الفلسطينيون أمام عثرة المعابر اليومية

العوائق أمام التنقل تضاعفت خلال العامين الماضيين، مما منع الفلسطينيين من الوصول إلى المستشفيات والمراكز الحضرية والمناطق الزراعية.
الخميس 2023/09/28
معاناة إضافية

رام الله - تدقق سندس في الأخبار قبل أن تعود إلى منزلها، وتتحقق من غياب أي علامات تحول رحلتها التي تستغرق 30 دقيقة إلى سفرة مدتها أربع ساعات، حيث يمكن أن يجعل أي حادث التنقل صعبا.

وتنتظر سندس في بعض الأحيان أن يتصل بها والدها ويخبرها ما إذا كانت نقاط التفتيش المحيطة بمنزلها مفتوحة أم لا. واعتادت المرأة التي تعيش في الخليل بالضفة الغربية منذ عشرين سنة على التخطيط ليومها في ظل عدم القدرة على التنبؤ.

وتقول الكاتبة أبيغيل فان نيلي في تقرير على خدمة إنتر برس إن العوائق أمام التنقل في الضفة الغربية تضاعفت خلال العامين الماضيين، مما منع الفلسطينيين من الوصول إلى المستشفيات والمراكز الحضرية والمناطق الزراعية. وأصبحت القيود والتأخير الوضع الطبيعي الجديد.

وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في مراجعة حديثة عن زيادة بنسبة 8 في المئة في العدد الإجمالي المسجل للحواجز المادية، أي من 593 في 2020 إلى 645 في 2023. وهي تتراوح في نطاقها بين نقاط تفتيش معقدة تحرسها العساكر.

فلورنسيا سوتو نينو: الاحتياجات تفاقمت بسبب القيود على تحركات الفلسطينيين
فلورنسيا سوتو نينو: الاحتياجات تفاقمت بسبب القيود على تحركات الفلسطينيين

واختلف عدد الحواجز خلال السنوات الماضية. لكن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية حدد زيادة ملحوظة بنسبة 35 في المئة، خاصة في عدد نقاط التفتيش التي يحرسها الجنود باستمرار في المناطق الإستراتيجية.

وتعدّ المنطقة ج، وهي المنطقة التي لا تزال تحت سيطرة الإدارة والشرطة الإسرائيلية، موطنا لمعظم الطرق وجل عوائق الحركة. وتغطي 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية.

وترى فان نيلي أن على إسرائيل، بموجب القانون الدولي، تسهيل حرية تنقل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، لكن غالبا ما يتقرر إغلاق نقاط الدخول والطرق الرئيسية في المدن دون سابق إنذار “لأسباب أمنية” تعسفية.

وذكر أندريا دي دومينيكو، نائب رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن “هدف قوات الاحتلال هو التأكد من قدرتها على عزل مناطق بأكملها إذا تطلب الأمن ذلك. ودائما ما يكون الأمر غامضا بعض الشيء، فأنت لا تعرف متى ستتمكن من العودة عندما تخرج”.

وتتطلب معظم الأنشطة لذلك تنسيقا مكثفا، سواء في ما يتعلق بإيصال سيارة إطفاء إلى نقاط التفتيش في الوقت المناسب، أو توجيه الركاب من الحافلة وإليها أثناء التحقق من بطاقات الهوية، أو التخطيط لرحلة لزيارة الأقارب.

وتعتبر المنطقة هـ2 في الخليل من أكثر المناطق تقييدا في الضفة الغربية. وتُعتمد كاميرات التعرف على الوجه، وأجهزة الكشف عن المعادن، ومرافق الاحتجاز والاستجواب في تحصين 28 نقطة تفتيش تفصل بين الأجزاء التي تسيطر عليها إسرائيل في المدينة.

وتعرف سندس أنه يجب عليها المرور عبر نقطتي تفتيش على الأقل للوصول إلى منزلها في المنطقة هـ2. لكن التخطيط صعب. فلا توجد أوقات محددة تُفتح فيها نقاط التفتيش. ولا توجد مناطق انتظار إذا كانت مغلقة.

8

في المئة نسبة الزيادة في العدد الإجمالي المسجل للحواجز المادية، أي من 593 في 2020 إلى 645 في 2023

وتقول سندس التي اعتمدت اسما مستعارا إنها تأمل أن يكون هناك حارس لطيف يتحدث العربية أو الإنجليزية عندما يحدث ذلك، حتى توضح له أنها تحاول العودة إلى منزلها.

وتقرر إغلاق نقطة التفتيش في الطريق إلى جامعة سندس لمدة ثلاثة أشهر بعد حادثة طعن في 2016. وتتذكر أن الشوارع كانت مكتظة بالجنود بينما كانت تسير في برد الشتاء.

ووضعت سندس يديها في جيوب سترتها لتدفئتهما. ولكن حارسا صرخ عليها على بعد 100 متر وطلب منها إظهار يديها. وتقول الآن إنها حذرة حتى بشأن شراء سكين للمطبخ إذ قد تواجه مشكلة عند نقله إلى المنزل.

وتتعدد التحديات أمام التنقل في المدينة الفلسطينية التاريخية المليئة بنقاط التفتيش. ويروي دي دومينيكو قصص امرأة مسنة توقفت عن الخروج لتجنب التعرض لمضايقات الجنود. وتقول سندس “يمكن للمستوطنين الإسرائيليين إذا كانوا موجودين في الشوارع مهاجمتي في أي وقت يريدونه”.

