قلق في البلدان العربية اسمه حوادث السيارات

سوء حالة شبكة الطرقات وعدم تطبيق القواعد المرورية وراء ازدياد عدد الحوادث القاتلة.
الأحد 2023/10/01
الحوادث تشل حركة المرور وتربك السير العادي في الطرقات

تتزايد حوادث السيارات في البلدان العربية لتخلف مآسي أسرية مؤلمة مصحوبة بزيادة في الإنفاق الصحي وخسائر في الممتلكات وصولا إلى ارتفاع كلفة التأمين. وليست البنى التحتية المتردّية وحدها مسؤولة عن تلك الحوادث القاتلة، فالإفراط في السرعة والسهو والسياقة في حالة إرهاق تظل من أبرز الأسباب. وتسعى دول مثل المغرب وتونس للتصدي لظاهرة حوادث السير والتحكم فيها بشكل ملموس.

تونس - تحتل الدول العربية مراتب متقدمة جداً في نسبة الوفيات في حوادث الطرقات، وضعف المنظومة القانونية، ورداءة البنى التحتية، حيث لا تمُر ساعة في غالبية الشوارع العربية إلا وتُسال دماء جديدة على الإسفلت.

وتعد دول شمال أفريقيا، بدءاً من مصر حتى موريتانيا، واحدة من المناطق البارزة التي تشهد وضعاً مأساوياً في معدلات حوادث الطرقات التي تزيد الكلفة الاقتصادية على المجتمعات والدول، من زيادة الإنفاق الصحي إلى خسائر في الممتلكات وصولاً إلى ارتفاع كلفة التأمين.

وفي تونس تزايد عدد الضحايا بنسبة 16.3 في المئة، بما يعادل 860 شخصاً منذ بداية العام الجاري وحتى 24 سبتمبر.

وكشفت البيانات الصادرة عن المرصد الوطني للسلامة المرورية في تونس أن عدد قتلى حوادث الطرقات ارتفع بمعدل 121 شخصاً مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022 التي لم يتعد فيها عدد الضحايا 739 قتيلاً.

كلفة بشرية عالية

حوادث المرور القاتلة تخلّف مآسي أسرية موجعة، والإفراط في السرعة والسهو والسياقة في حالة إرهاق تظل من أبرز أسباب هذه الحوادث

وأبرزت البيانات ذاتها أن عدد حوادث الطرقات تراجع هذا العام بنسبة تزيد عن 5 في المئة، غير أن كلفتها البشرية كانت عالية من حيث ارتفاع عدد القتلى والجرحى.

وقال الرئيس التونسي قيس سعيد في اجتماع مجلس الأمن القومي إن بلاده تتصدر مراتب متقدمة في عدد حوادث المرور بسبب ثقافة مجتمعية سائدة لدى مستعملي الطريق تتسم بعدم احترام الفضاء العام.

بدوره أكد المحلل الاقتصادي الليبي عمرو فركاش أن معدل الحوادث المرتفع في ليبيا لا يرتبط بشكل أساسي بسوء حالة شبكة الطرقات العادية والسريعة، نظراً إلى أن هذه الشبكة تم تصميمها منذ الاحتلال الإيطالي وخضعت لعمليات صيانة مقبولة للحفاظ على هيئتها. ويشرح “الأسباب الرئيسية في تفاقم حوادث الطرقات تكمن في عدم وجود أي ضوابط للسلامة في ظل غياب شبه كامل لتطبيق القواعد المرورية، وتحديداً في الطرقات السريعة. هذا الإهمال في التعامل المروري ينجم عنه ارتفاع معدلات سرعة قيادة المركبات حتى تتجاوز 120 إلى 140 كيلومتراً في الساعة في المتوسط. وذلك في ظل غياب لأجهزة الرادار لرصد السيارات المخالفة لحدود السرعة المسموح بها”.

وتتصدر ليبيا دول العالم من حيث معدل الوفيات الذي بلغ 73.4 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة وذلك في ظل وقوع 4398 قتيلاً.

