البصمة الكربونية للدجاج أفضل من البصمة الكربونية للبقر

تغيير العادات الغذائية يساعد في مكافحة تغيّر المناخ.
الاثنين 2023/10/30
الغذاء العالمي يتسبب في أكثر من ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري

التقليل من الرحلات الجوية واستخدام وسائل النقل العام والاستهلاك الحذر للمياه هي سبل معروفة للمساعدة في مكافحة تغير المناخ، لكن الكثير منا ينسى مدى الاختلاف الذي يمكننا إحداثه من خلال تغيير البصمة الكربونية لعاداتنا الغذائية.

جوسلان (فرنسا) - لتقليل البصمة الكربونية لطبقك قدر الإمكان، يتفق العلماء في جميع المجالات على أن تناول نظام غذائي نباتي أي استبدال جميع اللحوم والدواجن والمأكولات البحرية بمصدر بروتين نباتي هو الخيار الأكثر صداقة للبيئة، نظرا لوجود العديد من الوكلاء للتأثير البيئي للغذاء، من عمليات الإنتاج واستخدام الأراضي إلى إهدار المياه والنقل والتعبئة، لكن حتى في حالات استهلاك اللحوم فإن البصمة الكربونية للدجاج أفضل من البصمة الكربونبة للبقر.

ويهتمّ أحد مربي المواشي بثلاثين ألف دجاجة داخل حظيرة في غرب فرنسا. في أقل من شهر، سيزيد وزن هذه الحيوانات أكثر من ثلاث مرات، لكن لحومها ستكون ذات بصمة كربونية منخفضة.

ويقول ستيفان داهيريل (56 عاما)، الذي يدير هذه العملية في وسط بريتاني، إنّ “الهدف هو إنتاج أفضل أنواع اللحوم في أقصر وقت وبأقل كمية ممكنة من الغذاء”.

ويتناثر في المكان ريش دجاجات فقست بيضها قبل 20 يوما، علما أنّ كل واحدة منها تزن نحو كيلوغرام واحد، أي أكثر بعشرين مرة مما كانت عليه عند ولادتها. وفي وقت ذبحها عند بلوغها 45 يوما، سيتخطى وزن الواحدة ثلاثة كيلوغرامات.

وتُستخرج من صدورها الكبيرة كمية وفيرة من لحم الفيليه المفضّل لدى المستهلكين الغربيين، تُستخدم في قطع الناغتس التي تبيعها سلسلة مطاعم “ماكدونالدز” للوجبات السريعة.

الدجاج الذي يتم تناوله في مختلف أنحاء العالم يشكل حلا للمسائل المناخية، في حال استُبدل لحم البقر به

ويتيح هذا الإنتاج المتسارع للدجاج جعل البصمة الكربونية للحوم في فرنسا أو أي بلد آخر، محدودة. بالتالي، يشكّل لحم الدجاج الذي يتم تناوله في مختلف أنحاء العالم، حلا للمسائل المناخية، في حال استُبدل لحم البقر به. ولهذه المسألة أهمية كون تربية الدجاج تتسبب بـ10 إلى 20 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة المتأتية من البشر.

لكنّ إنتاج لحوم الدجاج يستوجب إنتاج الحبوب التي تتغذى عليها هذه الحيوانات، مما يتطلّب مساحات شاسعة للزراعة، وأسمدة صناعية، ومبيدات حشرية، في عملية لها نتائجها السلبية على التنوع البيولوجي، ونوعية المياه، وإزالة الغابات، بالإضافة إلى ما هو مرتبط بوضع الحيوانات.

ويتسبب لحم الدجاج بانبعاث “أقل من كيلو” في المتوسط من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (CO2e) لكل كيلوغرام مُنتج (قبل الذبح والمعالجة والتوزيع)، بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، مقارنة بنحو 2 كيلوغرام من هذه الانبعاثات يتسبب بها إنتاج لحم الخنزير، و30 كيلوغراما ناجما عن إنتاج لحم البقر.

ومع أنّ أرقاما تقديرية أخرى تبيّن اختلافات واضحة، فإنها تُجمِع كلّها على أنّ إنتاج الدجاج هو الأفضل لناحية الانبعاثات.

فالأبقار تؤذي المناخ بسبب تجشؤها المحمّل بغاز الميثان، وهو غاز يتسبب باحترار كبير. وخلافا للاعتقاد الشائع، لا تتسبب عملية النقل سوى بزيادة محدودة للبصمة الكربونية المرتبطة بالأغذية.

وأما البروتينات النباتية فهي أفضل عموما لناحية انبعاثات الكربون. لكنّ بصمة الدجاج الكربونية جيدة أيضا وتُعدّ أفضل بقليل من تلك الخاصة بزارعة الأرز، بحسب تقديرات، وذلك بسبب غاز الميثان المنبعث من حقول الأرز.

تربية مكثّفة

لحم الدجاج يتسبب بانبعاث أقل من كيلو من مكافئ ثاني أكسيد الكربون مقارنة بنحو 30 كيلوغراما ناجما عن إنتاج لحم البقر

يتولّى ستيفان داهيريل مراقبة مختلف التفاصيل في عملية تربية الدواجن، من ظروف المكان وصولا إلى درجة حرارته ومرورا بنوعية المياه والعلف، للحصول على أفضل إنتاج من نصف مليون حيوان يربّيها سنويا في مبانيه الثلاثة.

