حرب غزة تُنسي المصريين انتخابات الرئاسة

لامبالاة في الشارع المصري بإخفاق أحمد الطنطاوي في الترشح للاستحقاق.
الاثنين 2023/10/16
اهتمام المصريين منصب على دعم سكان غزة دون أن يؤثر ذلك على أمنهم

رفعت حرب غزة الكثير من العبء عن الحكومة ودوائر صنع القرار في مصر في ما يتعلق بهندسة انتخابات رئاسية تضمن فوز الرئيس عبدالفتاح السيسي، دون إثارة أي منغصات شعبية أو سياسية.

القاهرة - لا يوحي المشهد العام في مصر بأن الأغلبية مكترثة لاقتراب موعد الانتخابات الرئاسية أمام انشغالهم بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتداعياتها الأمنية على مصر.

وجرى إغلاق باب الترشح للاستحقاق الرئاسي، السبت، على أربعة مرشحين فقط، هم: الرئيس عبدالفتاح السيسي، وعبدالسند يمامة رئيس حزب الوفد، وفريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وحازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري، بعد انسحاب رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، وإخفاق المعارض أحمد الطنطاوي في الحصول على التوكيلات اللازمة للترشح في الانتخابات المقررة ديسمبر المقبل.

وكشفت الحملة الانتخابية للطنطاوي عن خروجه من سباق الرئاسة لعدم التمكن من استكمال عدد التوكيلات المطلوبة في ظل حالة من المنع والتضييق تعرض لها أنصاره، بينما وصف الطنطاوي ذلك بـ”خوف السلطة من مقابلته كمنافس”.

وأعلن الطنطاوي عن مشروع سياسي “للإنقاذ الوطني” يتألف ممن قرروا منحه توكيلات إلكترونية للترشح، وعددهم نحو 70 ألف شخص، لكنهم لم يتمكنوا من توثيقها في مكاتب الشهر العقاري الرسمية، ولم تعترف هيئة الانتخابات بالتوكيلات الإلكترونية.

إكرام بدرالدين: المصريون يرفضون أن تتأثر بلادهم أمنيا
إكرام بدرالدين: المصريون يرفضون أن تتأثر بلادهم أمنيا

ولم يعد الحديث عن الانتخابات الرئاسية ضمن نقاشات المواطنين، ولم يشعر كثيرون أن الطنطاوي خرج من السباق أو أن لديهم شغفا بمعرفة هوية المتنافسين الآخرين، حيث استحوذت الحرب التي تشنها إسرائيل على اهتمامات شريحة كبيرة من المصريين.

وكان عماد حسنين، وهو معلم ورب أسرة قاهرية، يمني نفسه بأن تكون الانتخابات الرئاسية فارقة في الحياة السياسية، لكنه لم يعد مهتما بها أو حريصا على معرفة أسماء المرشحين، وأصبح منشغلا بمتابعة مجريات الحرب وموقف مصر منها، وتداعياتها على الأمن والاستقرار على حدود بلاده الشرقية.

وينتمي حسنين إلى فئة واسعة من محدودي الدخل، وراتبه يكاد يكفي الحد الأدنى من متطلبات الحياة المعيشية، وتراجعت شكواه من غلاء السلع أمام خوفه من نتائج الحرب على غزة، معقبا “أنشغل وأسرتي بمتابعة الحرب ومعرفة مواقف الدول منها”.

وقال عماد لـ”العرب”، “إن وجود منافسين أقوياء كان سيدعم المناخ السياسي ويثير نقاشات قوية ويخلخل الجمود الذي اعترى المشهد العام، لكن الحرب جعلتنا لا نسأل كيف ستُعقد الانتخابات ومن سيحصل على صوتنا، فالمهم أن يستمر الهدوء والاستقرار، وألا تنجر مصر إلى صراع يعيدها إلى الوراء”.

وظل معارضو السيسي يعولون على الشريحة التي ينتمي إليها هذا الأب، أي البسطاء ومحدودي الدخل، لاستمالتهم بالغلاء والظروف المعيشية الصعبة والخوف من المستقبل، وهي الفئة التي اعتاد النظام المصري دعمها بتوسيع البرامج الاجتماعية والمبادرات الصحية والاقتصادية المختلفة لمنع استثمارها من قبل خصومه.

