مجموعة من الجينات مسؤولة عن إفراز الروائح الشخصية للبشر

المكونات الرئيسية المسببة للرائحة تتعلق بعوامل داخلية ثابتة مثل العرق والنوع وصفات وراثية مختلفة، بالإضافة إلى أسباب أخرى متغيرة.
السبت 2023/10/07
الروائح الشخصية قد تصبح فرعا مهما من فروع الطب الشرعي

سان فرانسيسكو ( الولايات المتحدة) - يستنشق كل شخص الروائح من حوله في كل خطوة من حياته اليومية، بل وتنبعث منه أيضا رائحة مميزة تتيح إمكانية التعرف عليه وتمييزه بين سائر المحيطين به.

وتتأثر الرائحة الشخصية لكل فرد بعوامل عدة من بينها الصفات الوراثية، حيث يعتقد العلماء أن مجموعة معينة من الجينات هي المسؤولة عن إفراز الرائحة، وتتعلق هذه الجينات بالاستجابة المناعية للجسم، ويعتقد أنها تؤثر على الرائحة من خلال إنتاج بروتينات ومركبات كيميائية معينة، وعند خروج هذه الإفرازات من مسام الجلد، فإنها تتكسر وتختلط بالبيئة المحيطة، وتنتج عنها الرائحة المميزة لكل إنسان.

ويؤكد فريق بحثي متخصص في “علم الروائح البشرية” أن هذه المركبات الغازية التي تنبعث من الإنسان، ويطلق عليها اسم “المركبات العضوية المتطايرة” هي في حقيقة الأمر غنية بالمعلومات التي تهم الباحثين في مجال الطب الشرعي والصحة العامة.

وفي تقرير نشره الموقع الإلكتروني الأسترالي “ذا كنفرسيشن” المتخصص في الدراسات الأكاديمية، يقول الفريق البحثي المتخصص في الكيمياء الحيوية ويضم كينيث فورتون من جامعة فلوريدا، وفيديا جوكول من مختبر لورانس ليفمور الوطني في الولايات المتحدة، وشانترايل فريزر من جامعة فرامينغهام بولاية ماساتشوستس إنه عندما تقترب من شخص ما، فإنك تستشعر حرارة جسده دون الحاجة إلى ملامسته، بل وتستطيع استنشاق رائحته دون حتى الاقتراب منه عن كثب، فحرارة الجسم الطبيعية تخلق مجالا حراريا مختلفا حول الشخص، بمعنى أنك تقوم بتسخين الهواء المحيط بك فيما يظل الهواء البعيد باردا، مما يخلق تيارا من السخونة حول الجسم.

الرائحة الشخصية لكل فر تتأثر د بعوامل عدة من بينها الصفات الوراثية، حيث يعتقد العلماء أن مجموعة معينة من الجينات هي المسؤولة عن إفراز الرائحة

ويعتقد العلماء أن هذا المجال الحراري يساعد في توزيع رائحة الشخص عن طريق دفع الملايين من خلايا الجلد بعيدا عن الجسم على مدار اليوم، وهذه الخلايا تقوم بدور العبوات التي تنقل الإفرازات الغددية والمكونات المجهرية من داخل الجسم إلى البيئة المحيطة. ويرى الباحثون أن المكونات الرئيسية المسببة للرائحة تتعلق بعوامل داخلية ثابتة مثل العرق والنوع وصفات وراثية مختلفة، بالإضافة إلى أسباب أخرى متغيرة مثل التوتر والغذاء والمرض، ثم تمتزج هذه الإفرازات بمؤثرات أخرى خارجية مثل العطور أو صابون الاستحمام وغيرها لتخلق في النهاية رائحة مميزة لكل إنسان.

