شباب يكافحون للهرب من "جحيم" غزة

حشود كبيرة من الشباب أمام مكاتب التسفير إلى تركيا ثم العبور إلى اليونان.
الاثنين 2023/09/25
السير نحو وجهة مجهولة

يعد قطاع غزة من أشد المناطق كثافة سكانية حول العالم، ويعرف القطاع تدهورا اقتصاديا حادا دفع شبان المنطقة إلى التفكير في الهجرة كحل لمجابهة الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي. وتتجاوز نسبة البطالة في القطاع نصف إجمالي السكان وتمس خصوصا الشباب الخريجين، كما ترتفع نسب الإصابة بالاكتئاب بين الفئة العمرية فوق الـ18 عاما.

غزة - يتابع الشاب الفلسطيني محمود حسن بشكل يومي إجراءات تنسيق سفره المقرر من غزة خلال أيام قاصدا الهجرة إلى أوروبا هاربا من واقع “مرير أفقده الأمل في المستقبل”.

ويقول حسن الذي رفض طلب عدم الإفصاح عن اسمه كاملا لوكالة الأنباء الألمانية “عمري 29 عاما وأريد أن أغتنم ما تبقى من شبابي، فأنا هنا لا أعمل ولا أنجز شيئا تقريبا”.وأضاف “أضطر في بعض الأحيان إلى السير مسافات طويلة لتوفير ثمن التنقل”.

وحصل حسن على شهادة جامعية في تخصص المحاسبة لكنه على مدار سنوات تنقل بين عدة مؤسسات وشركات بسبب ضعف المردود المالي وغياب الاستقرار الإداري.

ويقول حسن “بعد هذه السنوات وبسبب الظروف الاقتصادية لن أتمكن من تحقيق رغبتي الجامحة لتأسيس أسرة سعيدة. وأرى أنه بالمبلغ الذي جمعته مع اقتراض مبلغ آخر سوف أتمكن من الهجرة للبحث عن ظروف أفضل”.

بخلاف الحصار شنت إسرائيل أربع حروب وعددا كبيرا من العمليات العسكرية على قطاع غزة منذ نهاية عام 2008

ويرسم حسن خطته للهجرة بمغادرة غزة عبر معبر رفح مع مصر ومنه إلى مطار القاهرة قاصدا تركيا والسفر مباشرة إلى مدينة بودروم على بحر إيجة، وهناك سيمكث في فندق رخيص مع عدد من معارفه تكفلوا بتأمين سرير له، على أمل الالتحاق بأحد قوارب الهجرة عبر البحر إلى اليونان، مشيرا إلى أن الرحلة قد تتجاوز عشرة آلاف دولار أميركي في الحد الأدنى لكنه “مستعد للمخاطرة بكل شيء”.

وفي خضم ذلك يراسل حسن يوميا عددا من معارفه ممن وصولوا إلى اليونان أو تركيا فعليا أو أولئك الذين يخططون للسفر مثله، إلى جانب عدد من المهربين المنوط بهم نقله إلى أوروبا حيث “الحلم الكبير”.

ويقول حسن “أعلم أن الطريق ليس مفروشا بالورود، إذ علي انتظار إدراج اسمي في قوائم مزدحمة بأسماء الراغبين بالسفر يوميا عبر معبر رفح، ومن ثم تحمل الأعباء الحياتية السيئة عند وصولي إلى تركيا وانتظار الخطوة التالية”.

وفي حديث له عبر الإنترنت مع صديقه الذي يدعى أنس شوقي والذي وصل إلى مدينة بودروم التركية، أبلغه أنه منذ شهرين وحتى الآن لم يحالفه الحظ في التنقل إلى المقصد في اليونان.

ويقول شوقي إنه بانتظار اتصال من المهرب الذي نسق معه من أجل نقله بالقارب من مكانه إلى جزيرة كوس اليونانية.

وشوقي في منتصف العشرينات من عمره ويشتكي من أنه يضطر إلى النوم على شاطئ البحر أو في الحدائق العامة بعد أن نفدت أمواله، لكنه يبقى مصمما على متابعة طريقه مهما كلفه الأمر للانتقال إلى اليونان، ويقول إنه لا يمكنه العودة إلى “جحيم” غزة.

والرغبة ذاتها تبدو واضحة على حسن وهو يستمع باهتمام لكل الملاحظات من تجربة صديقه وكيف يتفادى الأخطاء التي وقع فيها.

ويؤكد أنه لا ينظر إلى المخاطر التي تنتظره في رحلة الهجرة بما في ذلك احتمال موته غرقا أو اعتقاله من حرس الحدود اليوناني والأهم لديه هو الهجرة.

