خبراء مغاربة وأجانب يتقاسمون بمراكش التجارب الناجحة في مجال طب الإدمان

شهدت العقود الأخيرة تطورا في مجال طب الإدمان، وبالرغم من عدم وجود علاج لإدمان المخدرات، فإنه توجد خيارات علاجية تساعد في التغلب عليه. ويبحث خبراء مغاربة وأجانب التجارب الناجحة في مجال الحد من الإدمان ويستعرضون الطرق الجديدة التي توفر خيارات علاجية مبتكرة لمواجهة المرض والوقاية منه. وتشهد مختلف بلدن العالم، تطورا للسلوكيات الإدمانية.
مراكش (المغرب) - التأم خبراء وباحثون مغاربة وأجانب، الخميس بمراكش، لتقاسم التجارب الناجحة في مجال طب الإدمان، وذلك في إطار المؤتمر العالمي الـ25 للجمعية الدولية لطب الإدمان.
ويشكل هذا الحدث العلمي، المنظم بشراكة مع الجمعية المغربية لطب الإدمان على مدى ثلاثة أيام تحت شعار “تحسين الرعاية والتعاطف في مجال الإدمان: 25 سنة من تسليط الضوء والآفاق”، فرصة للتواصل مع الخبراء والمهنيين من جميع أنحاء العالم العاملين في مجال طب الإدمان، وتبادل المعرفة في إطار تجربة إنسانية وثقافية غنية جدا.
كما يعتبر مناسبة للاطلاع على تطور الأبحاث في هذا المجال بشكل كبير على مدى العقود الماضية، واكتشاف طرق جديدة تعد بفهم أفضل وتوفر خيارات علاجية مبتكرة لمواجهة هذا المرض والوقاية منه. وقالت رئيسة الجمعية المغربية لطب الإدمان فاطمة العمري إن المؤتمر يعد حدثا علميا كبيرا يعرف حضور أكثر من 550 مشاركا من 50 بلدا من جميع أنحاء العالم، لمناقشة مجموعة من المحاور التي تخص الإدمان على المخدرات، بالإضافة إلى العلاجات الجديدة والنفسية وجميع البرامج الوقائية وتلك التي تخص بعض الفئات من المدمنين كالمرأة والطفل.
بعض العقاقير مثل المسكنات أفيونية المفعول تتسم بمعدل خطورة أعلى حيث تسبب الإدمان بسرعة أكبر من غيرها
وأضافت في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن البرنامج العلمي لهذه التظاهرة يتضمن محاضرات وندوات وورشات عمل ولقاءات مفتوحة لتطوير طرق حديثة لمساعدة المدمنين للتغلب على هذا المرض المزمن، الذي يفتك بالأسرة والمجتمع. وقال الرئيس المنتخب للجمعية الدولية لطب الإدمان حمد الغافري، في تصريح مماثل، إن المغرب يقوم بعمل متميز من خلال تنظيم هذا المؤتمر الذي يهدف إلى تقديم أفضل ما وصل إليه العلم في هذا المجال، والاستفادة من الخبرات والتجارب في مجال العلاج داخل المستشفيات والسجون والمنشآت الإصلاحية.
وأبرز أن المؤتمر يعرف حضور كفاءات محلية وأجنبية لتقاسم التجارب خاصة في مجال الإدمان السلوكي والنتائج المبنية على أساس البحث العلمي، وطرق علاج الإدمان المتخصصة والقائمة على الأدلة. يشار إلى أن الجمعية الدولية لطب الإدمان تأسست في عام 1998، وهي جمعية دولية للأطباء الملتزمين بتطوير المعرفة في مجال طب الإدمان على المخدرات، لاسيما من خلال الاعتراف بالأطباء في جميع أنحاء العالم الذين لديهم دور رئيسي في تعزيز مصداقية دور الطبيب. أما الجمعية المغربية لطب الإدمان فأنشئت في سنة 2014، وهي جمعية علمية رائدة في مجال الإدمان. وتجمع لأول مرة في المغرب جميع المهنيين العاملين في مجال الإدمان من أطباء نفسيين ومعالجين نفسيين وأخصائيي الإدمان.
ومؤخرا، كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب المخاطر المتزايدة التي يسببها الإدمان في المجتمع، داعيا إلى الاعتراف بالإدمان، سواء باستخدام مواد مخدرة أو ممارسة إدمانية، بوصفه “مرضا يتطلب علاجا”، وقابلا من الناحية القانونية للتكفل به من طرف هيئات الضمان والتأمين الصحي والحماية الاجتماعية.
وأكد رئيس هذه المؤسسة الاستشارية أحمد شامي أن “العالم يشهد تطورا للسلوكيات الإدمانية، سواء تلك المرتبطة باستخدام مواد مشروعة وغير مشروعة، كالتبغ والسكر والكحول والمخدرات وغيرها، أو بممارسة أنشطة قد تسبب الإدمان، كألعاب الرهان وألعاب الفيديو والإنترنت وغير ذلك”، مشيرا إلى أن المغرب ليس استثناء عن ذلك الوضع.
وكشف شامي عن نتائج عدد من البحوث والدراسات الميدانية التي تم إنجازها حول الإدمان في المغرب في السنوات الأخيرة، لافتا إلى وجود أكثر من 6 ملايين من المدخنين، 500 ألف منهم أقل من 18 سنة، وحوالي 18500 شخص يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن.