وفي موريتانيا بلغ عدد الوفيات 204 أشخاص بمعدل 24.5 لكل 100 ألف نسمة، ويصل هذا المعدل في الجزائر إلى 23.8 في ظل بلوغ عدد الوفيات 9337 شخصاً، بينما ينخفض المعدل في المغرب إلى 20.8 بعدد وفيات 3832 شخصاً. ورغم انخفاض معدل وفيات الطرقات في مصر إلى 12.8 لكل 100 ألف نسمة، إلا أن عدد الوفيات يأتي عربياً في المركز الثاني بعد الجزائر بعدد 8701 حالة وفاة خلال عام 2015.

محمد عبدالجليل: معالجة ظاهرة حوادث السير ليست أمرا مستحيلا
محمد عبدالجليل: معالجة ظاهرة حوادث السير ليست أمرا مستحيلا

وهذه المعدلات مرشحة للزيادة في ظل توقع تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في 2015 أن يرتفع ترتيب حوادث الطرقات ضمن العوامل المسببة للوفيات من المرتبة التاسعة عالمياً في العام 2004 إلى المرتبة الرابعة بحلول عام 2030.

وأكد وزير النقل واللوجستيك المغربي محمد عبدالجليل أن القارة الأفريقية قادرة على التصدي لظاهرة حوادث السير على غرار مجموعة من الإشكاليات الأخرى. وقال في كلمة خلال افتتاح أشغال الدورة الثانية لجائزة كوفي عنان للسلامة الطرقية، إن “معالجة ظاهرة حوادث السير على صعيد الدول الأفريقية ليست أمرا مستحيلا، ويمكن التصدي للظاهرة على غرار مجموعة من الإشكاليات الأخرى، حيث أبانت العديد من التجارب الدولية عن إمكانية التحكم في الظاهرة بشكل ملموس”.

وأبرز أن انعدام السلامة في الطرقات يجب ألا يؤثر سلبا على المؤهلات الاقتصادية والبشرية الهائلة التي تزخر بها القارة الأفريقية، والتي يمكن توجيهها نحو خدمة مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى أن الأمر يستوجب تضافر الجهود لتبادل الخبرات بين الدول الأفريقية وتشجيع جميع المبادرات التي من شأنها تطوير وتحسين مستوى السلامة المرورية في القارة.

وفي السياق ذاته أكد الوزير على أن الدورة الثانية لجائزة كوفي عنان للسلامة الطرقية تكتسي أهمية بالغة بالنسبة إلى الدول والهيئات المشاركة، معتبرا أنها تشكل منصة لتبادل الخبرات والتجارب الرائدة في العالم، ولاسيما بين الدول الأفريقية في تدبير ملف السلامة الطرقية في جوانبها المؤسساتية والتقنية.

وأضاف أن “القواسم المشتركة بين الدول الأفريقية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تشكل ضمانة لتعميم المشاريع والمبادرات الناجحة بين هذه الدول”، مبرزا انخراط المملكة المغربية في هذا التوجه على غرار ما تقوم به في قطاعات اقتصادية واجتماعية أخرى.

وشدد على استعداد المملكة أيضا لتقاسم تجربتها في التدبير المؤسساتي للسلامة الطرقية مع كل المشاركين، وكذلك تقديم بعض المشاريع والمبادرات الناجحة في مختلف المجالات ذات الصلة، وخاصة في ما يتعلق بإدماج التكنولوجيات الحديثة والرقمنة والذكاء الاصطناعي للحد من حوادث السير.

مدونة للسير والمراقبة

مراد الجويني: من الضروري إرساء ثقافة جديدة في التعامل مع الطريق
مراد الجويني: من الضروري إرساء ثقافة جديدة في التعامل مع الطريق

واغتنم عبدالجليل المناسبة ليؤكد على أن العاهل المغربي الملك محمد السادس يحيط موضوع السلامة الطرقية بعناية خاصة، مذكرا أنه ترأس يوم 18 فبراير 2005 اجتماعا للجنة الوزارية للسلامة الطرقية، تمخض عنه وضع حكامة مؤسساتية مندمجة ومتكاملة وإستراتيجيات ومخططات عمل لتدبير ملف السلامة الطرقية.

