سوريا أول "ممتلكات" روسيا الخارجية تسقط في حضن الصين

دمشق حلقة وصل إستراتيجية لوصول بكين إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط.
الثلاثاء 2023/09/26
شراكة استراتيجية

دمشق - قبل أن يذهب الرئيس السوري بشار الأسد في زيارته الأولى إلى الصين منذ عقدين، كان وزير الخارجية الصيني وانغ يي صاحب النفوذ الدبلوماسي الكبير يجري محادثات وصفت بأنها إستراتيجية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف ومع الرئيس الروسي نفسه فلاديمير بوتين. ولا شك أن سوريا كانت من أهم المواضيع.

ففي حين تعتبر موسكو أن سوريا جزء من “حديقتها الخلفية”، فإن التوصل إلى اتفاقات إستراتيجية بين دمشق وبكين لا بد أن يخضع لمشاورات مسبقة مع موسكو.

ولا يعني ذلك أن روسيا سوف تسحب قواتها من سوريا لكي تعزز بها جبهات الحرب في أوكرانيا، كما أنه لا يعني أن ترفع موسكو يدها عن سوريا، بالنظر إلى أنها باتت تمتلك امتيازات التنقيب عن النفط والغاز في السواحل السورية وحقوق الإنتاج لقاء دعمها لسلطة الرئيس الأسد، إلا أن الحقيقة المرة التي تواجهها موسكو هي أنها لا تملك الأموال لتشغيل هذه الامتيازات.

بينما لم تعد موسكو قادرة على القيام باستثمارات في سوريا، فإن الصين تملك القدرات لذلك

وهذا أمر يضر دمشق بالنظر إلى الضائقة الاقتصادية العنيفة التي تعانيها. وهي ضائقة لم تجد إيران سبيلا لتخفيف أعبائها عن دمشق، لأنها هي نفسها تعاني من ضائقة مماثلة.

كما أن موسكو التي سجلت ميزانيتها الجديدة عجزا بسبب زيادة الإنفاق الدفاعي، لم تعد تملك الأموال لأي استثمارات خارجية. وهو ما يجعل سوريا “مكسبا ضائعا” بالنسبة إلى روسيا، بينما تبدو بعين بكين هدفا سهلا.

وأثمرت زيارة الأسد توقيع “شراكة إستراتيجية” تجعل سوريا أول “ممتلكات” روسيا الخارجية التي تقع من الناحية الرسمية في حضن الصين.

وفي الغالب من دون أن تكون استثماراتها معرضة للعقوبات، من ناحية، لأنها لا تشمل بالضرورة تبادلا للأموال.

ومن ناحية أخرى، لأنها تبدأ في برامج إعمار في إطار مبادرة “الحزام والطريق” التي انضمت إليها سوريا في يناير من العام الماضي، والتي يمكن أن تندرج ضمن إطار الأعمال الإنسانية.

وقال الرئيس الصيني شي جينبينغ لدى لقائه بالأسد في مدينة هانغجو شرق الصين إنه “في مواجهة الوضع الدولي المليء بعدم الاستقرار وعدم اليقين، الصين مستعدّة لمواصلة العمل مع سوريا، وتعزيز الدعم القوي المتبادل بينهما، وتعزيز التعاون الودّي، والدفاع بشكل مشترك عن الإنصاف والعدالة الدوليين”. وذلك قبل أن يؤكد أن الصين ستدعم إعادة الإعمار في سوريا.

ورد الأسد بالقول إن “هذه الزيارة مهمة بتوقيتها وظروفها حيث يتشكل اليوم عالم متعدد الأقطاب سوف يعيد للعالم التوازن والاستقرار، ومن واجبنا جميعا التقاط هذه اللحظة من أجل مستقبل مشرق وواعد”. وأضاف “أتمنى أن يؤسّس لقاؤنا اليوم لتعاون إستراتيجي واسع النطاق وطويل الأمد في مختلف المجالات”.

مباحثات مباشرة
مباحثات مباشرة

والمسعى الحقيقي للصين يقول إنه بينما لم تعد موسكو قادرة على القيام باستثمارات في سوريا، فان الصين تملك القدرات لذلك، لأجل أن تكسب الوصول إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، مما يربط مشاريعها التي تمر بمعظم دول الجنوب الآسيوي، وخاصة في باكستان وإيران وتركيا، بينما تتطلع إلى العراق، مما يجعل سوريا حلقة وصل إستراتيجية نهائية على البحر المتوسط.

