مراسيم عفو شكلية في سوريا تتجاهل معتقلي الرأي ومعارضي الأسد

محكمة العدل الدولية في لاهاي تلزم دمشق بوضع حد للتعذيب وفتح السجون للتفتيش.
الثلاثاء 2023/11/21
النظام غير جدي في حل ملف المعتقلين

دمشق - تجاهلت مراسيم العفو التي أصدرها الرئيس السوري بشار الأسد على مدى ثلاث عشرة سنة معتقلي الرأي ومعارضي النظام.

وأصدر الأسد أكثر من اثنين وعشرين مرسوم عفو عن مساجين منذ اندلاع الصراع في سوريا في العام 2011، آخرها المرسوم الصادر في السادس عشر من نوفمبر الجاري.

ويقول نشطاء حقوقيون إن مراسيم العفو الصادرة عن الرئاسة السورية ليست سوى محاولة لذر الرماد على العيون، والإيحاء للمجتمع الدولي بوجود إرادة للتغيير وتفكيك التحفظات الدولية، لافتين إلى أن توقيتات إصدار المراسيم عادة مع تترافق مع ضغوط أو أحكام قضائية صادرة عن محاكم دولية.

وأعلن الرئيس السوري الخميس الماضي عن مرسوم عفو جديد عن المساجين، بالتزامن مع قرار لمحكمة العدل الدولية في لاهاي يلزم دمشق بوضع حد للتعذيب وفتح السجون للتفتيش.وقبل ذلك بيوم كانت محكمة في باريس أصدرت مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس السوري وشقيقه ماهر الأسد القائد الفعلي للفرقة الرابعة في الجيش السوري، وعميدين آخرين، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية على خلفية الهجمات الكيميائية التي شنتها دمشق صيف 2013.

مراسيم العفو أفرجت عن 7351 معتقلا تعسفيا فقط، فيما لا يزال لدى النظام 135253 معتقلا ومختفيا قسريا

ونص المرسوم الجديد على العفو عن كامل العقوبة في الجنح والمخالفات، وعن جميع تدابير الإصلاح والرعاية للأحداث، وكامل العقوبة المؤبدة أو المؤقتة للمصاب بمرض عضال غير قابل للشفاء، وكامل العقوبة المؤبدة أو المؤقتة للمحكوم عليه بحكم مبرم وبلغ السبعين من عمره بتاريخ صدور المرسوم، والعفو عن جريمة الخطف إذا بادر الخاطف إلى تحرير المخطوف بشكل آمن ودون أي مقابل أو قام بتسليمه إلى أي جهة مختصة خلال عشرة أيام من تاريخ المرسوم.

وشمل المرسوم العفو عن جرائم الفرار الداخلي والفرار الخارجي إذا سلّم الفارون أنفسهم خلال ثلاثة أشهر بالنسبة إلى الفرار الداخلي، وستة أشهر بالنسبة إلى الفرار الخارجي، وتخفيف عقوبة الإعدام إلى عقوبة السجن المؤبد، وتخفيف عقوبة السجن المؤبد إلى السجن لمدة 20 عاماً، والعفو عن ثلث العقوبة الجنائية المؤقتة، وثلث العقوبة في جرائم الأحداث، ونصف العقوبة في الجنح المنصوص عليها في المادة 134 من قانون العقوبات العسكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 61 لعام 1950 وتعديلاته، بينما لا تطبق أحكام التخفيف للجنايات التي تسببت بضرر شخصي إلا إذا أسقط الفريق المتضرر حقه الشخصي.

واستثني من العفو مرتكبو “جريمة حمل السلاح في صفوف العدو ضد سوريا، وكذلك تهريب الأسلحة والاتجار بها، إضافة إلى الجرائم المتعلقة بقانون ضابطة البناء، وجريمة إضرام النار قصداً بالحراج والجرائم المنصوص عليها في قانون حماية المستهلك”.

كما استثني مرتكبو “الجرائم التي أدت إلى موت إنسان، ولا يؤثر هذا العفو على دعوى الحق الشخصي وتبقى هذه الدعوى من اختصاص المحكمة الواضعة يدها على دعوى الحق العام”.

