حل الدولتين والخيار النووي الإسرائيلي

جهود الولايات المتحدة للسلام تتطلب تخلي نتنياهو عن ائتلافه الحاكم.
الاثنين 2023/11/20
نتنياهو مكبل بضغوط واشنطن وحلفائه المتطرفين

تستعد الولايات المتحدة لإحياء مفاوضات السلام المتوقفة بين إسرائيل والفلسطينيين بعد انتهاء الحرب على غزة. ولا يتوقع مراقبون أن تسفر المفاوضات المحتملة عن نتائج ما لم تتمكن واشنطن من إقناع تل أبيب بتوازي مسارات الحل.

واشنطن - أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في 25 أكتوبر الماضي أن الوضع بين الفلسطينيين وإسرائيل لن يشهد عودة إلى ما كان قائما قبل 7 أكتوبر، أي قبل أن تشن حماس هجومها المفاجئ على إسرائيل والهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة.

وكرر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن كلمات بايدن، وقال أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إن السلام لا يمكن أن يتحقق في الشرق الأوسط دون أن يضمن الشعب الفلسطيني حقه المشروع في تقرير مصيره في دولته الخاصة. وتابع التصريح في 3 نوفمبر، معلنا في مؤتمر صحفي أن الولايات المتحدة ملتزمة بحل الدولتين.

وأكد أن “أفضل مسار قابل للتطبيق، بل المسار الوحيد، هو من خلال حل الدولتين. إنه الطريقة الوحيدة لإنهاء دائرة العنف مرة واحدة وإلى الأبد”.

وشدد البيت الأبيض على دعمه لحل الدولتين منذ أن تولى بايدن منصبه. لكن بلينكن واجه صعوبة في جذب الانتباه إلى هذه السياسة، بينما كافحت إسرائيل لتشكيل حكومة بعد فترة طويلة من الجمود السياسي شهدت أربع انتخابات غير حاسمة في ثلاث سنوات (أبريل 2019، سبتمبر 2019، مارس 2020 ومارس 2021).

وتوجه الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع للمرة الخامسة في نوفمبر 2022. وتمكن رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو من تأمين ما يكفي من الأصوات والدعم السياسي لتشكيل ائتلاف حاكم يميني متطرف.

إذا استؤنفت مفاوضات السلام يجب على واشنطن أن تقود جهود إقناع تل أبيب باتباع مسار جنوب أفريقيا

ويقول سكوت ريتر ضابط مخابرات سابق في مشاة البحرية الأميركية وخدم في الاتحاد السوفييتي السابق في تنفيذ معاهدات الحد من الأسلحة، وفي الخليج العربي خلال عملية عاصفة الصحراء وفي العراق للإشراف على نزع أسلحة الدمار الشامل، في تقرير لموقع “كونسورتيوم نيوز” إنه رغم أن فوز نتنياهو أنهى الكابوس الانتخابي الإسرائيلي، إلا أنه كان ناقوس الموت لتطلعات إدارة بايدن إلى عملية سلام فلسطينية – إسرائيلية تقوم على حل الدولتين.

وكان الائتلاف الحاكم الذي شكله نتنياهو أكثر ميلا نحو القضاء على السلطة الفلسطينية القائمة من إحياء رؤية ماتت (من منظور اليمين المتطرف في إسرائيل) مع إسحاق رابين في 4 نوفمبر 1995.

ويضيف ريتر أن دفع إدارة بايدن لحل الدولتين في أي مفاوضات بعد الصراع يتطلب تخلي نتنياهو عن ائتلافه الحاكم، وهو ما سيكون نهاية مستقبله السياسي. وهذا معروف على نطاق واسع داخل الحكومة الأميركية.

ويشير إلى أنه يجب ضمان وجود زعيم سياسي قادر على دعم فكرة أخْمِدَت في السياسة الإسرائيلية منذ ثلاثة عقود حتى يدفع بايدن وبلينكن لصالح حل الدولتين بعد الصراع.

