الذكاء الاصطناعي العدو رقم واحد للحملات الدعائية المؤيدة للسيسي

توظيف مواقع التواصل الاجتماعي يمنح الانتخابات زخما أكبر.
الخميس 2023/10/12
تلاعب بصور المسيرات المؤيدة للسيسي

وقع مؤيدو الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في فخ الذكاء الاصطناعي، من خلال محاولاتهم تضخيم الدعم الشعبي لتولي الرئيس ولاية ثالثة، قبل أن تفضح تقنيات الذكاء الاصطناعي المغالطات التي يجري الترويج لها، وهو ما انعكس سلبا على مصداقية ما يقدم من قبل هؤلاء.

القاهرة - تواجه الحملات الإعلامية التي يقودها مؤيدون للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لإعادة انتخابه مرة أخرى لولاية ثالثة، حرجا شديدا بسبب وجود مبالغات تظهر على بعضها في تقدير أعداد الداعمين له أو نفي من يلجأون إلى البلطجة والتشويش على حملات مرشح محتمل للمعارضة، وفي الحالتين كان الذكاء الاصطناعي بطلا لافتا في معركة إعلامية يمكن أن يشتد حماسها الأيام المقبلة.

ولا يزال موقعا “صحيح مصر” و”متصدقش” يقومان بتصويب أخطاء يقع فيها مسؤولون كبار بمصر في ما يتعلق بتصحيح أرقام اقتصادية أو برامج اجتماعية تمت الإشارة إليها على غير الحقيقة، ما يدحض شائعات قالت إن الموقعين اللذين تعرضا لمساءلات من قبل أجهزة رسمية تمت السيطرة عليهما لصالح الحكومة المصرية.

تضافر مع هذين الموقعين في هذه المهمة أشخاص على دراية كبيرة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وأصبحت عملية المبالغة في الأرقام أو محاولات تصوير ما يجري بشكل لا يتناسب مع الحقيقة في وسائل الإعلام عملية صعبة، وربما محرجة لأصحابها لأنها تظهرهم كمن يريدون تغيير الواقع.

مواقع التواصل والذكاء الاصطناعي يلعبان دورا مهما في أي انتخابات، وقد ظهر ذلك في الانتخابات الأميركية السابقة

وكشف موقع “صحيح مصر” هوية مجموعة من الأشخاص قاموا بالتحرش بمرشح محتمل معارض في انتخابات الرئاسة المقبلة، وهو أحمد الطنطاوي، في أثناء جولاته الانتخابية بعدد من المدن المصرية واستطاع الموقع أن يستخدم تكنولوجيا الصور المنشورة والمصاحبة لما وقع من تعد على الطنطاوي ومطابقتها بالحقيقة التي يعتقدون فيها والتوصل إلى أسماء أصحابها، وثبت أن عددا منهم ينتمون إلى حزب مستقبل وطن، وهو يمثل الظهير السياسي للحكومة في البرلمان.

وأعاد هذا الموقف إلى الأذهان ما حدث في عملية اقتحام نقابة المهندسين منذ بضعة أشهر عندما أراد بعض الأشخاص تخريب الاستفتاء على استمرار النقيب طارق النبراوي بعدما تبين فوزه فيه بلا مواربة، حيث كشف الموقع ذاته هوية من قاموا بعملية الاقتحام والاعتداء على بعض مؤيدي النبراوي، وأكد أن بعضهم ينتمون أيضا إلى حزب مستقبل وطن، وتم احتواء الموقف وقتها.

لم يستفد مؤيدو الحزب من هذه التجربة وأعادوا تكرارها بصور متباينة في الحملات الانتخابية الحالية ضد مرشح معارض، ووقعت بعض وسائل الإعلام ومقدمي البرامج في المطب نفسه ولم يهدأ هؤلاء نسبيا سوى بعد فضح هويات من تحرشوا بحملة الطنطاوي، وتأكدوا أن الذكاء الاصطناعي عدو تصعب مجابهته بالأدوات الإعلامية التقليدية، فالتضخيم من السهل دحضه.

وأعيد المشهد بشكل مختلف في الخامس من أكتوبر الجاري، وهو اليوم الذي أعلن فيه الرئيس السيسي دخوله السباق الانتخابي رسميا، حيث ذكرت وسائل الإعلام المصرية أن السيسي أعلن ترشحه استجابة لنداء الملايين من المواطنين الذين تظاهروا لتفويضه بدخول الانتخابات، ونزولا على إرادتهم قبل هذا التفويض، وتم نشر صور وفيديوهات من عدة أماكن في مصر من خلال فضائيات وصحف ومواقع مختلفة مصحوبة بشعار يفيد بأن الملايين يطالبون السيسي بالترشح لفترة رئاسية جديدة.