وأبرز أن المغرب تمكن من إنجاز عدد من المشاريع في هذا المجال، منها على الخصوص اعتماد مدونة جديدة للسير، والمراقبة الأوتوماتيكية، وتحسين جودة المراقبة التقنية للعربات، والتكوين المهني للسائقين، وتحسين البنيات التحتية الطرقية، وبرامج مهمة للتحسيس والتوعية بمبادئ السلامة الطرقية، فضلا عن تجويد التدخلات الصحية بعد الحوادث.

كما ذكر بإحداث الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية سنة 2020 الذي جاء لتقوية هذه الحكامة، موضحا أن الوكالة تهتم بإنجاز مجموعة من البرامج والمشاريع المهيكلة تتعلق بالسلامة الطرقية وتقديم مجموعة من الخدمات.

وأضاف أن “النتائج المحققة إلى حد الآن، وبشكل عام، تظل مشجعة، حيث أن تحليل المعطيات الإحصائية لحوادث السير الجسمانية وضحاياها برسم السنوات الأخيرة يبين أن مؤشر الوفيات حسب الفئات يتطور في المنحى الإيجابي، باستثناء مؤشر مستعملي الدراجات النارية”، لافتا إلى ضرورة اتخاذ مجموعة من الإجراءات الكفيلة بحماية هذه الفئة من مستعملي الطريق.

وتابع “نحن مطالبون اليوم بالتركيز على تقييم إستراتيجية 2017 – 2022، وبلورة مخططات عمل جديدة تعتمد على معالجة أسباب حوادث السير وكذلك اعتماد الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة للحد من حوادث السير”.

الحوادث كلفتها باهظة
الحوادث كلفتها باهظة

وتشكّل حوادث السير المميتة في صفوف راكبي الدراجات النارية تحدّياً كبيراً أمام تحقيق السلامة الطرقية في المغرب، إذ تشير الأرقام الرّسمية في هذا الصدد إلى ارتفاع عدد القتلى من مستعملي الدراجات بمحرك بين سنتي 2015 و2022 بنسبة زيادة بلغت 31.1 في المئة.

وأكد عبدالجليل في هذا الصدد على أهمية تسريع المخطط المندمج “الدراجة الآمنة” الذي يشمل مجموعة من التدابير والإجراءات الرامية إلى تحسين شروط السلامة الطرقية الخاصة بمستعملي الدراجات بشتى أصنافها، باعتبارها فئات عديمة الحماية، وعلى وجه التحديد تعميم استعمال الخوذة الواقية واحترام قواعد قانون السير.

من جانبها، أطلقت الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية حملة واسعة رقمية وميدانية من أجل التحسيس بمخاطر حوادث السير في صفوف مستعملي الدراجات النارية ومحاولة خفضها.

وأشارت الوكالة، ضمن مجموعة من المنشورات التحسيسية على منصاتها الاجتماعية، إلى تسجيل 1389 حالة وفاة في صفوف مستعملي الدراجات بمحرك سنة 2022، مبرزة أن 78 في المئة من مخالفات عدم احترام الضوء الأحمر ارتكبت من طرف سائقي الدراجات النارية.

ونبّهت الوكالة مستعملي الدراجات النارية إلى ضرورة الافتراض الدائم أن السائقين الآخرين لا يرونهم، وملاحظة السيارات المتوقفة لتجنب فتح أبوابها فجأة والاصطدام بها، والحرص على تشغيل المصابيح الأمامية والخلفية للدراجة مع اقتراب الغروب.

الموت يترصد المخالفين لقانون الطريق
الموت يترصد المخالفين لقانون الطريق

ويعتبر المغرب بلدا رائدا في مجال السلامة الطرقية في أفريقيا، إذ تم اتخاذ خطوة جبارة سنة 2020 من خلال إحداث الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، باعتبارها مؤسسة رائدة ومستقلة وممولة ذاتيا، جاءت لتتويج إرث اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير التي تم إحداثها سنة 1977.

