الأوضاع في غزة تجمع بين حركتي تحرر الفلسطينيين وتحرر السود

نيويورك - خرج الآلاف من المتظاهرين في جميع أنحاء الولايات المتحدة إلى الشوارع طوال الفترة الماضية مطالبين بوقف إطلاق النار في غزة وإنهاء التمويل الأميركي للجيش الإسرائيلي. ويربط المتظاهرون بشكل متزايد بين حركة تحرر الفلسطينيين وحركة تحرر السود.
وتصف آن إليزا كانينغ سكينر مشاركتها في تظاهرات “حياة السود مهمة” عام 2020 بأنها المرة الأولى التي “اختبرت فيها معنى التضامن”. بعدها بثلاث سنوات، تخرج الشابة (28 عاما) إلى شوارع نيويورك للتظاهر دعما للفلسطينيين بعد مرور شهر على قصف إسرائيلي بلا هوادة على قطاع غزة.
واندلعت الحرب بعد هجوم مباغت شنته حركة حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر، أدى إلى سقوط 1400 قتيل غالبيتهم من المدنيين قضوا عموما في اليوم الأول للهجوم، واحتجاز أكثر من 240 رهينة، بحسب السلطات الإسرائيلية.
وبلغت حصيلة القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ ذلك الحين أكثر من عشرة آلاف وخمسمئة شخص معظمهم مدنيون وبينهم الآلاف من الأطفال، بحسب أحدث حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحماس.
وفي بروكلين مؤخرا، خرجت كانينغ سكينر وهي سيدة سوداء، مع متظاهرين رفعوا لافتات كتب عليها “حياة السود من أجل فلسطين” و”الصمت الأبيض هو العنف”. وتؤكد الشابة أن “كل شيء مترابط”.
وتتشابك جذور تاريخية للتضامن بين المنظمين السود والفلسطينيين. لكن يرى خبراء ونشطاء أن الأحداث التي وقعت في السنوات الماضية أدت إلى بلورة أوجه التقاطع والتشابه للمتظاهرين.
ويؤكد ديريك أيدي، وهو مؤرخ في جامعة ميشيغان، “في ما يتعلق بالقيام بهذا النوع من العمل الأيديولوجي لإقناع الناس بأن فلسطين هي قضية يجب عليهم الانخراط بها، أعتقد أن حياة السود مهمة كانت مهمة للغاية” في ذلك.
وأضاف “هناك المزيد من الناس في الشوارع وهذا بالتأكيد نتيجة لنوع التنظيم الذي كان الناشطون السود يقومون به جنبا إلى جنب مع الجماعات والمنظمات الفلسطينية”.
واستلهم عدد من المفكرين القوميين السود في القرن التاسع عشر من مسعى الصهيونية لإقامة دولة يهودية، معتقدين أن ذلك يناظر رؤيتهم الخاصة لوطن أسود.
يشرح سام كلوغ، وهو مؤرخ دراسات أميركي من أصل أفريقي يركز على إنهاء الاستعمار، أن مع بروز القوة السوداء والحركات المناهضة للحرب في منتصف القرن العشرين، “أصبح أمرا شائعا أكثر في دوائر الناشطين الأميركيين من أصل أفريقي أن يفهموا الفلسطينيين كشعب مضطهد”.
ويقول إن حرب 1967 شكلت نقطة تحول هامة، مشيرا إلى أن لجنة التنسيق الطلابية اللاعنفية، التي كانت قوة تنظيمية رئيسية خلال حركة الحقوق المدنية الأميركية، أصدرت نشرة “اتخذت موقفا قويا مؤيدا للفلسطينيين”.
وأضاف “قامت بوصف نوع من الحالة المشتركة من القمع والاحتلال بين الأميركيين من أصل أفريقي والفلسطينيين، ونوع من المجتمع الاستعماري العالمي”.

وبعدها بعقود، أثار مقتل مايكل براون في فيرغسون في ميزوري على يد الشرطة، احتجاجات جماهيرية ضد العنصرية وعنف الدولة، وبدأت حركة “حياة السود مهمة” في جذب اهتمام أميركي.
وفي صيف 2014، شنت إسرائيل حملة عسكرية ضد غزة لسبعة أسابيع، ويؤكد المؤرخ أيدي أن “رؤية هذين الأمرين يحدثان في وقت واحد عززت أن هذين نضالان موحدان” للعديد من الناشطين.
وأشار “رأينا نوعا من موجة العمل والحوار بين المتظاهرين في فيرغسون وكذلك الفلسطينيين في غزة… تبادل التكتيكات والإستراتيجيات وقصص القمع ومقاومة القمع”.
وفي عام 2020، أثار مقتل جورج فلويد على يد الشرطة المزيد من الاحتجاجات العارمة وعزز جهود مكافحة العنصرية في الولايات المتحدة.
ومرة أخرى، نشر الفلسطينيون نصائح عبر الإنترنت حول كيفية التعامل مع التكتيكات التي تستخدمها شرطة مكافحة الشغب، بما في ذلك الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع.
ويرى كلوغ أن “من الصعب تخيل” وصول الاحتجاجات حاليا في الولايات المتحدة دون حركة “حياة السود مهمة”. وقال “بالتأكيد ليست العامل الوحيد لكنني أعتقد أنها مهمة”.

وأشار عدد من المتظاهرين السود إلى وجود روابط بين سلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية والشرطة الأميركية، مشيرين بشكل خاص إلى البرامج التي تشهد تدريب ضباط أميركيين جنبا إلى جنب مع نظرائهم الإسرائيليين.
حتى قبل الحرب الحالية، كانت إسرائيل تشن عمليات عسكرية شمل بعضها استخدام القوة المميتة ضد المدنيين.
وأشار كلوغ إلى “لغة بصرية مشتركة واضحة يمكن للناس رؤيتها عندما تقوم أجهزة الأمن الإسرائيلية بمعاملة المدنيين الفلسطينيين بوحشية، والتي أصبح الأميركيون على دراية بها من مشاهد رجال الشرطة البيض الذين يرتكبون أعمال عنف ضد المدنيين الأميركيين من أصل أفريقي”.
وقد تساعد هذه العوامل على تقديم شرح جزئي لسبب تعاطف الرأي الأميركي المتزايد وتحسنه حول القضية الفلسطينية، خاصة في صفوف الشبان في السنوات الأخيرة في بلد تؤكد حكومته على دعم لا يتزعزع لإسرائيل.
ويؤكد كلوغ أن الاحتجاجات بسبب مقتل جورج فلويد وعمل “حياة السود مهمة” التي سبقتها، أدت إلى إحداث تحول في الحديث عن القضية الفلسطينية للعديد من النشطاء السود، وأيضا بشكل أوسع “في صفوف الأميركيين الشبان من جميع الأعراق”.
وتحدث كلوغ عن النشاط المتزايد في اليسار بين حركات يهودية معادية للصهيونية مثل “الصوت اليهودي للسلام” وحركة “إيف نوت ناو” وكلاهما لعبا دورا تنظيميا قويا في الأسابيع الأخيرة.
وأكد جو بيهانزين، الذي خرج مؤخرا في تظاهرة في مانهاتن، باستلهام من “حياة السود مهمة” فإن الأمر يتعلق بما وصفه بـ”التضامن العالمي”.
وقال الشاب (25 عاما) إنه يرغب في “الرد بالمثل” على الدعم العالمي لحركة “حياة السود مهمة” في عام 2020، موضحا أنه يأتي في إطار “الحركة العالمية المتواصلة ضد التفوق الأبيض والاستعمار”.