ووفق المرسوم لا يستفيد من العفو “المتوارون عن الأنظار والفارون من وجه العدالة في الجنايات المشمولة جزئياً بأحكام هذا المرسوم التشريعي إلا إذا سلموا أنفسهم خلال ستة أشهر من تاريخ صدوره إلى السلطات المختصة”.

وقال رئيس هيئة القانونيين السوريين خالد شهاب الدين إن النظام السوري يحاول صرف النظر عن أي قضية حقوقية تثار ضده.

وأوضح شهاب الدين في حديث مع موقع تلفزيون سوريا أن العفو الجديد لا يمت بصلة إلى ما طلبته محكمة العدل الدولية بشأن التدابير الخاصة بوقف التعذيب، حيث لا يشمل المرسوم المعتقلين على خلفية المشاركة في الثورة السورية.

وأضاف أن المرسوم استثنى القانون رقم 19 لعام 2012، والذي يتعلق، حسب وصف النظام، بـ”جرائم تخص الثورة السورية”، وبالتالي لن يخرج أي معتقل جرى اعتقاله بسبب الانخراط في الاحتجاجات.

الرئيس السوري يعلن عن مرسوم عفو جديد عن المساجين، بالتزامن مع قرار لمحكمة العدل الدولية في لاهاي

وأشار إلى أن المرسوم شمل بعض الجرائم الجنائية العادية، مضيفاً أنه يهدف إلى إعطاء فرصة للمغتربين المطلوبين للخدمة الإلزامية لدفع البدل المالي عبر استغلال الضعاف منهم، والاستفادة من القطع الأجنبي والدولار.

ووصف شهاب الدين المرسوم بأنه لا يحمل أي نفع لمعتقلي الرأي والحراك الشعبي، إذ تعوّد النظام على هكذا مراسيم من أجل خدمته واستغلال الظروف والأحداث على الساحة الدولية، لافتاً إلى أن المنظمات الحقوقية الدولية باتت تعلم جيدا الهدف الرئيسي من هكذا مراسيم، ولذلك لا تعيرها أي اهتمام.

من جهته اعتبر مدير رابطة المحامين السوريين الأحرار في هاتاي عمار عزالدين أن مرسوم العفو هزيل، وخبيث في مواده القانونية التي تحتوي على خداع قانوني، في محاولة من النظام لإيصال رسالة للسوريين بتغيير نهجه وأنه بموجب المرسوم حتى التهم التي لفقت للسوريين سيتم العفو عنها، ولكن في الواقع وعند قراءة المرسوم تقنيا بشكل قانوني يتضح أنه لا يختلف كثيرا عما سبقه من المراسيم التي أصدرها النظام.

وذكر عزالدين أن العفو استثنى الأفعال التي أفضت إلى موت إنسان، وجاء النص على إطلاقه دون أن يبين أن هذه الأفعال تؤدي بشكل مباشر إلى قتل إنسان، أي أن الغموض في النص يجعل أي فعل قد ينسب إلى المتهم ولو كان فعل المتهم لا يؤدي بشكل مباشر إلى مقتل إنسان فلا يشمله العفو، حيث يكفي انتماء المتهم إلى جماعة معارضة، وقيام هذه الجهة بأي فعل يؤدي إلى مقتل إنسان، فيكون الشخص غير مشمول بالعفو، وبالتالي يفتح ذلك باباً للابتزاز المالي من الأجهزة الأمنية والسلطات القضائية.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أصدرت في الحادي عشر من نوفمبر العام الماضي تقريرا بعنوان “تحليل لكافة مراسيم العفو التي أصدرها النظام السوري منذ مارس 2011 حتى أكتوبر 2022”، مشيرةً إلى أن كل “مراسيم العفو” أفرجت عن 7351 معتقلاً تعسفياً فقط، ومازال لدى النظام السوري قرابة 135 ألفاً و253 معتقلاً ومختفياً قسرياً.

2