معدل البطالة في غزة يتجاوز 50 في المئة من إجمالي السكان و74 في المئة من الشباب الخريجين فضلا عن معدلات قياسية من الفقر
معدل البطالة في غزة يتجاوز 50 في المئة من إجمالي السكان و74 في المئة من الشباب الخريجين فضلا عن معدلات قياسية من الفقر 

ويعدد حسن أسماء العشرات من معارفه وأصدقائه القدامى الذين أصبحوا إما في تركيا بغرض الهجرة أو وصلوا بالفعل إلى إحدى الدول الأوروبية لطلب اللجوء.

وهو كصديقه شوقي يحلمان بالحصول على فرصة عمل وجنسية جديدة تتيح لهما حياة كريمة بعيدا عن “الحصار والحروب” في غزة.

ويعاني قطاع غزة الذي يقطنه مليونان و300 ألف نسمة من تداعيات فرض إسرائيل حصارا مشددا منذ منتصف عام 2007 إثر سيطرة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” على الأوضاع فيه.

وبخلاف الحصار شنت إسرائيل أربع حروب وعددا كبيرا من العمليات العسكرية على قطاع غزة منذ نهاية عام 2008.

وأدى ذلك إلى تدهور اقتصادي حاد في القطاع الذي يعد من أشد المناطق كثافة سكانية حول العالم.

ويتجاوز معدل البطالة 50 في المئة من إجمالي السكان و74 في المئة من الشباب الخريجين فضلا عن معدلات قياسية من الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

ووفق نتائج مسح الظروف النفسية للعام 2022 الذي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بالتعاون مع البنك الدولي فإن أكثر من نصف أفراد المجتمع الفلسطيني مصابون بالاكتئاب.

وتبلغ نسبة المصابين بالاكتئاب في غزة 71 في المئة، و58 في المئة منها فوق الـ18 عاما.

ويقول أستاذ علم النفس الاجتماعي في غزة زهير ملاخة لوكالة الأنباء الألمانية، إن استمرار فرض الحصار الإسرائيلي وتدني فرص العمل للحصول على أبسط معايير حياة كريمة أفقدا الكثير من الشبان في غزة الأمل.

ويضيف ملاخة أن “الواقع المرير في غزة يشكل دافعا للهجرة بالنسبة إلى الشبان في غزة حتى لو كان ذلك إلى المجهول ويحمل مخاطر عدة”.

وفي سبيل الهجرة يعاني شبان غزة الأمرّين بالنظر إلى صعوبة التنقل خارج القطاع وضعف تأثير الجواز الفلسطيني.

ويتمتع حاملو جواز السفر الفلسطيني بإمكانية السفر بدون تأشيرة أو الحصول على تأشيرة عند الوصول إلى 36 دولة فقط ليس من بينها تركيا أو أي من الدول الأوروبية.

وظلت الهجرة هدفا في غزة على مدار سنوات مضت لكنها تحولت إلى حديث الرأي العام هذا الصيف.

طريق الهجرة قد تكون بلا عودة
طريق الهجرة قد تكون بلا عودة

وتناقل مغردون صورا لحشد كبير من الشبان أمام مكتب الشركة المكلفة بإصدار فيزا السفر إلى تركيا، بينما ينتظر الآلاف في مدن ساحلية تركية لإكمال طريقهم إلى اليونان.

وتفيد إحصائيات غير رسمية بأنه منذ عام 2007 غادر قطاع غزة نحو مئة ألف شاب بغرض الهجرة.

لكن رئيس المكتب الإعلامي الحكومي التابع لحركة حماس في غزة سلامة معروف اعتبر أن ثمة تضخيما في أعداد المهاجرين من قطاع غزة وحركة السفر عبر معبر رفح.

وصرح معروف بأن أعداد المسافرين المغادرين أو العائدين هذا الصيف في غزة هي وفق المعدل السنوي المعتاد، ولا يوجد أي تغير ملحوظ فيها.

وأضاف أن الغالبية العظمى من المسجلين للسفر من سكان غزة تندرج في إطار الحالات الإنسانية مثل العلاج والمنح الدراسية والحصول على فرص عمل وزيارة أقارب أو مواطنين مقيمين بالخارج أو أغراض تجارية.

وبخلاف استهداف الوصول إلى أوروبا، يحاول الكثير من الشبان السفر إلى دول الخليج لاسيما دولة الإمارات العربية المتحدة بغرض العمل.

ويقول درويش خليل (26 عاما) لوكالة الأنباء الألمانية إنه سيسافر خلال أيام إلى دبي في الإمارات للبحث عن فرص عمل بعد رفض عائلته القاطع محاولته السفر إلى أوروبا بسبب مخاطر الرحلة.

ويضيف خليل أنه كحال باقي الشبان في قطاع غزة “لا نحلم سوى بفرص عمل وحياة كريمة وأمل في غد أفضل”.

16