فلسطينيو سبسطية يخشون عزلهم عن مواقعها الأثرية

يحاول الفلسطينيون أن يحافظوا على تاريخهم ومعالم بلادهم الأثرية وهي عناصر تثبت هويتهم وتجذرهم في تلك الأرض، لذلك هم يخشون اليوم من المحاولات الإسرائيلية التي تسعى لتنفيذ أكبر مشروع تهويدي للمنطقة الأثرية في سبسطية.
سبسطية (الضفة الغربية) - يخشى سكان بلدة سبسطية في شمال الضفة الغربية المعروفة بمواقعها الأثرية، التي يعود تاريخها لأكثر من أربعة آلاف عام شكلت جزءا من حياتهم الاجتماعية وذكرياتهم، أن يفقدوها في ظل مساع إسرائيلية للسيطرة عليها بشكل كامل.
وقال محمد عازم، رئيس بلدية سبسطية الواقعة في محافظة نابلس، إن ضباطا إسرائيليين كبارا يترددون على المنطقة الأثرية في الفترة الأخيرة.
وأضاف “هذا استمرار لحلقات الاقتحام في الأيام الماضية وهي مقدمة لتنفيذ أكبر مشروع تهويدي للمنطقة الأثرية في سبسطية وسرقة آثارها”.
وتصنف سلطة الآثار الإسرائيلية سبسطية مواقع أثرية إسرائيلية. وتقول إن سبسطية “كانت عاصمة مملكة إسرائيل قبل حوالي 3000 عام وكانت تعرف بالسامرة”.
وتشير إلى “قصر ملوك إسرائيل” على أنه واحد من أهم المواقع الأثرية في سبسطية، وتضيف “بنى ملوك إسرائيل على قمّة الجبل قلعة قويّة، محاطة بجدار خارجي وجدار داخلي”.
وجاء على الموقع الرسمي لوزارة السياحة والآثار الفلسطينية “أظهرت عمليات التنقيب التي نُفذت في الموقع منذ مطلع القرن العشرين أن أقدم الدلائل الأثرية تعود للعصر البرونزي المبكر” عام 3200 قبل الميلاد. ويضيف الموقع “خلال الفترة الرومانية
شهدت المدينة تنفيذ مشروع بنائي ضخم، والذي احتوى على سور المدينة، والبوابة الغربية، والشارع المعمد الذي أقيمت على امتداده 600 عمود، بالإضافة إلى البازيليكا (السوق)، والساحة العامة، والمسرح، ومعبد أغسطس، ومعبد كوري، والملعب الرياضي، والقناة المائية، والمقابر”.
وتقع مجموعة من المواقع الأثرية وسط البلد وتشمل المسجد، وضريح النبي يحيى، وكاتدرائية يوحنا المعمدان، والمقبرة الرومانية، ومعصرة الزيتون، وقصر الكايد ومجموعة من المباني التقليدية.
وهناك معالم أثرية تقع على أطراف البلدة أهمها المدرج الروماني وكنيسة وقصر لا تزال الكثير من معالمها واضحة للعيان رغم عدم إجراء أي عمليات ترميم لها على مدى السنوات الماضية.
وأوضح محمد عازم، رئيس بلدية سبسطية، “بلدية سبسطية من أكبر المواقع التاريخية والأثرية في فلسطين وأصبحت تقع في دائرة الخطر والاستهداف الكبير، وحكومة الاحتلال بكل مكوناتها تفرض طوقا كبيرا على البلدة من خلال هذا المشروع في مقدمة لسرقة الآثار وتهويدها”.
وتخلق المواقع الأثرية فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لأهالي سبسطية في ظل حركة سياحية محلية وأجنبية وإن كانت محدودة. وقال عازم “هناك أكثر من 50 عائلة في بلدة سبسطية تعتاش من وراء الحركة السياحية في هذه المنطقة… ستصبح هذه العائلات بلا مصدر دخل”.
وقال سامر الشاعر، صاحب متجر بجوار المنطقة الأثرية، “الحركة السياحية تتأثر سلبا بقدوم الاحتلال ومحاولة تسويق هذا المكان على أنه إسرائيلي”مضيفا، “حين يأتي الجيش والمستوطنون يمنعون الدخول والخروج، وأحيانا يمنعوننا من فتح المحلات”.
وتمثل الآثار في سبسطية جزءا من الحياة الاجتماعية والثقافية لسكان البلدة البالغ عددهم نحو خمسة آلاف. وقال زيد أزهري، ناشط مدني، “أكبر مخاوفنا هي إغلاق الموقع وعزلنا عنه ومنع وصولنا إلى الآثار القديمة”. وأضاف “نحن نتحدث عن جزء مهم من الحياة الاجتماعية للفلسطيني الذي يعيش في سبسطية، كلنا كفلسطينيين تربطنا في الموقع ذكريات ومشاعر انبنت بوجودنا داخل الموقع”.
وتشكو وزارة السياحة الفلسطينية من منع السلطات الإسرائيلية لها من العمل حتى في المناطق الخاضعة إداريا للسلطة الفلسطينية.
وقال عبدالسلام أسيا، مدير دائرة السياحة والآثار في محافظة نابلس، “الموقع الأثري في سبسطية يضم أغلب الشواهد الأثرية في المنطقة، والرواية الإسرائيلية تقول إن هذا المكان أو هذا الموقع يعود لهم، لكن نحن روايتنا الفلسطينية بعكس هذه الرواية”.
وأوضح أسيا أن “المخطط الإسرائيلي هو مخطط لتهويد سبسطية وعزلها، وهذا سيؤدي إلى منع أو الزوار لهذه المنطقة وسيؤثر على الناحية الاجتماعية والاقتصادية والأمنية”.
وتعمل جمعية “الروزنا” التي تعنى بالحفاظ على التراث على تنظيم جولات ميدانية لمجموعات من الصحافيين والعاملين في المؤسسات الحقوقية وغيرهم في المنطقة الأثرية في سبسطية.
وقالت فيولا عبدالله، المتحدثة باسم الجمعية، “هذه الجولة جاءت بعد ما شعرنا بالخطر لأن هناك ادعاءات كثيرة حول إقامة مشاريع ومتنزه وحملة دعائية لكل المستوطنين بأنهم سيأتون إلى المكان ويستوطنون فيه”.
وأضافت “لذلك الوجود الفلسطيني مهم وضروري وخاصة فئة الشباب لأنهم المستقبل”. وبدت المجموعة التي حضرت لزيارة الموقع تغمرها الدهشة وهي تنتقل من معلم أثري إلى آخر. وقالت نسرين عواد، التي كانت من بين الوفد الزائر، “هنا عمق التاريخ والحضارة ضارب في الجذور”.
