نماذج مخبرية مشابهة للأجنّة البشرية تفتح طرقا جديدة للأبحاث

التجربة تكشف أسرار الأيام الأولى من الحمل عندما تكون حالات الفشل أكثر شيوعا.
الجمعة 2023/09/08
بقاء الأجنة في المختبر لا ينبغي أن يتعدى 14 يوما

أصبح التنافس العلمي لتطوير نماذج أجنة بشرية مخبرية ملحوظا بين العلماء في الآونة الأخيرة، ما دعا لوضع ضوابط تنظيمية أكثر صرامة في هذا المجال سريع التطور. وقد كشفت مجموعة من الباحثين عن إنتاجهم لأجنة دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات، بل عن طريق الخلايا الجذعية الجنينية البشرية. ويمكّن هذا الاكتشاف من فهم أسباب فشل الكثير من حالات الحمل.

بانكوك (تايلند) - توصلَت مجموعة من العلماء إلى إنتاج نماذج مشابهة للجنين البشري من دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات، مما يفتح طرقاً جديدة للبحوث المتعلقة بحالات الإجهاض اللاإرادي والعيوب الخلقية، لكنّه يثير مع ذلك مسائل تتعلق بالأخلاقيات. ونشر العلماء بحثهم في مجلة "نيتشر" العلمية، وشرحوا فيه كيفية تمكنهم من تكوين نموذج لجنين بواسطة الخلايا الجذعية الجنينية البشرية.

ورأى علماء في هذا البحث إنجازا "مثيرا للإعجاب" قد يكشف أسرار الأيام الأولى من الحمل، عندما تكون حالات الفشل أكثر شيوعا. إلا أن نتائج هذا البحث تشكّل أيضاً مادةً للجدل في شأن قواعد أكثر وضوحاً في ما يتعلق بأخلاقيات التكوين المختبري للنماذج الجنينية البشرية.

وأنتجت مجموعة الباحثين بقيادة الفلسطيني يعقوب حنا من معهد وايزمان للعلوم في إسرائيل نماذج شبيهة بالأجنّة البشرية البالغة 14 يوماً، وهو الحد المسموح به قانوناً لهذا النوع من الأبحاث في دول عدة، إذ تبدأ بعده أعضاء مثل الدماغ في التطور. وأكد الباحثون أن دراستهم تختلف عن سابقاتها حول هذا الموضوع، لأنهم يستخدمون خلايا معدلة كيميائياً لا وراثياً، ولأن نماذجهم، مع الكيس المحي والتجويف السلوي، تشبه إلى حد كبير الأجنّة البشرية.

◙ الدراسة تظهر أن نماذج الأجنة البشرية أصبحت أكثر تطورا وأقرب إلى ما يمكن أن يحدث أثناء التطور الطبيعي

وقال جيمس بريسكو من معهد فرانسيس كريك في لندن إن أوجه التشابه هذه قد تجعل هذه النماذج أكثر فاعلية في البحوث المتعلقة بحالات الإجهاض اللاإرادي والتشوهات الخلقية والعقم. وأشار إلى أن النموذج الذي تم إنشاؤه "يُنتج على ما يبدو مختلف أنواع الخلايا التي تشكل الأنسجة في هذه المرحلة المبكرة من النمو".

وشدد على أن هذه الدراسة “تُعَدّ خطوة نحو فهم فترة من التطور البشري تؤدي إلى فشل الكثير من حالات الحمل، والتي كانت دراستها تتسم دائماً بصعوبة بالغة إلى الآن”. ورأى الباحثون الذين أجروا هذه الدراسة وعلماء آخرون أن النماذج التي كُوِّنَت ينبغي ألاَ تُعتبر أجنة بشرية. وأكدت الدراسة أنها "تشبه إلى حد كبير الأجنة البشرية ولكنها ليست مطابقة لها".

وقال خبير بيولوجيا الخلايا في جامعة ريدينغ الإنجليزية داريوس وايديرا إن هذه الدراسة وغيرها من الأبحاث الحديثة تظهر أن "نماذج الأجنة البشرية أصبحت أكثر تطورا وأقرب إلى ما يمكن أن يحدث أثناء التطور الطبيعي". وأفاد بأن البحث يؤكد "أن وجود إطار تنظيمي قويّ أصبح ضروريا أكثر من أيّ وقت مضى".

ومؤخرا نُشرت خلاصات لعدة دراسات علمية تفيد بأنه من خلال تقنيات متعددة يمكن استخدام الخلايا الجذعية لإنشاء هياكل تشبه الأجنّة البشرية في المختبر، دون الحاجة إلى حيوانات منوية أو بويضات أو إخصاب. وقد أثارت هذه السابقة العلمية مخاوف أخلاقية ودعوات لوضع ضوابط تنظيمية أكثر صرامة في هذا المجال سريع التطور.

ويستخدم علماء الخلايا الجذعية لإنشاء هياكل تشبه الأجنة البشرية في المختبر. واستندت المختبرات لتقنيات مختلفة لتشجيع الخلايا الجذعية الجنينية البشرية، والتي يمكن أن تصبح أيّ نوع من الخلايا، وأن تتجمع ذاتياً في بنية تشبه الأجنة، من دون الحاجة إلى حيوانات منوية أو بويضة أو إخصاب.