وحتى لو أمكن تشكيل مثل هذا الائتلاف الحاكم لدعم فكرة حل الدولتين التي لا تلقى صدى لدى الإسرائيليين والفلسطينيين، توجد عقبة نهائية يجب إزالتها قبل أي فكرة لسلام دائم مبني على المساواة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وتكمن في برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي.

وأربكت مسألة الأسلحة النووية الإسرائيلية كل رئيس أميركي منذ جون كينيدي. وبلغت ذروتها في 1968، بعد أن وقعت الولايات المتحدة على معاهدة حظر الانتشار النووي. وكان الرئيس ليندون جونسون هو الذي وقّع على المعاهدة في 1 يوليو 1968، لكن خليفته ريتشارد نيكسون تكبّد مشاكل التنفيذ.

وشملت القضايا السياسية الرئيسية التي واجهت إدارة نيكسون وضع برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي. وكانت إدارة نيكسون ملتزمة بشدة بمعاهدة حظر الانتشار النووي، والقوانين الأميركية التي تحظر بيع التكنولوجيا العسكرية إلى دولة تنتهك معاهدة حظر الانتشار النووي أو (في حالة إسرائيل) تمتلك أسلحة نووية خارج نطاق المعاهدة.

ونصح مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر الرئيس نيكسون بالضغط على إسرائيل للتوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي ونزع سلاحها النووي. لكن نيكسون رفض أن يُنظر إليه على أنه يضغط على إسرائيل في قضية تتبع الأمن القومي، واختار بدلا من ذلك سياسة الغموض النووي، حيث وعدت إسرائيل بألا تكون أول دولة “تُدخل” أسلحة نووية إلى الشرق الأوسط، طالما كان مفهوما أن كلمة “إدخال” لا تعادل كلمة “امتلاك”.

وتواصل الولايات المتحدة بعد خمسة عقود ونصف توفير الغطاء الدبلوماسي للأسلحة النووية الإسرائيلية، مع الحفاظ على وهم الغموض على الرغم من معرفتها الكاملة بأن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية قوية.

وأصبح الحفاظ على هذا الموقف أكثر صعوبة مع عدوان الحكومة الإسرائيلية في ما يتعلق بسياسة الغموض التي تنتهجها.

الولايات المتحدة بعد خمسة عقود ونصف تواصل توفير الغطاء الدبلوماسي لإسرائيل
الولايات المتحدة بعد خمسة عقود ونصف تواصل توفير الغطاء الدبلوماسي لإسرائيل

وخلال المراجعة الدورية التي أجرتها الأمم المتحدة لمعاهدة حظر الانتشار النووي في 2022، خاطب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك يائير لابيد لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية حول “قدرات إسرائيل الدفاعية والهجومية، وما يشار إليه في وسائل الإعلام الأجنبية بقدرات أخرى”. وقال لابيد في إشارة واضحة إلى الأسلحة النووية الإسرائيلية إن “هذه القدرات الأخرى تبقينا على قيد الحياة وستبقينا على قيد الحياة طالما نحن وأطفالنا هنا”.

وتشكل الأسلحة النووية الإسرائيلية في ظل الظروف الراهنة تهديدا للأمن الإقليمي والعالمي. ومع احتمالات توسع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الحالي ليشمل حزب الله وربما إيران، تواجه إسرائيل للمرة الأولى منذ عام 1973 تهديدا وجوديا حقيقيا صُممت الأسلحة النووية الإسرائيلية لردعه.

وألمح أحد الوزراء الإسرائيليين بالفعل إلى جاذبية استخدام الأسلحة النووية ضد حماس في غزة. لكن التهديد الحقيقي سيتعزز إذا جُرّت إيران إلى الحرب.

