الصيادون في تركيا يكافحون لبقاء المسطحات المائية

يواجه الصيادون والمزارعون المخاطر التي يخلفها تغير المناخ بمعية الناشطين في مجال البيئة، لكن سياسة الدولة التركية لا تأبه لمصالح هؤلاء، خاصة وأن الحكومة تواصل بناء السدود وتعزيز الزراعة التي تستهلك كميات هائلة من المياه علما وأن مساحات البحيرات والأراضي الرطبة تراجعت في جميع أنحاء البلاد.
إزمير (تركيا) – ربح الصيادون في قرية تيكيلي أوغلو التركية دعوى قضائية رائدة مرتبطة بتغير المناخ خلال السنة الحالية، لكن الكثيرين منهم لا يرون أن المعركة المستمرة في المحاكم يمكن أن تعيد إحياء البحيرة الجافة التي عملوا فيها لعقود.
وقال الصياد المتقاعد سليمان بيكارا الذي عمل في بحيرة مرمرة في غرب تركيا لمدة 50 عاما، بينما كان يراقب الشاحنات تمر بجوارها لالتقاط التبن من مزرعة تحتل الآن جزءا من قاع البحيرة “لم أعد أشعر بأي شيء”.
وجفت بحيرة مرمرة بالكامل في 2022، وأصبحت الآن موضوع العديد من الدعاوى القضائية التي تعتبر أن الكارثة ترجع إلى سياسات الحكومة مثل بناء السدود وتعزيز الزراعة التي تستهلك كميات هائلة من المياه. وتراجعت مساحات البحيرات والأراضي الرطبة في جميع أنحاء البلاد.
وحدد معهد الموارد العالمية بالولايات المتحدة أن تركيا ستكون من بين الدول الثلاثين الأكثر تضررا من الجفاف بحلول 2040 مع ارتفاع الطلب في الفترة التي يسبب فيها تغير المناخ طقسا أكثر حرارة وجفافا شديدا.
وتقول جمعية الطبيعة التركية “دوغا ديرنيجي” التي دعمت الصيادين في معركتهم القانونية الناجحة لوقف تلقي تراخيص الصيد بمقابل مالي، والتي كانت أول دعوى قضائية في تركيا بشأن تغير المناخ، إن أزمة بحيرة مرمرة تبرز فشل الدولة في وقف آثار تغير المناخ من خلال حماية الأراضي الرطبة.
وقال بورسين ياراسلي وهو منسق الأراضي الرطبة في “دوغا ديرنيجي” التي رفعت دعويين قضائيتين ضد الحكومة بسبب تدهور البحيرة، إن الأراضي الرطبة مهمة لكونها مصدرا للمياه، ولأنها تحتضن أنظمة بيئية يمكنها مكافحة تغير المناخ.
وتؤكد المجموعة خسارة حوالي نصف الأراضي الرطبة الطبيعية في تركيا، مما سبب تآكل حاجز حيوي ضد آثار ظاهرة الاحتباس الحراري.
وقال دورسون يلديز الخبير في جمعية سياسات المياه وهي منظمة غير حكومية مقرها أنقرة وليست جزءا من الدعوى القضائية، إن الأراضي الرطبة تعدّ إسفنجا طبيعيا يخزن مياه الأمطار، بينما تعمل النباتات التي تنمو فيها على تجديد المياه الجوفية.
وقالت “دوغا ديرنيجي” إن تدهور الأراضي الرطبة يتسارع بسبب السياسات الزراعية كثيفة الاستهلاك للمياه واستخدام السدود لإعادة توجيه الموارد المائية للري والشرب.
وتمّ تشييد 600 سد صغير للري خلال العقد الماضي، حسب إحصاءات جمعية سياسات المياه.
وعندما رفعت تعاونية الصيادين دعوى في 2022 لإلغاء الدفع مقابل تراخيص الصيد في البحيرة المتراجعة مياهها، قالوا إن سد غوردس الذي يقطع النهر الذي يغذي بحيرة مرمرة هو ما دمر دخلهم.
وفقدت البحيرة 98 في المئة من مياهها السطحية خلال العقد المنتهي منذ تشغيل المديرية العامة للأشغال الهيدروليكية الحكومية لسد غوردس في 2011، ويرجع ذلك جزئيا إلى توفير مياه الشرب لمدينة إزمير في المقاطعة المجاورة.
ولم تستجب المديرية العامة للأشغال الهيدروليكية ووزارة الزراعة والمديرية العامة للمؤسسات الزراعية لطلبات التعليق.