ويعيش الدجاج (20 دجاجة لكل متر مربع) فوق فرش مُنتج للحيوانات يختلط فيه روثها مع نشارة خشب وقشور الحنطة السوداء. ويتم التخلص من أي دجاجة تعاني مرضا لتقليل معاناتها ولأنّ المسلخ الآلي يتطلب دجاجات بمعايير موحّدة.

ويقول المنتج من على شرفة منزله المطلة على إحدى حظائر تربية المواشي المغطاة بالألواح الشمسية “هي ليست بمثابة مسامير طبعا، ولكنّنا نبحث عن المتجانسة بينها”.

ويعتبر أنّ هذه الطريقة هي “أكثر نظام فعّال ومنطقي من الناحيتين الاقتصادية والبيئية”.

*استبدال لحم البقر بالدجاج ليس كافيا

مع أنّ الدجاج بروتين حيواني مثالي للمناخ، لكنّه ليس كذلك للطبيعة. ويقول بيار – ماري أوبير من معهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية “إذا فكرنا فقط من ناحية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوغرام من لحم الدجاج، فسننكب جميعا على تناوله، وقد نعتقد أنّنا توصّلنا إلى الحلّ، لكن حينها نكون قد ارتكبنا خطأ كبيرا”.

ويتابع “إذا لم نفكّر سوى من ناحية انبعاثات الكربون، فستنقلب أمور كثيرة ضدنا على المدى البعيد”.

ويُعدّ الدجاج أحد أكثر اللحوم استهلاكا في العالم. ويتزايد إنتاجه باستمرار، ويتوقع أن يتجاوز 103 ملايين طن سنويا في 2024، بحسب وزارة الزراعة الأميركية.

وتقول الباحثة في معهد الاقتصاد التابع لجامعة هارفارد لوسيل روجيسار “شددنا كثيرا على الانبعاثات الناجمة عن الحيوانات إلى درجة أن عددا كبيرا من الأشخاص يعتقدون أن استبدال لحم البقر بالدجاج يكفي، ولكن الاستهلاك الإجمالي للحوم هو الذي ينبغي خفضه”.

وتقول آن موتي، من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، إن “اتخاذ الخيارات الغذائية على أساس معيار واحد فقط ليس بفكرة جيدة”.

فلحم البقر يحوي دهونا أكثر ويتسبب بانبعاثات أعلى من الناجمة عن إنتاج اللحوم البيضاء، لكن تناول “كميات قليلة منه” مفيد لمن يعانون نقصا في الحديد، وهي مشكلة صحية تطال ثلث النساء في العالم.

مقايضة

كشفت دراسة كيف يمكن لمقايضات الطعام البسيطة أن تساعد في تقليل بصمتك الكربونية بنسبة هائلة تصل إلى 35 في المئة، على الرغم من أنك قد تشعر بالقلق من أن هذه المقايضات ستتطلب إصلاحا شاملا لنظامك الغذائي بالكامل، إلا أن الخبراء من جامعة ستانفورد وجامعة تولين يؤكدون أن الأمر ليس كذلك.

وقالت الدكتورة آنا جرومون، الباحثة الرئيسية للدراسة، “بالنسبة إلينا، تضمنت البدائل مبادلة برجر اللحم البقري ببرغر الديك الرومي”، مضيفة “لقد بحثنا عن البدائل التي كانت متشابهة قدر الإمكان”.

وحدد الباحثون البدائل الغذائية البسيطة التي يمكن للأسر القيام بها لتقليل بصمتها الكربونية، وحلل أفراد الفريق النظام الغذائي لأكثر من 7700 أميركي لتحديد الأطعمة الأكثر شيوعا والتي لها أكبر تأثير على المناخ، ثم قاموا بمحاكاة استبدالها بخيارات ذات انبعاثات أقل وتبقى متشابهة من ناحية التغذية.

ووجدوا أن شريحة لحم البقر المشوي تنتج 4.21 كغم من ثاني أكسيد الكربون لكل 100 غرام، وبدلا من ذلك، يقترح الفريق اختيار الدجاج المشوي، الذي ينتج 0.51 كغم فقط من ثاني أكسيد الكربون لكل 100 غرام.

وفي حين يجب على المستخدمين اختيار لحم الديك الرومي (0.35 كغم من ثاني أكسيد الكربون / 100 غرام) بدلا من لحم البقر المعلب (4.17 كغم ثاني أكسيد الكربون/100 غرام).

ويقول الفريق البحثي إن إجراء بعض هذه البدائل يمكن أن يقلل من البصمة الكربونية بنسبة مذهلة تصل إلى 35 في المئة.

خفض الانبعاثات

Thumbnail

تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن خفض 40 في المئة من انبعاثات الكربون من الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050، سيكون نتاج سياسات لا تتعلق مطلقا بالأشخاص أو الأفراد مثل توليد المزيد من الكهرباء من الطاقة المتجددة أو استخدام تقنيات خضراء في التصنيع.

وقالت الوكالة إن خفض انبعاثات الكربون بمعدل 45 في المئة فقط يتوقع أن يأتي من تدابير فردية مثل تقليل السفر بالطيران أو تقليل استخدام السيارات، مشيرة إلى أن نسبة 55 في المئة المتبقية ستأتي جراء مزيج من إجراءات حكومية فردية لحماية البيئة مثل تقديم إعانات حكومية تمكن الأفراد من شراء سيارات كهربائية أو تركيب مضخات حرارية لتقليل الانبعاثات الناتجة عن التدفئة أو التبريد داخل المنازل.

وذكرت دراسة قام بها باحثون من جامعة إلينوي الأميركية أن إنتاج الغذاء العالمي يتسبب في أكثر من ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

7