ويمكن أن يُعتمد هنا “خيار شمشون” الذي ترددت الكثير من الشائعات حوله، وتستخدم إسرائيل ترسانتها النووية لتدمير أكبر عدد ممكن من الأعداء بمجرد أن يصبح بقاؤها في خطر.

ونظرا للخطر الحالي الذي تفرضه الترسانة النووية الإسرائيلية، يصبح منع توسع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أمرا ملحا. ويجب أن تنطلق العملية نحو حل طويل الأمد يشمل فلسطين حرة ومستقلة بمجرد أن يصبح إنهاء الصراع ممكنا. لكن الدولة الفلسطينية الجديدة لا يمكن أن تكون حرة أبدا إذا كانت جارتها إسرائيل تمتلك أسلحة نووية.

ومن خلال العمل على أساس أن إنشاء دولة فلسطينية سيتزامن مع الدفع المتجدد لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب، سيكون أمن الدولة العبرية في وضع أفضل ينهي حاجتها إلى الأسلحة النووية.

ويوفر التاريخ نموذجا لإقناع إسرائيل بالتخلي طوعا عن أسلحتها النووية. وأطلقت جنوب أفريقيا العنصرية برنامجا للأسلحة النووية في أوائل السبعينات. وتؤكد تقارير المخابرات الأميركية أن برنامج جنوب أفريقيا بدأ رسميا في 1973. وأنها بنت وطورت أول جهاز متفجر نووي بحلول 1982.

وصنعت جنوب أفريقيا ست قنابل نووية وظيفية بعد سبع سنوات، أي في 1989، كانت كل منها قادرة على إطلاق ما يعادل 19 كيلوطن من مادة “تي.إن.تي” شديدة الانفجار.

رغم أن فوز نتنياهو أنهى الكابوس الانتخابي الإسرائيلي، إلا أنه كان ناقوس الموت لتطلعات إدارة بايدن إلى عملية سلام فلسطينية – إسرائيلية تقوم على حل الدولتين

وكان برنامج الأسلحة النووية في جنوب أفريقيا يشبه البرنامج الإسرائيلي حيث تطوّر في سرية تامة وكان مصمما لردع التهديد الذي تشكله حركات التحرير السوداء المدعومة من الشيوعية والتي تعمل على طول محيط دولة جنوب أفريقيا.

وانتخبت جنوب أفريقيا رئيسا جديدا في 1989، هو فريديريك ويليم دي كليرك الذي أدرك بسرعة أن الرياح السياسية كانت تتغير وأن البلاد يمكن أن تقع في غضون سنوات قليلة تحت سيطرة القوميين السود بقيادة نيلسون مانديلا.

فاتخذ القرار غير المسبوق بالانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي كدولة غير نووية وفتح برنامج بلاده النووي للتفتيش والتفكيك. وانضمت جنوب أفريقيا إلى معاهدة حظر الانتشار النووي في 1991. وأمكن بحلول 1994 تفكيك جميع أسلحتها النووية تحت إشراف دولي.

وبمجرد انتهاء الحرب الفلسطينية – الإسرائيلية، وإذا قررت إسرائيل التفاوض بحسن نية حول إمكانية قيام دولة فلسطينية حرة ومستقلة، فيجب على الولايات المتحدة أن تقود جهود إقناع حكومتها باتباع مسار جنوب أفريقيا من خلال التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي والعمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتفكيك الترسانة النووية الإسرائيلية بالكامل.

ويجب أن تكون مثل هذه الخطوة غير قابلة للتفاوض. وإذا كانت الولايات المتحدة جادة في خلق الظروف لسلام طويل ودائم بين إسرائيل والفلسطينيين، فسيتوجّب عليها استخدام كل النفوذ المتاح لها للضغط على إسرائيل لنزع أسلحتها النووية طوعا.

ويختم ريتر تقريره بالقول إن هذا هو الطريق الوحيد القابل للتطبيق للسلام بين إسرائيل والعالم العربي والإسلامي المحيط بها.

6