ويرمي ذلك لإعطاء العلماء نموذجا يمكنهم من خلاله دراسة الأجنة البشرية بطرق غير مسبوقة بسبب مخاوف أخلاقية، على أمل أن يوفر ذلك نظرة معمقة جديدة حول أسباب العيوب الخلقية والاضطرابات الوراثية والعقم ومشاكل أخرى أثناء الحمل.

◙ نحو فتح طرق جديدة للبحوث المتعلقة بحالات الإجهاض اللاإرادي والعيوب الخلقية
◙ نحو فتح طرق جديدة للبحوث المتعلقة بحالات الإجهاض اللاإرادي والعيوب الخلقية

وحصل الإعلان الأول عن هذا التطور، عندما تحدثت ماغدالينا زرنيكا غويتز من جامعة كامبريدج ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا عن عمل فريقها في الاجتماع السنوي للجمعية الدولية لأبحاث الخلايا الجذعية في بوسطن. ونُشرت المعلومات عن عرضها التقديمي لأول مرة في صحيفة "ذي غارديان".

وسرعان ما نشر فريق زرنيكا غويتز نسخة مطبوعة خاصة ببحثهم، قدموا فيها المزيد من المعلومات. وحذت مختبرات أخرى في الصين والولايات المتحدة حذوها، وأصدرت خلاصات دراسات في مرحلة ما قبل النشر في أواخر الأسبوع الماضي.

وانتقد الباحثون تقارير إعلامية وصفت كتل الخلايا بأنها "أجنّة اصطناعية"، قائلين إنها ليست اصطناعية تماما، إذ أنها نمت من الخلايا الجذعية، ولا ينبغي اعتبارها كذلك أجنة. وأصبح التنافس العلمي لتطوير نماذج أجنة بشرية مخبرية ملحوظا بين العلماء في الآونة الأخيرة. وقد سلطت طفرة البيانات الضوء على الطبيعة التنافسية العالية للبحث في هذا المجال.

◙ أوجه التشابه قد تجعل هذه النماذج أكثر فاعلية في البحوث المتعلقة بالإجهاض اللاإرادي والتشوهات الخلقية والعقم

يذكر أنه في أغسطس من العام الماضي، نشر كل من فريق زرنيكا غويتز وهانا بحوثاً حول عملهما في إنشاء أول هياكل شبيهة بالأجنة باستخدام خلايا جذعية من الفئران. وقال كلا الفريقين إن دراستهما الجديدة قد حظيت بقبول لدى مجلات مرموقة بعد مراجعتها من قبل علماء آخرين، وأشارا إلى أنهما عرضا أعمالهما في المؤتمرات قبل أشهر من اهتمام وسائل الإعلام بها أخيرا.

ونفى هانا فكرة أن يكون أيّ من الفريقين قد حقق "سابقة" في هذا المجال، قائلا إنهما توصلا إلى إنجازات مختلفة تماما. وأكد أن النماذج التي طورها فريقه تحتوي على "مشيمة وكيس محي (حويصلة سرية) وتجويف يحيط بالجنين"، وخصائص جنينية أخرى قال إن نماذج فريق زرنيكا غويتز تفتقر إليها.

واعتبر باحثون آخرون أن نماذج فريق هانا كانت أكثر تقدما، كما أشادوا باستخدام الباحثين فقط التعديلات الكيميائية وليس التعديلات الجينية لوضع الخلايا في هياكل شبيهة بالأجنة.

وقال الباحث في معهد ماكس بلانك الألماني لبيولوجيا الخلايا الجزيئية وعلم الوراثة جيس فينفليت “إن التشابه (في نموذج هانا) مع الجنين الطبيعي لافت، بصورة تكاد تفوق الطبيعة”. وأوضح الخبير في بيولوجيا الخلايا الجذعية في جامعة ريدينغ البريطانية داريوس ويديرا أنه من الأفضل انتظار مراجعة الأقران قبل مقارنة البحث.

لكنه اعتبر أن "تأثير كلتا الدراستين هائل"، مضيفا "يجب أن نحاول تجنب الضجيج غير الصحي لأن هذه التكنولوجيا لا تزال في مرحلة مبكرة. ولكن بالفعل، ستكون هناك حاجة إلى إرشادات جديدة".

وتفتح الدراستان نافذة جديدة في علم الأجنة الذي يعد من بين أصعب العلوم لكونه يدرس مجالا جد معقد مرتبطا بالمراحل الأولى للحياة وبالجنين الذي يعد كائنا صغير الحجم ويتطور بسرعة كبيرة ومن الصعب تتبع تطوره بشكل دقيق وهو في بطن أمه. كما أن الشروط الأخلاقية تحدد إمكانية القيام بتلك الدراسة في المختبر لمدة زمنية لا تتعدى 14 يوما، وذلك بهدف منع إنجاب الأطفال في المختبر. وهو شرط تم تبنيه على صعيد عالمي وأدرجته العديد من الدول في قوانينها الوطنية.

16