انتبه أحد الأشخاص للصور والفيديوهات على موقع إكس وقام باستخدام الذكاء الاصطناعي وفقا لإحداثيات معينة ونجح في الخروج بأرقام شبه محددة أقل بكثير مما جرى تداوله في وسائل الإعلام، التي تعمد مصوروها تصويب اللقطات من خلال تقنية “الزوم” على المواطنين الذين انتشروا في بعض الشوارع والميادين.

oo

وكشفت عملية التدقيق عن بضعة آلاف أو أقل في كل منطقة جرى فيها رفع شعارات مؤيدة، أحدها أكد أن عدد المتواجدين مثلا في ميدان الجلاء بمنطقة الدقي في الجيزة لا يتجاوز 1200 شخص، ومن السهولة معرفة هوياتهم بالمزيد من التدقيق الفني، ناهيك عن الزي شبه الموحد وتوزيع هدايا غذائية وعمليات التنظيم التي يقوم بها أشخاص ينتمون إلى أحزاب مؤيدة للسلطة، ما يعني نفي صفة التلقائية عن هؤلاء.

واعتادت مصر عملية التجيير التي تتم في الحملات الانتخابية، ولا غبار عليها سياسيا، لكن المشكلة في بعض وسائل الإعلام، ومن يسمون بـ”اللجان الإلكترونية”، ويحاول كلاهما تقديم المشهد على أنه تصرف طوعي، وتجاهل ما حدث من تقدم كبير في التكنولوجيا، إذ يمكن من خلال تقنيات بسيطة للذكاء الاصطناعي كشف الحقيقة أو قلبها أيضا، وهو ما فات الحملات الإعلامية المؤيدة للرئيس السيسي.

تقدم مواقع مهنية وأشخاص معارضين في هذه المسألة يعني أن مؤيدي السيسي بحاجة إلى المزيد من التدريب الإعلامي، لأن المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي فطن إلى الأهمية التي تمثلها الصور والفيديوهات ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الانتخابات، وقد تتحول إلى البطل الحقيقي فيها.

تبدو التقنيات الحديثة عدوا حقيقيا لمؤيدي السيسي بعد وجود ملامح عديدة للاستثمار فيها جيدا من قبل خصومه السياسيين بالشكل الذي يوحي بأنهم على دراية بأهميتها وقدرتها على تغيير توجهات المواطنين في الانتخابات

يقول خبراء مصريون في مجال الإعلام إن مواقع التواصل والذكاء الاصطناعي وآليات توظيفهما تلعب دورا مهما في أي انتخابات وقد ظهرت تجليات ذلك في الانتخابات الأميركية السابقة التي فاز فيها الرئيس الديمقراطي جو بايدن على منافسه الجمهوري دونالد ترامب، وتم وقتها الزج باسم روسيا في القيام بمهام تكنولوجية تصب في صالح ترامب لتغيير نتائج الانتخابات.

ويضيف هؤلاء الخبراء أن الانتخابات المصرية لن تكون بعيدة عن هذه المعادلة، ومهما اختلف الواقع السياسي عن الولايات المتحدة، فأدوات الإعلام وطرق توظيفها ومدى الوصول إلى الأهداف تقوم بدور حيوي في المعركة الانتخابية الراهنة، والتي تتوقف نتيجتها الإعلامية على ذكاء وقدرة كل طرف على استخدامها بشكل صحيح، بصرف النظر عما تحويه البرامج الانتخابية.

تشير معالم الحملات الإعلامية إلى مظاهر تقليدية تطغى على من يقومون بالترويج للرئيس السيسي عبر اللجان الإلكترونية، حيث يعتقدون أنهم يخوضون معركة مضمونة، جعلت أدواتهم بطيئة وأقل تأثيرا في شريحة كبيرة من الجمهور، ولا يدركون أن الرئيس المرشح له خصوم يتصيدون الأخطاء، فما بالنا إذا كانت هذه الأخطاء لا تتواءم مع تكنولوجيا العصر أو على الأقل لا تراعي أن الخصوم أو الطرف الآخر لديه من القدرات ما يستطيع بها سحب البساط إعلاميا من المنافس.

وتبدو التقنيات الحديثة عدوا حقيقيا لمؤيدي السيسي بعد وجود ملامح عديدة للاستثمار فيها جيدا من قبل خصومه السياسيين بالشكل الذي يوحي بأنهم على دراية بأهميتها وقدرتها على تغيير توجهات المواطنين في الانتخابات لصالح مرشحهم، وبهذه الطريقة بدأ أحمد الطنطاوي يكسب أرضا سياسية.

أدت مبالغات بعض النشطاء على مواقع التواصل إلى اتخاذ مواقف سلبية مسبقة حيال عدد كبير منهم، ومهما أظهر هؤلاء من كفاءة في دعم الرئيس المصري يتم التشكيك في ما يقدمونه من معلومات، فالصورة الذهنية القاتمة عنهم لم تترك مجالا لمصداقيتهم لدى فئة من جمهور المتابعين، ومن الأخطاء الشائعة في الإعلام أن يصر الشخص على نزول النهر مرة واثنتين وعشرا ويريد أن يخرج كما كان في المرة الأولى.

5