رئيس الحكومة التونسي يدافع عن سياسة اتصال تعتمد على الإنجاز بدلا من الخطابة

تونس - علق رئيس الحكومة أحمد الحشاني على الانتقادات الموجّهة إليه على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب عدم قيامه بتصريحات أو خطابات، مصرّحا بأنّه “لا يحبّذ الكلام كثيرا وإنما يفضل العمل والإنجاز”.
وجاء تصريح الحشاني خلال كلمته في افتتاح الجلسة العامّة بالبرلمان الخاصّة بمناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2024 الجمعة، ورد فيها على الشائعات التي تتحدث عن إفلاس الدولة التونسية بقوله إن من يطلق الانتقادات “يريد فقط تخويف المواطنين”، واصفا الوضع الاقتصادي بالظرف الخاص لا غير.
وينظر بعض المنتقدين لسياسة التواصل إلى الحكومة على أنها ضعيفة وتفسح المجال أمام الشائعات في ظل انحسار المعلومات، في حين يتطلع الرأي العام في تونس إلى معرفة تفاصيل تتعلق بالحكومة واتفاقياتها الدولية وخاصة ما تعلق منها بالاقتصاد الذي ينعكس على معيشتهم بشكل مباشر، مع تردد الأحاديث التي تفيد بأن صندوق النقد الدولي يشترط على تونس البدء بإصلاحات اقتصادية موجعة.
ولا تتعلق الانتقادات بمؤسسة رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء في الفترة الحالية، بل لطالما كانت مثار جدل بعد ثورة يناير 2011 مع الرؤساء المتعاقبين والحكومات المتتالية، ولم تتبدل الانتقادات ولا طريقة تواصل الحكومات بل اتخذتا المنحى نفسه إما لتواضع إمكانيات فريق التواصل أو لاختيارها الصمت كآلية زمن الأزمات.
طريقة التواصل التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة لم تتبدل؛ إما لتواضع فريق التواصل أو لاختيارها الصمت
وبالنسبة إلى الحشاني فإن الإنجاز والعمل منحهما الأولوية على سياسة التواصل، وتوجه لأول مرة بخطاب إلى نواب الشعب وقدم بيان الحكومة المتعلق بميزانية الدولة، معبرا عن تفاؤله وإيمانه بالقدرة على العودة بتونس إلى مسارها وعزمه على تحقيق النجاح بالتعاون مع جميع الأطراف.
ولم تختلف وجهة نظر الحكومة بشأن رؤيتها للتواصل عن وجهات نظر الحكومات السابقة، حيث صرح الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة نصرالدين النصيبي بأن “علاقة الحكومة مع الإعلام واضحة”. وأضاف، في تصريح لإذاعة “ديوان. أف. أم” الخاصة، أنه من حق الصحافيين الحصول على المعلومة، “توفير المعلومة ليس مزية”، وذلك في إطار رده على الانتقادات التي طالت سياسة التواصل التي تنتهجها الحكومة التونسية.
وأقر النصيبي بأنه “في وقت ما كان هناك نقص في ظهور أعضاء الحكومة باختيار منهم من أجل التمكن في البداية من ملفاتهم والقيام بإنجازات وتكون لديهم نتائج لتقديمها”.
وذكر أن الترفيع في نسبة الحضور دليل على أن الوزراء تقدموا أشواطا في عملهم، وأنه أصبح لديهم ما يقدمونه للإعلام والرأي العام.
ويقول صلاح الدين الدريدي، الباحث في الاتصال والعلاقات العامة، “هناك أمية اتصالية، ومنذ 2011 المجتمع الإعلامي والاتصالي اهتم بالإعلام فقط مهملا موضوع الاتصال، لكن من حق المواطن الاطلاع على برامج الدولة لتفسير الاختيارات”.
ودعت شخصيات سياسية رئاستي الجمهورية والحكومة إلى رفع اللبس القائم في المشهد بشأن حقيقة الأوضاع، عبر مصارحة الشعب بخطاب سياسي واضح وإعلامه بكل التفاصيل والحيثيات المتعلقة بالقضايا الكبرى.
