الانتصار على حماس هزيمة

إن كانت الأزمات تفرج بعد اشتدادها، فإن الأحداث الأخيرة قد تكون بداية انفراج ليس فقط في الأراضي المحتلة بل في منطقة الشرق الأوسط.
أول سؤال يجب أن يطرح هو ما الدافع من وراء عملية “طوفان الأقصى” العسكرية التي أطلقتها حركة حماس ضد إسرائيل؟ وماذا توقعت من ورائها؟
مهما تعددت الإجابات لن يكون من بينها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. هناك جواب منطقي واحد وهو أن حماس أرادت إكراه إسرائيل والعالم على وضع حل للمأساة الفلسطينية، وفك الحصار المفروض على سكان غزة.
للوهلة الأولى يبدو أن العكس هو ما يحصل، حيث بادر بنيامين نتنياهو للإعلان عن فرض حصار أشد على القطاع، وقطع الماء والكهرباء عنه. أيضا، من جانبها أوقفت أوروبا الغربية مساعداتها للقطاع، ولم تتردد الولايات المتحدة طويلا قبل أن تدفع بحاملة طائرات وسفن حربية إلى الضفة الشرقية من البحر المتوسط.. وسارعت دول المنطقة إلى النأي بنفسها، مؤكدة أنها لن تتورط بالصراع الحاصل.
العالم يتغير، والشرق الأوسط من ضمنه. قادة حماس يدركون حساسية المرحلة التي يمر بها العالم، وأن باستطاعتهم الاستفادة من التغير الحاصل. من لم يتغير هم قادة إسرائيل الذين يجهلون أن الانتصار على حماس هزيمة
رسالة واشنطن كانت واضحة، وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أكد أن أميركا “ستقوم بسرعة بتزويد الجيش الإسرائيلي بمعدات وموارد إضافية، بما في ذلك الذخائر”، مضيفا أن حاملة الطائرات يو.أس.أس جيرالد آر فورد والسفن الحربية المرافقة التي توجهت إلى المنطقة ستتبعها زيادة أسراب الطائرات المقاتلة أيضا.
ما أراد البيت الأبيض قوله هو: تركنا لكم مساحة للتحرك، ولكن يجب أن لا ينسيكم ذلك أن المنطقة جزء من أمننا القومي والاقتصادي. والرسالة لا تخص حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى فقط، بل هي موجهة بالدرجة الأولى إلى روسيا وإيران والصين. وقد تكون الفصل الأخير الذي يسبق فرض حل أمني شامل على دول المنطقة يحول دون انتهائها في الحضن الصيني – الروسي – الإيراني.
والرسالة موجهة ضمنيا إلى الحكومة الإسرائيلية، إلى بنيامين نتنياهو تحديدا، ويمكن أن يفهم منها أن الولايات المتحدة ستترك لليميني المتطرف نتنياهو فسحة للتعبير عن غضبه والانتقام، ولكن شرط أن لا يتمادى، عليه أن يكون مستعدا في أي لحظة للتفاوض.
المعركة بين الفلسطينيين وإسرائيل إن طالت، ستحرج دول المنطقة، خاصة تلك التي عبرت عن رغبتها بالسلام، ستجد نفسها مضطرة في النهاية إلى اتخاذ موقف حازم، وهي إن لم تشارك بالقتال الدائر مباشرة ستفكر ألف مرة قبل الاستمرار أو الدخول في عملية تطبيع مع إسرائيل.
الانتصار على حماس هزيمة. لقد ثبتت في أكثر من مناسبة استحالة إلحاق هزيمة نهائية بالحركة؛ أن تنتصر عليها بالنقاط، ممكن. ولكن أن تقضي عليها بالضربة القاضية، مستحيل. القضاء على حماس يتطلب القضاء على الفلسطينيين جميعا، حتى المعارضين لحماس بينهم. والقضاء عليها يتطلب أيضا القضاء على ضمير الشعوب العربية، بما في ذلك اليسار الذي لم يتردد في اتخاذ موقف مناصر لحماس رغم الاختلاف الأيديولوجي.
الطريقة الوحيدة للانتصار على حماس هي تقبل الهزيمة. وهو ما يعني القبول بحل الدولتين، والاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين.
الولايات المتحدة توجهت إلى المنطقة باستعراض عسكري ضخم وبيانات قوية ليس بهدف إلحاق الهزيمة بحماس، بل لتدارك الموقف، وإيقاف نتنياهو عندما تقتضي الضرورة.
إن كان نتنياهو يجهل أن قاعدة بسيطة في الحروب تقول لا تحاصر عدوك من جميع الجهات حتى لا تدفع به إلى الانتحار، فإن الولايات المتحدة تعرف تلك القاعدة جيدا.
لقد جرب نتنياهو ماذا يعني أن يحاصر قطاع غزة، وأصيب بالذهول. وهناك احتمالان: إما أنه استفاق ولكنه يبحث عن مخرج يبدو به منتصرا، أو لم يتعلم من الدرس وهو مستمر في غيه.. وهنا يجب على الولايات المتحدة أن تتدخل لتجبره على الاستفاقة.
سيتحمل الفلسطينيون بصبر الهجمات الانتقامية التي سيتعرضون لها على مدار أيام أو أسابيع، كما تحملوا ذلك من قبل. بالتأكيد هم مستعدون لمثل هذه الهجمات، فالمعركة الحقيقية بالنسبة لهم تبدأ بعد أن يصمت السلاح
المعركة مع حماس ليست سياسية، سياسيا هزمت حماس أكثر من مرة، ولكنها بعد كل هزيمة تخرج منتصرة. الانتصار عليها لن يكون إلا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين.
الولايات المتحدة تدرك هذه الحقيقة، وتدرك أن عليها إيقاف نتنياهو عند حده. امتداد المواجهات لتطال دولا أخرى ليس من مصلحة أحد، خاصة في أجواء تشير إلى انقسام على مستوى العالم، يوحي ببداية حرب باردة جديدة.
حماس لم تطلق عملية “طوفان الأقصى” ضد الاحتلال الإسرائيلي لأنها تتوقع إحراز نصر عسكري، وهي تعلم مسبقا حجم وطبيعة الرد خاصة بوجود يميني متطرف مثل نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية. بل يمكن القول إن قادة حماس راهنوا عل حماقات نتنياهو وردود فعله المتسرعة والعنيفة.
سيتحمل الفلسطينيون بصبر الهجمات الانتقامية التي سيتعرضون لها على مدار أيام أو أسابيع، كما تحملوا ذلك من قبل. بالتأكيد هم مستعدون لمثل هذه الهجمات، فالمعركة الحقيقية بالنسبة لهم تبدأ بعد أن يصمت السلاح.
لم يأت نتنياهو بجديد عندما قال إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) طلبت الحرب وستواجهها، متوعدا بأن كل مكان تعمل منه حماس سيتحول إلى خراب، وأن رد إسرائيل على الهجوم غير المسبوق “سيغير الشرق الأوسط”.
العالم يتغير، والشرق الأوسط من ضمنه. قادة حماس يدركون حساسية المرحلة التي يمر بها العالم، وأن باستطاعتهم الاستفادة من التغير الحاصل. من لم يتغير هم قادة إسرائيل الذين يجهلون أن الانتصار على حماس هزيمة.