وعندما يطلب الجنود هويتها، قالت سندس إنهم يريدون رقم البطاقة، وليس اسمها. وأضافت “إنهم يعتبروننا رقما”.

وتسيطر التصاريح على الحياة في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتقدم مصعب، وهو طالب جامعي في نابلس، بستة طلبات للحصول على تصريح للسفر لتلقي علاج السرطان، ورُفضت جميعها. وأُجبر أخيرا على السفر إلى الأردن مرتين دون والده لتلقي الرعاية.

وقال والد مصعب لمنظمة الصحة العالمية “هذا غير إنساني للغاية. كيف يمكن أن يحدث هذا في أي مكان في العالم؟ لماذا يمنعونني من مرافقة ابني؟ أريد فقط أن أمسك بيده قبل إجرائه عملية جراحية”.

المنطقة "ج" وهي المنطقة التي لا تزال تحت سيطرة الإدارة والشرطة الإسرائيلية تعدّ موطنا لمعظم الطرق وجل عوائق الحركة

وتتعدد القصص المشابهة لقصة مصعب، حيث يُمنع المرضى في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة من طلب الرعاية الصحية بسبب القيود المفروضة على التصاريح.

ووفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، لم تتم الموافقة على 15 في المئة من طلبات المرضى في 2022 لزيارة المرافق الصحية الإسرائيلية في القدس الشرقية في الوقت المناسب لمواعيدهم. كما تأخرت 93 في المئة من سيارات الإسعاف بسبب مطالبة المرضى بالانتقال إلى أخرى مرخصة إسرائيليا.

وتفيد تقارير منظمة الصحة العالمية بأن 160 ألفا من القيود الجسدية في المنطقة ج دفعت العديد من المجتمعات إلى الاعتماد على العيادات المتنقلة الممولة من المساعدات الإنسانية.

وحصلت خطة الاستجابة الإنسانية لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية هذا العام على تمويل لم يتجاوز 33 في المئة.

وقالت فلورنسيا سوتو نينو، وهي المتحدثة باسم الأمين العام، للصحافيين إن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يحذر من تفاقم الاحتياجات الإنسانية بسبب القيود المفروضة على تحركات الفلسطينيين داخل الضفة الغربية.

وذكرت أن هذا يقوض إمكانية سبل عيشهم وتمتعهم بالخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.

وتفاقم الجدران هذه القضايا الإنسانية. ويمتد الجدار الذي بلغ تشييده نسبة 65 في المئة الآن على طول حدود الضفة الغربية وداخل المنطقة، وغالبا ما يؤدي إلى اقتطاع المستوطنات الإسرائيلية، وتقسيم المجتمعات، ويمر في بعض الأحيان عبر المنازل.

ويتعين على النساء دون سن 50 عاما والرجال دون سن 55 عاما الذين يحملون هويات الضفة الغربية إبراز تصاريح من السلطات الإسرائيلية لدخول القدس الشرقية. ولا يمكنهم حتى في تلك الحالة سوى استخدام ثلاث نقاط تفتيش من أصل 13. كما يُفصل المزارعون الفلسطينيون عن أراضيهم وسبل عيشهم.

وحدد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن العديد من المزارع الخاصة حوصرت داخل المناطق التي حددتها القوات العسكرية الإسرائيلية باعتبارها “مناطق إطلاق نار”.

Thumbnail

ونتيجة لذلك، لا يمكن الوصول إليها في بعض الأحيان إلا مرتين في السنة. وتشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إلى أن الإنتاج الزراعي في المنطقة انخفض بنسبة 70 في المئة تقريبا لأن الفلسطينيين اضطروا إلى هجر أراضيهم.

ويحدد حجم قطعة أرض المزارع متى يمكن الاعتناء بها والمدة الضرورية لذلك. ويجب على المزارعين تنسيق الأوقات التي سيفتح فيها الجنود البوابات التي تسمح لهم بالدخول إلى أراضيهم.

وتبقى أيام الحصاد صعبة بشكل خاص. ويقول دي دومينيكو إن التصاريح تُمنح في بعض الحالات لمالك الأرض فقط وليس لعماله.

وفي نفس الوقت، يصف دي دومينيكو غزة، وهي المنطقة التي يفصلها عن إسرائيل جدار يبلغ ارتفاعه 12 مترا، بأنها “سجن ضخم” لـ2.3 مليون فلسطيني. وقال “إنه المكان الوحيد على هذا الكوكب الذي لا يستطيع الناس الفرار منه عندما تندلع الحرب”.

وأعرب المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور عن خيبة أمله إزاء “شلل المجتمع الدولي” في ما يتعلق بحماية الشعب الفلسطيني من التمييز، وذلك خلال اجتماع اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أغسطس.

وفي نفس الوقت، يعمل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية على تسهيل “الممرات الإنسانية لضمان تقديم الخدمات الأساسية”، حسب تصريحات دي دومينيكو. وساعد المكتب المعلمين على سبيل المثال في الوصول إلى المجتمعات التي كان على الطلاب السير فيها لأميال لبلوغ المدارس.

وأضاف دي دومينيكو أن التقارير يمكن أن تسهل المناقشات المهمة. ودُعيت السلطات الإسرائيلية، التي اعترضت على مواد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الماضي، إلى مرافقة موظفي الأمم المتحدة بينما يرسمون حواجز جديدة. لكن دي دومينيكو قال إن احتمال تصاعد التوتر قائم دائما، حتى بالنسبة لموظفي الأمم المتحدة. وتابع “أنت تعيش باستمرار مع هذا التوتر”.

6