وغيّبت الحرب على غزة النقاشات المحتدمة التي جرت بين المصريين حول ارتفاع الأسعار، وركزت منصات التواصل على السلع التي ارتفعت أسعارها إلى مستويات قياسية، مع انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وارتباك الحكومة لتحديد أولوياتها وإصرارها على تنفيذ المشروعات الضخمة.

طريق واحد

وتبدلت المعادلة السياسية، فالإعلام لا يتحدث سوى عن الحرب، وشبكات التواصل منشغلة بها، وأحاديث الناس في المقاهي ووسائل النقل لا تتوقف عن الحوارات المرتبطة بالاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، واحتمال نزوح سكان غزة باتجاه سيناء المصرية، فهمّشت الحرب الحديث عن الغلاء والانتخابات.

ورصدت “العرب” نقاشا بين مواطنين في حي السيدة زينب الشعبي بالقاهرة، وصاحب متجر لبيع السلع الغذائية بالمنطقة، تمحور حول موقف السيسي من إسرائيل، وهل من الممكن أن يوافق لأهالي غزة على التوطين في سيناء، ودار حوار بين الحاضرين عكس اهتمام الناس بنواح أمنية وسياسية بعيدة عن أوضاعهم المعيشية.

وأوضح محمود صبري صاحب المتجر لـ”العرب” أنه اعتاد أن يسأله الناس عن نسب الزيادة في الأسعار، وكثرت استفساراتهم عن السلع الأقل تكلفة، والمزايا والمنح التي سيقدمها السيسي لإغراء الناس لانتخابه ولاية جديدة، والنزول للمشاركة في الاستحقاق الرئاسي، واليوم لا أحد يهتم بذلك، فالكل يسأل “الحرب أخبارها إيه؟”.

يُعرف صبري بين زبائن المتجر بأنه من معارضي السيسي في الكثير من قراراته واعتاد الناس مناكفته بحكم انتمائه السياسي، لكنه عقّب على ذلك “لا أخفي شعوري بأنني كنت أترقب الانتخابات للتصويت لأي منافس، وتمنيت لو نجح الطنطاوي في الترشح، لكن البلد أصبح أهم من السياسة والانتخابات”.

ورفع انشغال الشارع المصري بأمور بعيدة عن الانتخابات الرئاسية الكثير من العبء عن الحكومة ودوائر صناعة القرار داخل السلطة، وقد تكون الحرب على غزة جاءت في توقيت مثالي لها، لأنها كانت مضطرة إلى هندسة الانتخابات بطريقة لا تثير حفيظة الناس أو تجعلهم متذمرين من نجاح السيسي باكتساح.

الحرب على غزة غيّبت النقاشات المحتدمة حول ارتفاع الأسعار، وارتباك الحكومة في تحديد الأولويات

وأصبح الاهتمام الأكبر للحكومة منصبا على زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، لأن شرعية السلطة قد تقاس بعدد المعنيين بالنزول إلى مكاتب الاقتراع، وليس بمعدلات التصويت للسيسي، وربما ترتفع معدلات المشاركة كرسالة من الشارع بأنه يلتف خلف قيادته لمواجهة التحديات الخارجية.

وقال إكرام بدرالدين، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن تهميش الحديث عن الأوضاع السياسية الداخلية، بما فيها الانتخابات الرئاسية، أمر طبيعي أمام تمسك المواطنين باستمرار الأمن والاستقرار، وهذه طبيعة سائدة بين صفوف المصريين في ظل الصراعات والنزاعات التي تمر بها دول مجاورة.

وذكر بدرالدين في تصريحات لـ”العرب” أن المصريين يرفضون أن تتأثر بلادهم أمنيا، وفي الأوقات الصعبة اعتادوا الالتفاف وراء القائد، وهذا لا يعني عدم الاكتراث بالانتخابات بقدر ما يرتبط الأمر بزيادة الوعي بالتحديات المحيطة، وهذا يطمئن النظام الحاكم ولا يغضبه.

واعتاد الرئيس السيسي، الذي ضمن ولاية رئاسية ثالثة قبل إجراء الانتخابات المقبلة، الحديث عن ضرورة زيادة الوعي العام بالتحديات، وأهمية معرفة ما يحاك ضد بلدهم من مؤامرات تستهدفها لتعيش انقسامات وصراعات بالغة، حتى جاءت حرب إسرائيل على غزة لتحقق الكثير مما فشلت الحكومة في تكريسه بأذهان الناس.

2