ومبادرة “الحزام والطريق” مشروع صيني ضخم لإقامة سكك حديد وبنى تحتية تربط الصين بآسيا وأوروبا وأفريقيا، وبينما يوفر المشروع ممرات تجارية للبضائع الصينية، فإن تكاليف أعمال البناء التي تنفذها شركات صينية، يتم النظر إليها على أنها استثمارات تدفع بكين تكاليفها، ولكنها تتحول إلى ديون بفوائد عالية على الدول المستفيدة منها، وذلك على أمل أن تسددها من عائدات تلك المشاريع.

وفي حين يمكن لبكين أن تمول ما عجزت موسكو عن تمويله للتنقيب عن النفط والغاز في مناطق الامتياز الروسية، فإن الطرفين يمكن أن يتقاسما الفوائد.

وتواجه سوريا وضعا مترديا بالنسبة إلى بنيتها التحتية، وكذلك في مساعيها المحبطة لإحياء الصناعات التي تعطلت تحت ضغوط الحرب الداخلية التي اندلعت في العام 2011.

ويقول مراقبون إن الصين تنظر إلى سوريا على أنها بلد على مستوى الصفر الاقتصادي، مما يجعل الاستثمارات الصينية تسبح في حوض واسع يشمل الطرقات والجسور وسكك الحديد والمطارات والموانئ، ومشاريع النفط والغاز والطاقة المتجددة، وكذلك مشاريع تصنيع السيارات والأجهزة الإلكترونية والسلع الاستهلاكية، ومشاريع الري وإنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية، وصولا إلى السياحة حيث يمكن للصين أن تستثمر في مشاريع الترويج السياحي وتطوير البنية التحتية السياحية.

وتشكل العقوبات المفروضة على سوريا عقدة رئيسية، إلا أن الإفلات منها لا يعد أمرا صعبا أمام الشركات الصينية، لاسيما وأن الأعمال الصينية لا تتطلب تحويلات مالية مبكرة. كما أن قسطا كبيرا منها يندرج في إطار المساعدات الإنسانية التي أقرها القرار الدولي رقم 2139 الذي صدر في العام 2014، ودعا إلى “وقف الأعمال العدائية في سوريا وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري”.

الصين تنظر إلى سوريا على أنها بلد على مستوى الصفر الاقتصادي، مما يجعل الاستثمارات الصينية تسبح في حوض واسع

وتشمل قائمة العقوبات فرض قيود على التجارة والتمويل والاستثمارات التي يستفيد منها أركان النظام، كما تفرض حظرًا على السفر وتجميدًا للأصول المالية على المسؤولين السوريين والشخصيات المرتبطة بهم، وقيودًا على بيع الأسلحة والمواد العسكرية. وهذه القائمة تنطوي على عدة منافذ للإفلات منها إذا أخذ بعين الاعتبار الطابع “الإنساني” لمشاريع البنى التحتية الأساسية.

ويقول مراقبون إن المكسب السياسي الذي جناه الأسد كبير للغاية حتى ولو طال أمد وصول المنافع الاقتصادية.

وقالت الباحثة لينا الخطيب مديرة معهد الشرق الأوسط في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن، إن الأسد يحاول من خلال زيارته إلى الصين إيصال رسالة حول بدء “الشرعنة الدولية” لنظامه.

وقال المحلّل السياسي السوري أسامة دنورة لوكالة فرانس برس “إن هذه الزيارة تمثّل كسراً لنطاق مهم من العزل الدبلوماسي والحصار السياسي المفروض على سوريا”.

ولكن، سواء تم البدء بمشاريع إعادة الإعمار بالمستوى الذي يطلق شرارة العقوبات، أم تم إبطاء عجلتها إلى حين رفع العقوبات، فإن ارتباط سوريا بمعاهدات تعاون إستراتيجي مع الصين يعني أنها أصبحت جزءا من حديقتها الاستثمارية الخلفية، وما على موسكو إلا الرضوخ لمقتضيات الأمر الواقع.

6