معرض الفرس بالجديدة صفحة أخرى من التراث الثقافي المغربي

تشكل الدورة الرابعة عشرة لمعرض الفرس واجهة لاكتشاف مختلف تجليات التراث المغربي الأصيل وإشعاعه دوليا، وتأتي هذه السنة تحت شعار “الفرس والتنمية المستدامة”، لتكون موعدا للمهتمين والباحثين في مجال الخيول وسلالاتها من مختلف أرجاء المعمورة، ولتكريس المكانة الرفيعة التي يحتلها الفرس ثقافيا وحضاريا.
الجديدة (المغرب) - يتواصل معرض الفرس الذي يقام بالجديدة خلال الفترة الممتدة من السابع عشر إلى الثاني والعشرين من أكتوبر الجاري بمشاركة 17 “سربة” تمثل مختلف جهات المغرب، ويتضمن برنامج هذه التظاهرة، التي تنظم تحت شعار “الفرس والتنمية المستدامة”، عروضا مختلفة ومنافسات متنوعة في مجال الفروسية، كما يبرز المستوى الرفيع للفرسان والخيول من المغرب وخارجه.
وتعد الفروسية في المغرب من الفنون التراثية التي تحظى باهتمام خاص من لدن مختلف الشرائح الاجتماعية، لما لهذا الفن الأصيل من أبعاد اجتماعية وثقافية ترتبط ارتباطا وثيقا بهويته الحضارية المتجذرة في التاريخ.
وكما في الدورات الماضية ستمكن هذه الدورة الزائرين من اكتشاف مختلف سلالات الخيول في روعتها وجماليتها وخصائصها سواء منها العربي الأصيل أو العربي – البربري أو البربري أو الإنجليزي – العربي، وذلك من خلال المعارض والمحاضرات ومسابقات القفز على الحواجز، التي تتميز هذه السنة بإجراء منافسات المحطة الثالثة للدوري المغربي الملكي الدولي في نسخته الثانية عشرة.
وجذبت عروض الفروسية التقليدية “التبوريدة” الزوار الذين لم تمنعهم قوة الرياح العاتية، التي حلت فجأة بالمدينة، من الحضور بكثافة ليستمتعوا بالمشاهد الفلكلورية للفرسان والخيول مختلفة الأشكال والألوان، المكونة للسربات التي تتنافس على الظفر بـ”الجائزة الكبرى لمحمد السادس للتبوريدة” في دورتها الحالية.
ويتجدد اللقاء كل سنة بين الفارس والفرس، وبينهما وبين عشاق هذا التراث الشعبي، حيث تتعالى زغاريد النساء وصياح الجمهور كلما أطلقت سربة ما طلقة ناجحة، في مشاهد تحيل إلى أزمنة غابرة في تاريخ المغرب وتوحي باحتفالات النصر على العدو في المعارك والحروب القديمة.
ولكل سربة من السربات المشاركة لباسها الخاص وطريقتها المميزة في مداعبة البنادق في الهواء وصولا إلى “القرصة”، إذ يفضل بعضهم إطلاق البارود في اتجاه الأعلى بينما يختار البعض الآخر، خاصة السربات المنتمية إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة، تصويب البنادق إلى الأسفل. ورغم أن التفاصيل تفرقهم، إلا أن عشق التبوريدة، كرمز للشجاعة وفن تراثي شعبي يستمد طقوسه من الماضي ليكيّفها مع الحاضر، يجمعهم.
الزجل والتبوريدة
تحضر بقوة الخرقة الفاسية والبزيوية والسايسية في أروقة المعرض حيث يتزايد الإقبال عليها من قبل عشاق الفروسية
تحدّث الزجل عن تقاليد وممارسات الأجداد المتعلقة بـ”التبوريدة” باعتبارها تراثا ثقافيا غنيا بالتقاليد والعادات، أسر العديد من الكتاب والشعراء والفنانين.
ودعا زغلول، صاحب ديوانين للزجل خاصين بـ”التبوريدة”، والكاتب العام لجمعية الدار البيضاء لفنون الفروسية التقليدية، إلى العودة إلى الأساسيات والأصول مع التمسك بالممارسات والتقاليد القديمة المتوارثة عن الأجداد، محذرا من كل “تراخ” قد يتسبب في تهديد أو إلحاق الضرر بهذا الفن التقليدي، المدرج في سنة 2021 على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي اللامادي للإنسانية.
