اليونسكو وفرت على الرياض عبء دعوة أول وفد رسمي إسرائيلي لزيارتها

السعودية تعد مجتمعها نفسيا لقبول التطبيع مع إسرائيل.
الثلاثاء 2023/09/12
غدا يصبح الحدث المستغرب أمرا اعتياديا

أمام ما قد تواجهه قيادة المملكة العربية السعودية من صعوبة في تمرير عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل بالسلاسة المرجوّة بسبب عدم خلوّ البلاد من دوائر للتشدّد الديني التي ما تزال صامدة أمام جهود تفكيكها وتمارس تأثيرها الخفي على المجتمع، تلجأ تلك القيادة إلى التدرج وتمرير التطبيع بجرعات محسوبة أحدثها جرعة استقبال وفد إسرائيلي للمشاركة في اجتماع اليونسكو.

الرياض - مثّل احتضان العاصمة السعودية الرياض لاجتماع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة يونسكو فرصة لجس نبض الشارع السعودي بشأن خطوات تطبيع العلاقات الجارية مع إسرائيل وتهيئة الرأي العام نفسيا للقبول بالفكرة كأمر واقع.

وفي حدث استثنائي غير مسبوق في المملكة استقبلت الرياض الاثنين وفدا إسرائيليا حلّ لأجل المشاركة في اجتماع اليونسكو وذلك في أول زيارة علنية لإسرائيليين رسميين إلى السعودية.

وكون الدعوات للمشاركين في الاجتماع هي من صلب اختصاص اليونسكو، فقد خفّف ذلك على السلطات السعودية “حرج” الزيارة الاستثنائية التي قد تجد شرائح كثيرة من المجتمع المحافظ صعوبة في هضمها.

وإذ تعلم القيادة السعودية وجود دوائر متشدّدة في البلاد ما تزال عصية على التفكيك وذات نفوذ في بعض مؤسسات الدولة وتأثير ملموس على المجتمع، فقد اختارت المضي في التطبيع بتدرّج وتمريره إعلاميا بجرعات محسوبة، رغم أن قرار إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل محسوم ولا رجعة عنه، بحسب مصادر دبلوماسية متعدّدة.

وفي نطاق سياسة التدرّج تلك رفضت السعودية منح تأشيرة دخول إلى أراضيها لوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين والتربية والتعليم يوآف كيش للمشاركة في مؤتمر اليونسكو واكتفت في مقابل ذلك باستقبال الوفد المذكور.

عزيز الغشيان: صعوبة التطبيع تفرض تنسيق الزيارات مع طرف ثالث
عزيز الغشيان: صعوبة التطبيع تفرض تنسيق الزيارات مع طرف ثالث

وتقول المصادر الدبلوماسية إن إسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة التي ترعى عملية التطبيع بين تل أبيب والرياض تتفهمان موقف الأخيرة وتتجنّبان الضغط عليها لتسريع المسار كونهما تعلمان سطوة المتشدّدين دينيا في المملكة رغم ما شهده نفوذهم من تراجع كبير لا يمكن إنكاره بفعل جهود التغيير التي يقودها منذ سنوات ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان.

وقال المحلل السعودي عزيز الغشيان إن حقيقة أن الزيارة تم تنسيقها من قبل اليونسكو تشير إلى وجود عقبات أمام التطبيع السعودي – الإسرائيلي.

وأضاف “هذا على الأرجح نتيجة لكون السعودية أكثر انفتاحا على العالم والذي سيشمل الإسرائيليين وليس نتيجة للعلاقات الثنائية بين السعودية وإسرائيل”.

وأشار الى أن المسؤولين السعوديين أدركوا أنهم لا يستطيعون حظر أيّ شخص من دخول البلاد إذا كانوا يريدون تحويل المملكة إلى مركز عالمي للأعمال والسياحة.

وقارن زيارة الوفد الإسرائيلي بزيارة قام بها هذا الصيف لاعبو الرياضات الإلكترونية الإسرائيليون لمهرجان “غيمرز 8″، والتي تطلبت أيضا “تنسيقا من طرف ثالث”.

ووصل الوفد الإسرائيلي المكوّن من خمسة أفراد الأحد إلى الرياض عبر دبي على ما أفاد مسؤول إسرائيلي للمشاركة في اجتماعات اليونسكو لتحديث قائمتها للتراث العالمي للمواقع الثقافية والتاريخية.

وشوهد أعضاء الوفد يجلسون في قاعة الاجتماع في برج الفيصلية وعلى الطاولة أمامهم لوحة كُتب عليها اسم دولة إسرائيل بالإنجليزية.

وأثارت اللوحة فضول الشباب السعوديين المشاركين في تنظيم المؤتمر وأنظارهم. وردا على سؤال لوكالة فرانس برس حول مشاركة الوفد، قال شاب سعودي في فريق التنظيم “هذا أمر الله. الموضوع أكبر منّا وليس بوسعنا الاعتراض عليه”.

وفي المقابل اعتبرت فتاة سعودية تشارك في تنظيم المؤتمر أن مشاركة الوفد الإسرائيلي تاريخية.

وقالت الفتاة التي ارتدت العباءة السوداء التقليدية وهي تقف قرب مقاعد وفد دولة إسرائيل “نحن نشاهد حدثا تاريخيا بوجود الوفد الاسرائيلي في الرياض”، مضيفة “هذا أمر لم يكن ممكن تخيله قبل سنوات قليلة”.

وقال مسؤول إسرائيلي في الرياض طلب عدم الكشف عن اسمه “نحن مسرورون بوجودنا في الرياض. إنها خطوة أولى جيدة”، مضيفا “نشكر اليونسكو والسلطات السعودية”.

وأكد المسؤول أن أعضاء الوفد الخمسة حصلوا على تأشيرات دخول المملكة عبر المنظمة الدولية، وقد وصلوا الأحد في رحلة من مطار دبي في الإمارات العربية المتحدة كونه لا توجد رحلات جوية مباشرة بين إسرائيل والسعودية.

وأوضح أن الوفد سيبقى في السعودية طوال فترة انعقاد المؤتمر الذي يستمرّ حتى الـ25 من سبتمبر.

وتأتي الزيارة على خلفية تقارير تفيد عن مباحثات تجريها الولايات المتحدة بهدف تطبيع العلاقات بين البلدين.

ووصف المسؤول الإسرائيلي الزيارة بأنها “جيدة للغاية، لقد عاملَنا السعوديون بشكل جيد جدا”.

ولعل بعض ما يحرج السعودية من التطبيع مع إسرائيل كون قيادتها مجبرة على التخلي عن شرطها الذي لطالما تمسّكت به والمتمثل في استجابة الإسرائيليين لجهود السلام مع الفلسطينيين ضمن رؤية حل الدولتين التي تبدو موضوعيا الآن بعيدة جدا عن التحقّق على أرض الواقع.

وعلى هذه الخلفية لم تنضم السعودية إلى اتفاقيات أبراهام المبرمة عام 2020 والتي توسطت فيها واشنطن وأقامت بموجبها إسرائيل علاقات مع جارتي المملكة الإمارات العربية المتّحدة ومملكة البحرين. ولحقت بهما المملكة المغربية.

لكن السعودية بدأت تراقب تحوّل تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى أمر واقع من حولها وترى ما يتأتى من وراء ذلك من فوائد سياسية واقتصادية وأمنية أقلّها تبريد الصراعات في المنطقة والتفرّغ أكثر للتنمية بمنظور جماعي منسّق إقليميا.

3