كما يبذل المغرب مجهودات كبيرة لتعزيز التعاون جنوب – جنوب مع شركائه من الدول الأفريقية في مجالي النقل الطرقي والسلامة الطرقية، وفق عبدالجليل.

بدورها تسعى تونس إلى الحد من الوفيات الناجمة عن حوادث السير. وقال مراد الجويني المتحدث الرسمي باسم المرصد الوطني للسلامة المرورية إن “السلطات أطلقت خلال أشهر الصيف حملات واسعة النطاق لعطلة آمنة، حيث جرى تشديد المراقبة على مخالفات السرعة التي تعد السبب الأول للموت على الطرقات”، موضحاً أن “الحملات الأمنية على الطرقات تستهدف كل مستعملي الفضاء العام من عربات ودراجات نارية ومترجلين من أجل إرساء ثقافة جديدة في التعامل مع الطريق”.

السرعة وعدم الانتباه

Thumbnail

وأفاد المتحدث ذاته بأن “حوادث المرور القاتلة تخلّف مآسي أسرية موجعة”، مؤكداً أن “الإفراط في السرعة والسهو والسياقة في حالة إرهاق تظل من أبرز أسباب الحوادث القاتلة في تونس”.

وتعود أسباب الحوادث أساسا، وفق المرصد، إلى السرعة وعدم الانتباه بنسبة 42.23 في المئة تليها السرعة بنسبة 15.14 في المئة ثم عدم احترام الأولوية بنسبة 8.66 في المئة. أما بالنسبة إلى الأسباب التي أدت إلى الموت جراء حوادث الطرقات فقد كانت السرعة في المرتبة الأولى بنسبة 28.46 في المئة، يليها السهو وعدم الانتباه بنسبة 24.76 في المئة ثم عدم ملازمة اليمين بنسبة 13.65 في المئة وشق الطريق بنسبة 7.80 في المئة.

واحتل السهو وعدم الانتباه المرتبة الأولى في أسباب ارتكاب الحوادث في تونس بنسبة تجاوزت 42 في المئة، تلته في المرتبة الثانية السرعة التي تسبّبت في ارتكاب أكثر من 15 في المئة من الحوادث المسجّلة إلى حدود 26 يونيو المنقضي، يعقبها عدم احترام الأولوية بنسبة فاقت 8 في المئة، ثمّ عدم ملازمة اليمين بنسبة تجاوزت 6 في المئة.

وأظهر المرصد الوطني للسلامة المرورية أن عدم احترام علامات المرور، والسياقة في حالة سكر، والمجاوزة الممنوعة، وشقّ الطريق والمداهمة تعدّ أيضا من أهم المسبّبات الأخرى لحوادث الطرقات في تونس.

وطالب المرصد في هذا الصّدد بضرورة الإسراع في تفعيل التنقيح المدخل على الأمر عدد 151 لسنة 2000 المتعلق بالقواعد العامة للجولان في فصله الخامس والمتعلق بإجبارية التخفيض في السرعة إلى 30 كلم في الساعة بمحيط المؤسسات التربوية والتكوينية، والذي صدر بالرّائد الرّسمي (الجريدة الرسمية) عدد 62 لسنة 2023، وذلك من خلال تمكين رؤساء البلديات من وضع علامات تخفيض في السرعة إلى 30 كلم في الساعة على أن يكون هذا التخفيض إجباريا بالمناطق المحيطة بالمؤسسات التربوية والتكوينية ومؤسسات التعليم العالي والبحث والمؤسسات الشبابية والمنشآت الرياضية المعلن عنها بالعلامات الملائمة.

ويندرج هذا التنقيح ضمن قائمة المناطق التي تتطلب تخفيضا للسرعة على غرار المناطق المحيطة بالمؤسسات التربوية والتكوينية ومؤسسات التعليم العالي والبحث والمؤسسات الشبابية والمنشآت الرياضية المعلن عنها بالعلامات الملائمة، ويتعين على كل سائق أن يخفض من سرعته بصفة ملحوظة والوقوف عند الاقتضاء عند عبور الطريق من قبل الأشخاص ذوي الإعاقة على مستوى الأماكن المهيّأة والمخصّصة للغرض.

15