ذلك أن “ممارسي التبوريدة هم أوصياء على تراث الأجداد الذي لا يقدر بثمن، وبالتالي يقع على عاتقهم واجب نقل هذا التراث الثمين إلى الأجيال القادمة.. فالحفاظ عليه واجب يقع على عاتقنا جميعا”، كما جاء على لسان زغلول في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة الدورة الـ14 لمعرض الجديدة للفرس، حيث يشارك في هذه التظاهرة باعتباره عارضا.
وفي مجموعتيه الخاصة بالزجل، قال إنه يعود إلى قواعد وضوابط التبوريدة، و”مكوناتها وقيمها ورمزيتها ومساهمتها في الثقافة والهوية المغربية، كي أشدد على أهمية الحفاظ عليها”.
ويتعلق الأمر بطقوس العرض، وتحرك السربات، ووظيفة (المقدمين)، والهدة أو التحية، والتعامل مع المكحلة (البندقية)، وإطلاق النار، والأزياء والإكسسوارات التي يرتديها الفرسان وأحزمة الخيول، علاوة على تفاصيل صغيرة تتعلق بالعادات والتقاليد التي يتعين احترامها.
وانطلاقا من مكانته كحدث لا يمكن تفويته لتثمين قطاع الفروسية وتعزيز دور الخيل على المستوى الثقافي والحضاري، يساهم معرض الجديدة للخيول في الارتقاء بالتبوريدة كمكون مهم من مكونات التراث اللامادي.
أزياء تقليدية

حين تجتمع الجودة والأناقة لدعم التنمية المحلية بفضاءات معرض الفرس للجديدة في مختلف فضاءات وأروقة المعرض، تحضر بقوة الخرقة الفاسية والبزيوية (منطقة بزو) والسايسية (منطقة دكالة)، حيث يتزايد الإقبال عليها من قبل عشاق الفروسية.
هذا الإقبال يجد مبرره أيضا في كون الخرقة الفاسية والبزيوية والسايسية هي جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية والتاريخية للمملكة المغربية، كما تعتبر علامة فارقة في اللباس التقليدي المغربي نظرا لجودتها وفنيتها.
وتوجه هذه الخرقة أساسا لصنع الجلباب النسائي والرجالي وملابس أخرى، لذلك تجلب أنظار زوار معرض الفرس بالجديدة الذي تنظم نسخته الـ14 حتى الثاني والعشرين من أكتوبر الجاري.
وتلعب الخرقة الفاسية والبزيوية والسايسية دورا مهما في التنمية المحلية، حيث يشغل النشاط المتعلق بها أعدادا مهمة من النساء العاملات في قطاع النسيج وتضمن لهن مدخولا شهريا يعيلهن على تلبية مختلف حاجاتهن.
وبشأن كيفية صنع الجلباب بالاعتماد على هذه الخرقة، أكد الصانع محمد بن المعلم الذي يشارك في معرض الفرس، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه تعلم صنع الجلباب في سن العاشرة وظل مرتبطا بصناعته حتى الوقت الراهن.
وأضاف أنه يعتمد في هذه الصناعة على عدة مواد، منها الحرير الحر الذي يصل سعره إلى 1500 درهم للكيلوغرام الواحد، بينما لا يتجاوز سعر الحرير العادي 150 درهما للكلغ الواحد.
دعوة إلى الحفاظ على التنوع الوراثي للخيول من خلال البحث والتطوير، واعتماد أدوات الحفاظ على سلالات الجينات رقميا
وبعد أن أشار إلى أنه يتم الاعتماد على الصوف المصنع محليا، قال إن صنع جلباب واحد يتطلب الكثير من الوقت، لافتا إلى زيادة الطلب عليه نظرا لاستعماله من قبل الفرسان خلال ممارستهم للتبوريدة.
ومن بين الاستعمالات الأخرى للخرقة تسخيرها في عملية صنع الجلباب النسائي والرجالي وفي إعداد ملابس أخرى منها القفطان والتنورة والحايك والسلهام.
وأكدت الصانعة الزرادي حبيبة أن الخرقة معروفة على الصعيد المغربي والدولي، مشيرة إلى أن الخرقة، خاصة البزيوية منها، توجه لعدة استعمالات أخرى منها صنع الجلباب النسائي والرجالي ثم الستائر والسلهام والقفطان والتكشيطة والحايك والجبادور.
حسب حبيبة، فإنه لا يمكن صنع هذه الخرقة إلا من طرف صانعة تتميز بالصبر، لأن صناعة جلباب واحد يتطلب وقتا طويلا والكثير من الصبر.
وتلبس هذه الخرقة، التي تصنع من صوف الكبش وحرير دودة القز، في المناسبات الدينية والحفلات والأعراس، كما يقبل عليها الفرسان بكثرة خلال تظاهرات التبوريدة، وفي مناسبات الأعراس.
