موت وخراب ديار: سكان غزة على موعد مع اجتياح بري إسرائيلي

فلسطينيون في القطاع يرفضون ترك منازلهم وحتى من نزحوا جنوبا ليسوا في مأمن.
الاثنين 2023/10/16
المدنيون يدفعون الثمن

لجأ مسؤولو الصحة في قطاع غزة الذي تديره حركة حماس إلى حفظ جثث الذين قُتلوا جراء الضربات الجوية الإسرائيلية في صناديق شاحنات تجميد البوظة (الآيس كريم)، لأن نقلها إلى المستشفيات محفوف بالمخاطر والمقابر لا يوجد بها متسع. ويترقب الفلسطينيون المحاصرون اجتياحا إسرائيليا برّيا يتوقع أن يتسبب في كارثة إنسانية من حيث الخسائر البشرية والمادية.

غزة - تواصل إسرائيل الاستعداد لاجتياح بري لقطاع غزة الذي تديره حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بينما يتأهب سكان القطاع الذين فقدوا العديد من أفراد عائلاتهم في الضربات الجوية العنيفة للمزيد من الدمار.

وجلست أم محمد اللحام بجوار حفيدتها فلة اللحام البالغة من العمر أربع سنوات التي ترقد في مستشفى تعمل مثل باقي مستشفيات القطاع بأقل القليل من الإمدادات من الأدوية والوقود.

وقالت أم محمد إن ضربة جوية إسرائيلية أصابت منزل العائلة مما أسفر عن مقتل 14، من بينهم والدا فلة وأشقاؤها، بالإضافة إلى أفراد من العائلة الأكبر.

الأمم المتحدة تقول إنه لا يمكن نقل عدد كبير من الأشخاص بأمان داخل غزة دون التسبب في كارثة إنسانية

وقالت الجدة التي شهدت العديد من جولات القتال بين حماس والجيش الإسرائيلي على مدى السنوات الماضية ووصفت الجولة الحالية بأنها الأعنف “فجأة ودون سابق إنذار قصفوا البيت على رأس ساكنيه. لم ينج أحد سوى حفيدتي فلة. ربي يشفيها ويعطيها القوة”.

وتابعت قائلة “استشهد 14 ولم يبق سوى فلة اللحام. لا تتكلم، هي راقدة فقط في الفراش ويعطونها الأدوية”. وقالت الجدة إن طفلا آخر في العائلة يبلغ من العمر أربعة أعوام أيضا تركه القصف دون أقارب تقريبا.

وتشن إسرائيل أعنف ضربات جوية على القطاع على الإطلاق، وتعهدت بالقضاء على حماس ردا على اجتياح مقاتليها لبلدات إسرائيلية في الهجوم الذي شنته قبل تسعة أيام والذي أسفر عن مقتل المئات من الإسرائيليين واحتجاز العشرات.

الطريق إلى الجنوب

تهجير قصري جديد
تهجير قصري جديد

قُتل نحو 1300 شخص في الهجوم المباغت مع وجود مقاطع فيديو مصورة بهواتف محمولة وتقارير من الخدمات الطبية وخدمات الطوارئ تتحدث عن وقوع فظائع في بلدات وتجمعات سكنية.

وتحاصر إسرائيل قطاع غزة الذي يقطنه 2.3 مليون فلسطيني ودعت سكان شمال القطاع إلى ترك منازلهم والتحرك جنوبا. لكن حماس حثت السكان على عدم المغادرة وقالت إن الطرق غير آمنة. وتقول الأمم المتحدة إنه لا يمكن نقل عدد كبير من الأشخاص بأمان داخل غزة دون التسبب في كارثة إنسانية.

يقول بعض السكان إنهم لن يغادروا، إذ تعيد تلك الأحداث التي يعيشونها الآن لذاكرتهم ما حدث وقت “النكبة” عام 1948 عندما أُجبر الكثير من الفلسطينيين على ترك منازلهم خلال الحرب في وقت تزامن مع قيام دولة إسرائيل.

وتقول سلطات قطاع غزة إن أكثر من 2450 قتلوا بينما أصيب ما يقرب من عشرة آلاف.

وبحث منقذون عن ناجين من الضربات الجوية. وفي خان يونس جنوب غزة، قال محمد أبودقة إن أسرته لا تزال تحت الأنقاض بعد قصف إسرائيلي.

وتابع أبودقة “فقدت ابني وأبناء عمي وجميع عائلتي… لم أفقدهم لأنهم معتقلون أو يقاتلون على خطوط المواجهة… كنا في المنزل فحسب، جالسين في المنزل”. وأضاف “لا يمكننا إيجاد معدات للبحث وانتشالهم”.

وزاد الاجتياح البري الإسرائيلي المتوقع والضربات الجوية التي تتواصل بلا هوادة المخاوف من معاناة لم يشهدها القطاع المنكوب من قبل، وهو أحد من أكثر الأماكن اكتظاظا بالسكان في العالم.

وفي مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة حيث يرقد أطفال يعتمدون على أجهزة تنفس اصطناعي، قال الطبيب حسام أبوصفية “إذا أردتم قتلنا اقتلونا ونحن نواصل العمل هنا فلن نغادر. نحتاج إلى أيام وأسابيع لتحضير مكان آخر”.