كما أوضح أن “أكثر من 9 في المئة من القاصرين في الوسط التعليمي استهلكوا مرة واحدة على الأقل مخدر القنب الهندي، بالإضافة إلى ممارسة 3.3 مليون شخص ألعاب الرهان، وتنامي الاستخدام الإدماني للشاشات وألعاب الفيديو والإنترنت، خاصة في صفوف المراهقين والشباب”.
وأكد الدكتور رشيد جرموني، الباحث السوسيولوجي، أن الدراسات التي أجريت في هذا الصدد تؤكد أن المغرب يعتبر من أكثر البلدان التي تواجه هذه الآفة، حيث إن فئة المراهقين ما بين 16 و18 سنة هم الأكثر تعاطيا للمخدرات، وهذه المواد تنتشر بشكل كبير على مستوى المؤسسات التعليمية، وتسجل نفس الدراسات أن 50 في المئة من الشباب يتعاطون الحشيش، و8 في المئة من هؤلاء الشباب يستهلكون الكوكايين رفقة أصدقائهم، بينما 13 في المئة منهم يتناولون هذه المواد المخدرة بمفردهم.
وأضاف الدكتور جرموني أن 66 في المئة لا يواجهون أي مشاكل في الحصول على المخدرات، مشيرا إلى أنه بالرغم من كون هذه الأرقام تظل تقريبية ونسبية، إلا أنها مقلقة.
ويعرّف الخبراء الإدمان بأنه حالة تعود قهري على تعاطي مادة معينة من المواد المخدرة بصورة دورية ومتكررة بحيث يلتزم المدمن بضرورة الاستمرار في استعمال هذه المادة ، فإذا لم يستعملها في الموعد المحدد فلابد أن تظهر عليه أعراض صحية ونفسية واجتماعية بحيث تجبره وتقهره للبحث عن هذه المادة وضرورة استعمالها.
وإدمان المخدرات، والذي يسمى أيضا اضطراب تعاطي المخدرات، هو مرض يؤثر على مخ الشخص وسلوكه ويؤدي إلى عدم القدرة على التحكم في استخدام أي عقار أو دواء مشروع أو غير مشروع. كذلك تندرج بعض المواد، مثل المشروبات الكحولية والماريجوانا والنيكوتين، تحت فئة المخدرات. وعندما يكون الشخص مدمنا، فإنه قد يستمر في تعاطي المخدرات على الرغم من الضرر الذي تسببه له.
ويمكن أن يبدأ إدمان المخدرات بالتعاطي التجريبي لمخدر ترفيهي في مواقف اجتماعية معينة، ويصبح الأمر أكثر اعتيادًا لدى بعض الأشخاص مع التكرار. وبالنسبة لغيرهم من الأشخاص، وخاصة مع العقاقير أفيونية المفعول، يبدأ إدمان المخدرات عندما يتناولون الأدوية المتاحة فقط بوصفة طبية أو يأخذونها من أشخاص آخرين يُصرف لهم الدواء بوصفة طبية.
ويختلف خطر الإدمان وسرعة تحول الشخص السليم إلى مدمن حسب العقار. تتسم بعض العقاقير، مثل المسكنات أفيونية المفعول، بمعدل خطورة أعلى حيث تسبب الإدمان بسرعة أكبر من غيرها.
9
في المئة من القاصرين في الوسط التعليمي استهلكوا مرة واحدة على الأقل مخدر القنب الهندي
ومع مرور الوقت، قد يحتاج الشخص المدمن إلى جرعات أكبر من العقار ليصل إلى الشعور بالنشوة. وسرعان ما يحتاج إلى العقار ليشعر فقط بأنه بحالة جيدة. مع زيادة استخدام العقار، قد تزداد لديه صعوبة مواصلة الحياة بدون العقار. وقد تؤدي محاولات التوقف عن استخدام العقار إلى إحساس قوي بالرغبة في تناوله بجانب الشعور بتعب بدني شديد. وهذا ما يعرف بأعراض الامتناع عن التعاطي.
وسيحتاج المدمن إلى مساعدة الطبيب أو العائلة أو الأصدقاء أو مجموعات الدعم أو برنامج علاجي منظم للتغلب على إدمان العقار ومواصلة الحياة بدونه.
وبالرغم من عدم وجود علاج لإدمان المخدرات، فإنه توجد خيارات علاجية تساعد في التغلب على الإدمان والابتعاد عنه. ويعتمد العلاج على العقار المستخدَم وأي اضطرابات مَرضية أو عقلية ذات صلة قد يعاني منها المدمن. ومن المهم أيضا الالتزام بمتابعة طويلة الأجل لمنع الانتكاس.
عادة ما توفر البرامج العلاجية لاضطراب استخدام العقاقير ما يلي:
ـ جلسات علاجية فردية أو جماعية أو عائلية.
ـ التركيز على فهم طبيعة الإدمان والتخلص منه ومنع الانتكاس.
ـ مستويات من الرعاية والتجهيزات تتفاوت حسب الاحتياجات الفردية، مثل برامج العلاج في العيادات الخارجية وداخل المستشفى والعلاج مع الإقامة.