وأفاد الناشط السياسي المنذر ثابت بأن مشكلة التواصل الحاصلة “هي إحدى الثغرات الأساسية للسياسة الرسمية، حيث أن خطاب الطمأنة الذي تحتاجه الشعوب في المحن والأزمات غير موجود، وبالنسبة إلى الحكومة فالاتصال غائب عنها تماما، وهي حكومة فقدت ملكة النطق والتزمت الصمت في مرحلة يحتاج فيها الرأي العام إلى توضيح خارطة طريق بخصوص الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية”.
وتكتفي المؤسستان بإصدار بلاغات على صفحتهما الرسمية في علاقة بالتطورات والمستجدات، دون خطاب تلفزيوني مباشر.
ويشدّد الرئيس سعيد في كل مرة على تمسكه بحرية التعبير والإعلام، مشترطا أن يكون ذلك مسبوقا بـ”حرية التفكير” التي تحافظ على الدولة ومؤسساتها.
وقال الرئيس التونسي إن “الفكر الوطني هو الذي يسعى إلى الحفاظ على الدولة وعلى مؤسساتها ويعمل على أن تكون الصحافة أداة للتعبير”. وأشار إلى أنه “لا مجال لفرض قيود على الصحافة”، وتابع “الأهم هو أن يتحمل كل طرف مسؤوليته في هذا الظرف الذي تعيشه تونس”.
وتأتي هذه التصريحات على وقع اتهامات متكررة من نقابات وقوى في البلاد للسلطات بـ”انتهاك” حريات الرأي والتعبير والصحافة في تونس.
وكانت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين قالت في بيان إن رئاسة الحكومة السابقة أصرت على نهجها في التعتيم على المعلومات، ووضع عوائق غير مشروعة على عمل الصحافيين خلال تغطيتهم لأنشطتها بمقرها في القصبة.
ويجد الصحافيون في تونس أنفسهم غير قادرين على الحصول على أي معلومة. ويعد إغفال مسألة التواصل السياسي سمة بارزة لكل الحكومات التونسية ما بعد ثورة الرابع عشر من يناير 2011؛ فالقطاع يعتبر غير مهيكل ويعاني من نقص في الكوادر.
وسبق أن وجهت حكومة نجلاء بودن إلى الوزراء وكتاب الدولة منشورا تحت عنوان “حول قواعد الاتصال الحكومي للحكومة”، يدعو إلى “ضرورة التنسيق مع مصالح الاتصال برئاسة الحكومة، بخصوص الشكل والمضمون، بمناسبة كل ظهور إعلامي وتحديد قائمة في المتحدثين الرسميين باسم كل وزارة وضرورة أن تتقيد هذه المؤسسات بما جاء في المنشور وتعميمها على المؤسسات الراجعة إليهم بالنظر”. واعتبر مراقبون إعلاميون أن المنشور يكرس سياسة إعلامية مغلقة وعمودية.
وتعتبر أميرة محمد، عضوة المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، أن السياسة الاتصالية لكل من مؤسستي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة رغم مع ما شهدته من تغير طفيف، مازالت سياسة اتصالية عرجاء لا تكرس فعلا الانفتاح، مؤكدة في تصريحات لصحيفة “الصباح” المحلية أن الفراغ التواصلي “هو مناخ ملائم لانتشار الشائعات والأخبار الزائفة”. وأقرت بأن ضعف التواصل وانغلاق المؤسسات الرسمية للدولة على نفسها “ينتج عنهما غياب نقاش عام جدي وحقيقي، ليبقى النقاش العام على غرار ما هو موجود اليوم نقاشا مبنيا على فرضيات واحتمالات”.
بدوره قال المؤرخ خالد عبيد إن “السياسة التواصلية الحالية للسلطة غير ناجعة ولا تتلاءم مع الظرف الذي تعيشه البلاد”، لافتا إلى أن “الواقع يتطلب مصارحة وتواصلا مع الرأي العام التونسي والحديث عن الصعوبات الحقيقية حتى يدرك الشعب حقيقة الوضع والأزمة”. وأضاف لـ”العرب” أن “الصمت اليوم هو اختيار من مؤسسات الدولة ولا ندري إن كان سيتواصل”.
ويقول خبراء إعلام إن إستراتيجيات التواصل السياسي وتقنياته تعد معيارا من معايير نجاح أو فشل الحكومات ومؤسسات الدولة. فهي الواجهة التي تُعرض من خلالها البرامج والمواقف مدروسة ومستجيبة لمتطلبات المرحلة.