وتتركز المعركة القانونية الآن على قرار الحكومة بتحويل حوض البحيرة الجاف إلى أرض زراعية، وهو ما تؤكد “دوغا ديرنيجي” أنه ينتهك الحماية الوطنية للأراضي الرطبة.
وقال ياراسلي “ستنخفض مستويات المياه الجوفية أكثر إذا استمرت الأنشطة الزراعية، وستصبح إعادة البحيرة إلى حالتها السابقة أكثر استحالة”. وذكر أن البحيرة كانت مخزنا للكربون بالإضافة إلى كونها موطنا للآلاف من الطيور وأنواع الأسماك.
وقال جيم ألتيبارماك وهو محام في “دوغا ديرنيجي”، إن التراجع عن قرار الزراعة على قاع البحيرة لن يكون كافيا لاستعادة المياه، وتتطلب المناطق التي كانت أراضيَ رطبة إعادة الري.
وأضاف ياراسلي أن إطلاق المياه من السد يمكن أن ينعش البحيرة.
ويُعتبر وجود المزرعة الحكومية المنشأة حديثا تذكيرا مؤلما للصيادين في تيكيلي أوغلو بما فقدوه.
وقال سليمان سيزين وهو صهر بيكارا “أخبرتهم 100 مرة أنني لا أريدهم هنا. لن نضطر إلى رؤيتهم على الأقل إذا لم يمروا عبر القرية”.
وتقع تركيا في منطقة ساخنة لتغير المناخ، حيث ارتفع متوسط درجات الحرارة بالفعل أكثر من 1.5 درجة مئوية منذ عصور ما قبل الصناعة. ويقول الخبراء إن البلاد معرضة للجفاف والتصحر، أي جفاف الأراضي وفقدان الغطاء النباتي.
وقال باريس كارابينار وهو كبير مستشاري السياسات لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، إن هذا يعني أن تحقيق التوازن بين تناقص إمدادات المياه وارتفاع الطلب يصعب بشكل متزايد. وأصاف أن “الممارسات الزراعية المستدامة ستكون مهمة أكثر لأنها المحرك الرئيسي في مواجهة تدهور التربة والاستهلاك المفرط للمياه”.
كما تتشكل الفجوات في قونية التي تعدّ معقل الصناعة الزراعية في تركيا. ويرجع ذلك إلى التصريف المفرط للمياه الجوفية من حوالي 120 ألف بئر غير مرخصة حفرها المزارعون بسبب معاناتهم الخاصة من نقص المياه.
وتحدد “دوغا ديرنيجي” أن الاستخدام المفرط للمياه الجوفية من الآبار غير القانونية والدعم الحكومي للمحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه مثل الذرة والشمندر السكري يساهمان في تدهور الأراضي الرطبة أيضا.
وقال كارابينار إن الاستثمار في بنية تحتية أفضل للمياه وأنظمة توفير المياه مثل الري بالتنقيط قد يساعد في تحسين الكفاءة، في حين يمكن أن يتراجع الطلب بتطبيق القواعد المتعلقة بحفر الآبار وإنهاء دعم المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه.
وقال أكغون إلهان وهو باحث في إدارة المياه في جامعة بوغازيجي في إسطنبول، إنه ينبغي إجراء تحسينات على تجميع المياه وكفاءة هذه العملية في المدن بدلا من تحويل المياه من المصادر الطبيعية لضمان الإمدادات.
وقال محمد عريفي من تيكيلي أوغلو إنه كان واحدا من العديد من الصيادين السابقين الذين يكافحون الآن لكسب المال من الزراعة أو تربية الماشية، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الأعلاف ونقص المياه.
وتابع “نحاول أن نبقى على قيد الحياة، لكن بحيرتنا اختفت”. وأكد أنه أصبح بالكاد قادرا على كسب لقمة عيشه من العمل في مزرعة العنب. وغادر آخرون المنطقة بحثا عن وظائف في أماكن أخرى.
وقال عريفي “ماتت القرية”. لكنه أعرب عن أمله في أن تجد البحيرة فرصة جديدة للحياة إذا أمكن إطلاق المياه من السد. وقال ألتيبارماك إنه واثق من ربح الدعاوى القضائية المعلقة، مضيفا أنها يمكن أن تساعد في وقف فقدان الأراضي الرطبة في جميع أنحاء البلاد. وتابع “ستشكل هذه الدعاوى القضائية عندما نفوز بها سابقة للأراضي الرطبة الأخرى في تركيا التي تعاني من مشاكل مماثلة. وستضطر الحكومة حينها إلى تغيير سياساتها”.
