشبكة السعودية سوف يكون عليها تقديم وثائق تثبت وتؤكد معدلات المشاهدة والتفاعلية لإقناع الأفراد، وإتاحة دراسات عديدة تتعلق بسوق الإعلام في المملكة، وسبل نموه خلال الفترة المقبلة”، مشيراً إلى أن “تداخل الأفراد في الإدارة لا يعني تغييراً في السياسة التحريرية للمجموعة، وأن الشبكات الكبيرة التي تخضع لملكية الحكومات لا بد أن تلتزم بسياسة الدولة المالكة”.

وانطلقت قناة “إم بي سي – 1” كأول فضائية عربية خاصة عبر الأقمار الاصطناعية في لندن، قبل أن تنتقل المجموعة إلى دبي عام 2002، وفي العام الماضي جاءت عملية انتقال المقر الرئيسي إلى الرياض لتؤرّخ لمرحلة جديدة من النمو والتوسع.

5