وتتعدد المواد المستعملة في نسج الخرقة التي تسخر في صناعة الجلباب، فبالإضافة إلى الحرير الأبيض الذي تعد به الجلابة القديمة، طرأت عدة متغيرات على صناعة هذا الجلباب، حيث تم إدخال عدة ألوان عليها، مع الإشارة إلى أن سعر الجلباب الواحد يتراوح ما بين 1500 و2000 درهم، وقد يتعدى ذلك حسب نوعية المواد المستعملة.
وأضافت الزرادي أن هناك عدة أصناف من هذا الجلباب منها الصنف المسمى “حبة حبة” الرقيقة المعروفة بـ”القريصة “، و”السدا فالسدا”، و”طرشة”، ومخطط “طرشة”، و”بدحة حبة”، و”بدحة سدا”، والميمة (تتوسطها 3 خطوط)، والملكية (قد الحرير قد السدا)، ثم “الشريف”، والحجر الظريف (خطان من الفوق وخطان من التحت).
وتنضاف أنواع أخرى من الجلباب، منها نوع آخر يطلق عليه “عيشة ووليداتها” (خطوط متوازية يتوسطها خط عريض)، و”العزازا” (خطان متوازيان وبينهما الشريتلا).
تربية أيكولوجية

من ضمن النشاطات التي نظمتها اللجنة المعنية بمعرض الفرس جلسات حوارية تتعلق بتراث الخيل وتربيته، حيث دعا مشاركون في يوم دراسي خصص لشعار الدورة “الفرس والتنمية المستدامة”، إلى تربية أيكولوجية ومستدامة للخيول.
وأكد مندوب معرض الفرس للجديدة الحبيب مرزاق أن من خلال الشعار الذي تم اختياره هذه السنة لمعرض الفرس، “نريد تسليط الضوء على دور الفرس في تحقيق أهداف التنمية المستدامة”.
وقال مرزاق، في كلمة افتتاحية لهذا اليوم الدراسي، الذي حضره خبراء وأكاديميون وطلبة، إن الأمر يتعلق “بتعزيز الوعي بمفهوم الاستدامة عند جميع المتدخلين في سلسلة الفرس من مربين وفرسان ورياضيين وأطباء بياطرة ومهنيين”.
وأكدت سعيدة الجاي من وزارة الطاقة، في كلمة بهذه المناسبة، على “ضرورة تطوير سلسلة تربية الفرس، مستدامة وصديقة للبيئة في إطار منهجية تحسين مستمر على مستوى جميع الأصعدة”.
وسلطت الجاي الضوء على الفرس كأداة للتنمية المستدامة، داعية إلى اعتماد “ميثاق وطني لرعاية الخيول”، والحفاظ على التنوع الوراثي لها، لاسيما من خلال البحث والتطوير، واعتماد أدوات الحفاظ على سلالات الجينات رقميا.

وتناول الأكاديمي عبدالواحد بن مليح مفهوم التراث في علاقته بالفرس، وأكد، في هذا الصدد، أن الفرس يقع في ملتقى طرق بين البيئة والاقتصاد وما هو اجتماعي، مشيرا إلى أن الفرس في علاقته بالتراث يمكن أن تكون له انعكاسات مباشرة على الجاذبية المجالية للجهات.
وأشار بن مليح إلى أن الوعي البيئي أصبح ضرورة وأولوية من أجل تحسين المعرفة بالتأثيرات البيئية للقطاعات الفلاحية بما في ذلك قطاع الفرس.
وقال رئيس قسم الخيالة بالمديرية العامة للأمن محمد بوحلوش إن “الخيول تعتبر وسيلة تنقل صديقة للبيئة، إذن فالأمر يتعلق هنا بشرطة خضراء، أي صديقة للبيئة تعمل بشكل خاص على تحسيس المواطنين بالحفاظ على البيئة والوقاية من حرائق الغابات، كما تساهم في حماية المساحات الخضراء”.
يذكر أن الجلسة الثانية من هذا اليوم الدراسي خصصت لتقديم تحقيق كتاب “إسبال الذيل في ذكر جياد الخيل” للعلامة نجم الدين محمد بن أحمد الرملي الحنفي، مع تقديم حصيلة نشر المخطوطات المحققة التي قامت بها جمعية معرض الفرس للجديدة.
وأضحت التظاهرة التي تنظمها جمعية معرض الفرس حدثا أساسيا لدعم تربية الخيول وتعزيز دور الحصان في العالم على المستويين الثقافي والحضاري.