ويعكف العلماء على دراسة الروائح البشرية منذ عقود، فقد أثبتت تجربة أجريت عام 1988 أن بعض أنواع الكلاب يمكنها تمييز الرائحة المختلفة لتوأمين يعيشان في ظروف بيئية مختلفة عن طريق الرائحة وحدها، وجدير بالذكر أن التمييز بين التوائم المتطابقين لا يمكن تحقيقه باختبارات الحمض النووي، نظرا لأنهم يشتركون في نفس الشفرات الجينية. واتسع مجال دراسة الروائح البشرية في السنوات التالية، بحيث أصبحت من الأدلة التي يتم الرجوع إليها في مجال الطب الشرعي.

وأثبتت دراسة أجراها الفريق البحثي الأميركي عام 2017 بمشاركة 105 متطوعين أن العينات التي تم سحبها من باطن أكفّ اليدين للمشاركين كانت تحتوي على 15 من المركبات العضوية المتطايرة، واستطاع الباحثون من خلال هذه المسحات التمييز بين الجنس والعرق، بدرجة من الدقة تبلغ نسبتها 72 في المئة للبيض، و82 في المئة للآسيويين، و67 في المئة لمن ينتمون إلى أصول لاتينية. كما أمكن للباحثين التمييز بين الذكور والإناث اعتمادا على 13 مركبا عضويا بدرجة من الدقة تبلغ نسبتها 80 في المئة.

واستطاع باحثون تدريب بعض الكلاب على شم رائحة الإصابة بفايروس كوفيد – 19، وأمكن لباحثين آخرين ابتكار منظومات حوسبية يمكنها تمييز جنس الشخص اعتمادا على رائحة اليدين بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي وبدرجة من الدقة بلغت 96 في المئة، وشارك في هذه التجربة مجموعة من المتطوعين تضم 30 رجلا و30 امرأة.

المركبات الغازية التي تنبعث من الإنسان هي في حقيقة الأمر غنية بالمعلومات التي تهم الباحثين في مجال الطب الشرعي والصحة العامة

ويؤكد الفريق البحثي أن علم الرائحة البشرية يمكنه أن يسهم في تشخيص بعض الأمراض، ومن الأمثلة على ذلك الاعتماد على الرائحة في التنبؤ بحالات مرضية مثل السكتات الدماغية ونوبات السكري بواسطة كلاب مدربة، والتي تستطيع تحذير المريض عن طريق النباح باحتمال إصابته بوعكة صحية قبل حدوثها بفترة كافية حتى يتسنى له اتخاذ الإجراء الطبي المناسب مثل تصحيح مستوى الغلوكوز في الدم قبل الإصابة بنوبة السكري على سبيل المثال.

وأثبتت بعض الاختبارات العلمية أيضا أن الكلاب يمكنها اكتشاف إصابة بعض المرضى بالسرطان من خلال رائحتهم. واستطاع الفريق البحثي من خلال اختبارات معملية لعينات من روائح اليدين التمييز بين الأشخاص المصابين بفايروس كورونا بدرجة من الدقة تبلغ نسبتها 75 في المئة.

ويرى الباحثون أن الروائح الشخصية تمثل وسيلة غير تدخلية لجمع العينات، وفي حين أن الاتصال المباشر بسطح ما مثل الإمساك بمقبض باب أو ارتداء سترة معينة يمثل مسلكا واضحا للحصول على عينة من رائحة شخص ما، فإن مجرد تواجده في مكان معين هو كفيل بانتشار رائحته في البيئة المحيطة به.

ورغم أن الروائح الشخصية قد تصبح فرعا مهما من فروع الطب الشرعي في المستقبل، فهي مازالت في مرحلة التطوير، وقد نصل يوماً ما إلى جمع عينات من الروائح في مسرح الجريمة لتحديد هوية المشتبه بهم. ولاشك أن إجراء المزيد من الدراسات بشأن تحليل الروائح البشرية سوف يتيح سد الثغرات في فهم تفرد الرائحة البشرية، والاستفادة من هذا العلم في تطبيقات عديدة في مجالات الطب الشرعي ومختبرات الطب الحيوي.

15