إسرائيل تشن أعنف ضربات جوية على القطاع على الإطلاق، وتعهدت بالقضاء على حماس ردا على اجتياح مقاتليها لبلدات إسرائيلية

وأضاف “الوضع خطير حقا… نقل هؤلاء الأطفال من هذا المكان يعني الحكم عليهم بالإعدام. سيموتون.. تلك المعدات لا تعمل إلا بالكهرباء والأكسجين”.

وتقول المستشفيات إن الأدوية والوقود ينفدان بسبب الحصار الإسرائيلي. وقال شهود في مدينة غزة إن الهجوم الإسرائيلي أجبر المزيد على الخروج من منازلهم ولجأ البعض إلى المنشآت الطبية. واكتظ مستشفى الشفاء أكبر المستشفيات بمن فروا من منازلهم.

وقالت امرأة في الخامسة والثلاثين من عمرها “نعيش أسوأ كوابيس حياتنا. حتى هنا في المستشفى لسنا آمنين. استهدفت ضربة جوية المنطقة خارج المستشفى مباشرة عند الفجر”.

والسير على الطريق المؤدي إلى جنوب القطاع الذي يعتبر منطقة أكثر أمنا زاد صعوبة، إذ يقول كثيرون ممن قطعوا تلك الرحلة إن إسرائيل تواصل القصف هناك.

وقال أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة، إن 70 في المئة من سكان مدينة غزة وشمال القطاع محرومون من الخدمات الصحية بعد أن أخلت وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) مقراتها وأوقفت خدماتها.

وفي شرقي خان يونس جنوب قطاع غزة حيث نزح المئات من سكان شمال القطاع، طهى البعض الطعام للنازحين باستخدام الحطب لإعداد 1500 وجبة تبرع بها سكان المنطقة.

وقال يوسف، وهو أحد السكان الذين شاركوا في ذلك، “كنا نطهو على مواقد الغاز في أول يومين لكن الغاز ينفد ولذلك نطهو على الحطب”.

حماس تتوعد

Thumbnail

توعدت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس إسرائيل بـ”خسائر فادحة”، في حال قررت تنفيذ اجتياح بري لقطاع غزة.

وقال أبوعبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، في كلمة مسجلة “تلويح العدو بتوسيع العدوان يدفعنا إلى تفعيل خيارات جديدة يكبد العدو خسائر فادحة، إن تجرأ لتنفيذ مناورة برية في غزة”.

وأضاف أبوعبيدة “نسيطر على مجريات المعركة على الأرض ونؤكد جهوزيتنا في المجال الدفاعي وبنيتنا القتالية، وتسليحنا يمكننا من الدفاع الفعال”.

وكان تدمير الطرق أسلوبا معتادا في التمهيد للهجومين الإسرائيليين البريين السابقين على غزة، بالإضافة إلى تشويش الاتصالات وعرقلة حركة حماس وجماعات مسلحة أخرى. يقول سكان إنه عند دخول إسرائيل، فإن جرافات قواتها غالبا ما تعبّد مسارات جديدة لتتفادى مركباتها الألغام الأرضية في الطرق الحالية.

لكن إرسال القوات إلى بيئة حضرية مكتظة بالسكان ليس بالخيار السهل، على الرغم من توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو “بانتقام ساحق” ردا على حصيلة القتلى الضخمة التي أنزلها مقاتلو حماس بإسرائيل في أسوأ اختراق لدفاعاتها المنيعة منذ حرب أكتوبر 1973 أمام جيوش عربية.

وقال جيورا إيلاند، المستشار السابق للأمن القومي الإسرائيلي، إن الضربات الجوية على غزة “بدت مماثلة للغاية للعمليات الإسرائيلية السابقة”، لكن هذه الأساليب لم تردع حماس في الماضي.

وذكر إيلاند أن الهجوم البري قد يكون أكثر فعالية في قتل مسلحي حماس وتدمير سلسلة قيادتهم، لكنه أضاف “لا تزال الحكومة مترددة في اتخاذ هذه المبادرة، لأنها قد تنطوي على سقوط قتلى إسرائيليين أكثر بكثير”.

وتقوّض الحرب في المدن تفوق إسرائيل العسكري الساحق، إذ تضعها في مواجهة حركة متمرسة في المعارك، بسبب خوضها صراعات سابقة، وجيدة التسليح بدعم من إيران. واستغرقت الحركة، التي سيطرت على غزة في 2007، سنوات أيضا لبناء شبكة من الأنفاق التي تساعد المقاتلين في التواري عن الأنظار. وأحيانا ما تطلق القوات الإسرائيلية على شبكة الأنفاق اسم “مترو غزة”.

في 2008، فقدت إسرائيل تسعة جنود خلال توغلها في غزة. وفي 2014، زاد عدد القتلى إلى 66.

لكن حماس في هذه المرة احتجزت أيضا العشرات من الرهائن خلال عملية السابع من أكتوبر، وبعض الرهائن من الجنود، ومنهم الكثير من المدنيين. ويمثل ذلك تحديا ضخما لأمة عقيدتها عدم التخلي عن أحد. وفي 2011، وافقت إسرائيل على مبادلة المئات من السجناء الفلسطينيين مقابل جندي إسرائيلي وحيد هو جلعاد شاليط الذي ظل محتجزا خمس سنوات.

6