خطيئة الابتهال العربي.. هذا ليس حديث مؤامرة

كيف تُقنع من يرتمي في أحضان السفارات بحثا عن ملاذ آمن وهو يدّعي السيادة والوطنية. والغرابة الأكثر تكمن في ذلك البعض الذي لازال يأمل خيرا بمن يقول "لو لم تكن إسرائيل موجودة لاخترعنا واحدة".
الثلاثاء 2023/10/31
كل شيء سياسة.. حتى الجريمة

يقول البعض إن العرب دائماً ما كانوا يؤمنون بالقسمة، في حين أن أميركا وضعتهم في جدول الضرب.

ما تريد أن تخبرنا به هذه الكلمات أن ما يجري في واقعنا ليس أقل من حفلة تعرّ عالمية، أو بشكل أدق إلقاء آخر قطعة ملابس على المسارح التي كانت تحمل مشاعر النضال والكفاح وتحرير الأراضي المغتصبة.

نستطيع القول دون أن يرمش لنا جفن إن غالبية الشعوب العربية هي الأكثر ميلاً لأحلام اليقظة التي تتزامن اليوم مع إبادة أهل غزّة، ولا زالت تلك الغالبية تتمتع بحصة الأسد من هذه العوالم الحالمة، وهم يحجّون إلى سفارات البيت الأبيض لتلقّي النصائح والإرشادات من أصغر موظف فيها.

أليس من سخريات القدر أن تلوذ الضحية بالقاتل لتحتمي به من الخطايا والجرائم التي كانت من صنع يديه، كيف تأمن الخِراف للذئب؟

◙ العرب لازالوا يملكون عناصر قوة لم تُكتشف بعد وإن كانت بعض تلك العناصر قد تم استخدامها في حرب عام 1973 مثل النفط، والموقع الجغرافي الذي يسيل له لُعاب الشرق والغرب معاً

ألم يقل الرئيس المصري السابق حسني مبارك يوماً “إن المتغطي بأميركا عريان”.

سيدّعي ذلك البعض أنها سياسة، كما كان الأديب السويسري جو تفيرد كيلر يردد في مقولته الشهيرة “كلُّ شيء سياسة”، لكن من قال إن أميركا تريد الخير للشعوب العربية مهما ابتسمت في وجوههم؟

“لو لم تكن إسرائيل موجودة لأقمناها” هكذا ردد الرئيس الأميركي جو بايدن جملته المشهورة، بعد أكثر من 37 عاماً خلال زيارته التضامنية التي أجراها لتل أبيب في حصارها لغزّة، ليُجدّد دعمه لدولة الاحتلال.

ويبدو أن بايدن كان يعي كلامه جيداً، وفي كامل قواه العقلية حين قال ذات مرة لدى استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “لا بد أنكم سمعتموني أقول عدة مرات أنه لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان علينا اختراع واحدة، وأنا أعني هذا الكلام”.

ما نستنتجه في محصلة القول إن أميركا تجعل من إسرائيل في المقام الأعلى من الوجود، وإنها من الأولويات في السياسة الأميركية مهما تبدلت الوجوه وتغيرت السياسات.

لازال العرب يملكون عناصر قوة لم تُكتشف بعد وإن كانت بعض تلك العناصر قد تم استخدامها في حرب عام 1973 مثل النفط، والموقع الجغرافي الذي يسيل له لُعاب الشرق والغرب معاً ولازال النقاش عليه مُحتدماً وفي بدايات تأسيسه، إلا أنه يؤشر لبداية حقيقية في التأثير على صنع القرار السياسي.

◙ غالبية الشعوب العربية هي الأكثر ميلاً لأحلام اليقظة التي تتزامن اليوم مع إبادة أهل غزّة، ولا زالت تلك الغالبية تتمتع بحصة الأسد من هذه العوالم الحالمة، وهم يحجّون إلى سفارات البيت الأبيض لتلقّي النصائح

في أيار – مايو عام 2021 نشرت مجلة “ميليتري ووتش” المتخصصة في السلاح والعتاد ويحررها خبراء عسكريون ومحترفون مقربون من صُنّاع القرار الأميركي عن صفقة سلاح اعتقد العراقيون أنهم أنجزوها بنجاح عندما تعاقدوا مع أميركا على تجهيزهم بـ34 طائرة من نوع أف – 16 بين الأعوام 2014 – 2017 لقتال تنظيم داعش الذي كان يحتل ثلث الأراضي العراقية، لكن مفاجأة العقد كانت تتضمن رفع أجهزة التوجيه الإلكترونية ورصد مواقع الأعداء ورفع كل الملحقات التي من شأنها أن تعيق اختراق طائرات الدول المعادية للعراق، والأغرب أن الطيارين تم إلزامهم بالتدريب في ساحات الولايات المتحدة نفسها ومطاراتها.

كان التقرير الذي نشرته مجلة متخصصة بالأسلحة والمعدات العسكرية قد أثار الكثير من السخرية والاستهجان في الأوساط الشعبية والبرلمانية في العراق، حين تحدث عن تعمد مقصود من الولايات المتحدة بإحداث فروقات كبيرة بين الأسلحة المُصنّعة للجيش الأميركي ونُظرائه من الدول الأخرى، أو التي يتم بيعها لدول العالم الثالث من حيث إفراغها من جميع التقنيات الإلكترونية المتطورة وتحديد شروط ملزمة في تشغيلها بساحات الحرب.

فهل بقي هناك من يعتقد أن أميركا ستنتصر للقضية العربية؟ قد لا نجد صعوبة في الإجابة عن هذا السؤال، لكن الأصعب هو أن تُقنع من يرتمي بأحضان السفارات للبحث عن ملاذ آمن وهو يدّعي السيادة والوطنية، والغرابة الأكثر تكمن في ذلك البعض الذي لازال يأمل خيراً بمن يقول “لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدنا إسرائيل” وتلك هي المصيبة.

 

اقرأ أيضا:

        حماس المتأزمة والمحور المرتجف

9