حارسة التراث الفلسطيني ثمانينية تعشق التطريز

مها السقا تستحدث تطريزات على ملابس عصرية لكنها مستمدة من أثواب لمدن ومناطق فلسطينية.
الأحد 2023/10/08
التراث هوية الشعوب

اختارت الثمانينيّة مها السقا النضال من أجل فلسطين من خلال تأسيس مركز ثقافي في منزل عائلتها في بيت لحم يهتم بالتراث وخاصة الأثواب باعتبارها سلاحا، حيث تنسجها الفلسطينيات ويطرزنها بخصوصية كل بلدة وقرية منذ أقدم العصور.

بيت لحم (فلسطين) - بجهد شخصي استطاعت الفلسطينية مها السقا جمع المئات من القطع التراثية لتؤسس نواة مركز ثقافي يهتم بالتراث وخاصة الأثواب والحلي. والسقا واحدة من أبرز الشخصيات المتخصصة في التراث الفلسطيني، ومُؤسِّسة "مركز السقا للتراث الفلسطيني" بمدينة بيت لحم في الضفة الغربية الفلسطينية، حتى باتت ترى في نفسها "حارسة للتراث".

ورغم تقدمها في السن، حيث لامست العقد الثامن من عمرها، لكنها تؤرخ عمرها بعملها وما حققته. وفي السنوات الأخيرة تزايد اهتمام الفلسطينيين بالتراث، حيث يحتفون في 7 أكتوبر من كل عام بـ"اليوم الوطني للتراث" الذي أقره مجلس الوزراء الفلسطيني في 1999، وذلك من خلال تنظيم فعاليات وأنشطة متنوعة.

◙ ثبات على أصل الموروث لكن تطويره مطلوب
◙ ثبات على أصل الموروث لكن تطويره مطلوب 

وفي 2021 أدرجت منظمة اليونسكو التطريز الفلسطيني على لائحة التراث غير المادي. وتقول السقا، وهي من بلدة بيت جالا قرب بيت لحم، إن "التراث هوية الشعوب". وأشارت إلى أن بدايتها مع التطريز جاءت بعد انتفاضة الحجارة الأولى، وتحديدا في 1991، من خلال البحث الميداني في المدن الفلسطينية للحفاظ على الثوب ودلالاته المختلفة.

ولفتت السقا إلى أن عملها بدأ باعتباره سلاحا موجودا في كل مدينة، وشرعت في العمل ميدانيا بالمخيمات لأخذ المعرفة من أفواه أصحابها. وتابعت "وجدت أن أهم ما تهتم به السيدة الفلسطينية هو الثوب، لأنها تعلمت من عمر السبعة أعوام تطريزه يدويا، وتلبسه في عرسها، والثوب الذي رحلت فيه وستعود فيه يوما ما، وهو وثيقة لوجودنا في كل قرية ومدينة".

وتُقدم السقا أمثلة على ذلك؛ فمدينة يافا اشتهرت ببيارات (بساتين) البرتقال وشجر السرو، فطرزت نساؤها زهرة البرتقال وأحاطتها بالسرو، وثوب مدينة أريحا (شرق الضفة الغربية) مطرز بزخارف كنعانية وجدت محفورة من آلاف السنين على كهوفها.

وتزعم مُؤسِّسة مركز السقا للتراث الفلسطيني أن أقدم ثوب في العالم هو "ثوب أريحا"، ويعود عمره إلى 10 آلاف سنة. وأشارت إلى أنها حوّلت منزل عائلتها إلى مركز ثقافي تراثي، إلى أن افتتحت المركز المنفصل في بيت لحم. وتسعى السقا لتحويل منزل عائلتها بأكمله، الذي يعود عمره إلى ما يزيد عن 300 عام، إلى متحف حقيقي.

وتشير السقا إلى أنها شاركت في 40 معرضا دوليا في مختلف القارات إلى جانب معارض ومتاحف محلية تعرض بعض المقتنيات التي استخدمها الفلسطيني القديم في حياته اليومية المنزلية وفي الزراعة وتربية المواشي، إلى جانب الملابس المطرزة. ويقسم مركز السقا للتراث الفلسطيني إلى عدة أقسام؛ أبرزها قسم الأدوات القديمة الذي يضم المئات من القطع، وجزء الصور التي تعود إلى عائلتها.

وتشير أقدم صورة حصلت عليها السقا إلى أنها تعود إلى أجدادها في عام 1886، وتقول "هذه الصور دليل آخر على وجود الفلسطيني في هذه الأرض قبل الاحتلال الإسرائيلي". وتلفت إلى أنها حققت بمشاركة مؤسسات فلسطينية في 2009 نجاحا في دخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية من خلال تصميمها أكبر ثوب مطرز.

◙ بدايات السقا مع التطريز جاءت بعد انتفاضة الحجارة الأولى من خلال البحث الميداني في المدن الفلسطينية للحفاظ على الثوب ودلالاته المختلفة

وفي 2008، فاز مركز السقا بالمرتبة الأولى في مسابقة دولية تنظمها منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في العاصمة الإسبانية مدريد. وحصلت السقا في 2022 على ميدالية الإنجاز التي تقدمها الرئاسة الفلسطينية، وفي 2013 اختيرت شخصية العام الثقافية من قبل وزارة الثقافة.

وتقول إنها "فخورة بتصميم وتطريز وشاح أُهدي لبابا الفاتيكان فرنسيس الأول خلال زيارته إلى بيت لحم في 2015". وطرزت السقا على الوشاح مفتاح العودة المزين بأهم الرموز الوطنية والدينية كالمسجد الأقصى، وكنيسة المهد، والكوفية الفلسطينية. وعادة ما تستثمر السقا المناسبات الدينية والوطنية لعرض الملابس النسائية التقليدية.

وتقول إن "التراث الفلسطيني مهدد بالسرقة والتزوير من الاحتلال الإسرائيلي، والحفاظ عليه مقاومة". وتضيف "بات هناك وعي كبير لدى المواطنين، وأصبح الثوب التقليدي أساسا في كل الأعراس الفلسطينية". وأشارت السقا إلى جزء مميز في مركزها مخصص لبيع القطع التراثية المطرزة والأثواب والحُلي.

ولفتت إلى أن القسم من إنتاج سيدات فلسطينيات من مختلف محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة. وتابعت "الثوب هوية وتواصل بين الماضي والحاضر، ووثيقة استمرارية للتراث". وتستحدث السقا تطريزات على ملابس عصرية، لكنها تقول إنها "تبقى كما الأصل، مستمدة من أثواب لمدن ومناطق فلسطينية". وتشير إلى مجموعة من الأثواب وتقول "كل ثوب منها خاص بمدينة ومنطقة، وكانت الفتاة تُعرف من أي مدينة من خلال زخرفة ثوبها وتطريزه".

 

18