الفلسطينيون منقسمون بشأن التطبيع السعودي - الإسرائيلي

سكان غزة يؤيدون تزايد التدخل العربي في الصراع وغالبية سكان الضفة الغربية مترددون.
الجمعة 2023/09/01
التدخل العربي في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بات أكثر قبولا

على نحو مفاجئ بات الكثير من الفلسطينيين يؤيدون تزايد التدخل العربي في صراعهم مع إسرائيل وما يمكن أن ينتج عنه من تنازلات إسرائيلية تصب في صالح تحسين واقعهم.

واشنطن - يؤيد معظم سكان غزة تزايد التدخل العربي في الصراع بشدة، ونصفهم منفتحون على تطبيع العلاقات مع إسرائيل لو قامت السعودية بذلك. لكن غالبية سكان الضفة الغربية لا يزالون مترددين بشأن اقتراح كهذا. وبعد سنوات من الركود والصراع، عاد موضوع الاتفاق الإسرائيلي – الفلسطيني إلى الأجندة الدولية من جديد، إلا أنه رجع هذه المرة على نحو بارز، مقابل أخذ خطوات نحو تطبيع العلاقات الإسرائيلية – السعودية.

وما برحت الشائعات حول إمكانية التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، الذي أصبح الآن هدفًا صريحًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تتردد منذ سنوات. وفي هذه الأثناء بدأت العلاقات غير الرسمية تتحسن، بما في ذلك فتح المجال الجوي السعودي أمام الرحلات الجوية الإسرائيلية والقيام بمشاريع مشتركة مبكرة في القطاع العام بين الشركات السعودية والإسرائيلية.

ووفقًا لمسؤولين سعوديين، سيعتمد المزيد من التقدم في العلاقات على بعض التنازلات الإسرائيلية للفلسطينيين. وقد أكدت المملكة على هذا العامل علنًا من خلال تعيين أول سفير غير مقيم لها لدى دولة فلسطين مؤخرا. ولكن هذه المباحثة تفتقر إلى عنصر رئيسي، ألا وهو نظرة الفلسطينيين، أي الشعب نفسه وليس القادة، إلى إمكانية التطبيع السعودي.

وأجرى معهد واشنطن في يوليو، بالتعاون مع "المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي"، ومقره في بيت ساحور خارج بيت لحم مباشرة، استطلاعا أُجريت من خلاله أكثر من 1500 مقابلة شخصية مع أفراد من الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية.

◙ من المرجح أن تحظى المشاركة السعودية والتنازلات الناتجة عنها بشأن القضية الفلسطينية بقبول الكثيرين

وتقدم النتائج لمحة فريدة عن الرأي العام الفلسطيني حول هذه القضية وغيرها من القضايا الرئيسية. وعلى وجه التحديد، سُئل المستطلعون عما إذا كانوا يوافقون على الرأي القائل بأنه "إذا قامت المملكة العربية السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، يجب على القيادة الفلسطينية أيضًا تطبيع العلاقات وإنهاء الصراع".

وخلافًا للاعتقاد الشائع، لا يوجد في المجتمع الفلسطيني موقف واحد بشأن هذه القضية وغيرها من القضايا المتعلقة بالتطبيع. وكما هو الحال مع العديد من المسائل الأخرى، تختلف المواقف حول هذه المسألة بشكل حاد بين الضفة الغربية وغزة. فثلثا سكان الضفة الغربية يرفضون اقتراح التطبيع مقابل اتفاق سعودي - إسرائيلي. وأما في غزة، فالمواقف منقسمة، حيث يؤيد 50 في المئة من سكان القطاع تطبيع العلاقات مع إسرائيل لو قامت الرياض بذلك. ومن اللافت للنظر أن 21 في المئة من سكان غزة يوافقون على هذه الفكرة بشدة، مما يشير إحصائيًا إلى أن 23 في المئة منهم لا يوافقون عليها بشدة.

ويتجلى هذا الانقسام أيضًا في مواقف الفلسطينيين حول تأثيرات اتفاقيات أبراهام على المنطقة، حيث يعتبر 47 في المئة من سكان غزة أن للاتفاقيات أثرا إيجابيا بعض الشيء، مقابل 29 في المئة من سكان الضفة الغربية. وما هو مفاجئ أيضًا أن حوالي نصف سكان غزة (42 في المئة) يوافقون على الرأي القائل "آمل أن نصبح والإسرائيليين أصدقاء يومًا ما، ففي النهاية جميعنا بشر".

وفي الضفة الغربية، تنخفض النسبة المقابلة إلى 30 في المئة فقط. والأمر الأكثر مفاجأة هو أن الأغلبية الواضحة (63 في المئة) من سكان القدس الشرقية، التي يقيم فيها ما يقارب 400 ألف فلسطيني يحتكون يوميًا مع الإسرائيليين، يوافقون "إلى حد ما" على اقتراح "الصداقة مع الإسرائيليين يومًا ما".

وعلى النطاق الأوسع، غالبية سكان غزة والضفة الغربية على حد السواء (58 و61 في المئة) يوافقون على الرأي القائل بأن “الحكومات العربية تهمل الفلسطينيين وتبدأ في تكوين صداقات مع إسرائيل لأن باعتقادها أن على الفلسطينيين أن يكونوا أكثر استعدادًا لتقديم التنازلات".

وفي حالة غزة، عبّرت نسبة مماثلة عن هذا الموقف لسنوات، بما في ذلك عندما سُئلت عن هذا الموضوع لأول مرة في عام 2019. وعلى النقيض من ذلك، فإن انتشار هذا الموقف بين سكان الضفة الغربية أحدث بكثير. فعندما طرح السؤال نفسه في يونيو من العام الماضي، وافق 38 في المئة فقط من سكان الضفة الغربية على هذا الرأي مقارنة بـ61 في المئة من الذين يوافقون عليه اليوم.

وعلاوة على ذلك، فإن ثلاثة أرباع سكان غزة يؤيدون اليوم قيام الحكومات العربية "بدور أكثر نشاطًا في صنع السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، وبتقديم حوافز لكلا الجانبين لاتخاذ مواقف أكثر اعتدالا". فقد قال نصف سكان غزة تقريبا (48 في المئة) إنهم يوافقون على هذا الرأي “بشدة”.

وفي ما يتعلق بموضوع القدس على وجه الخصوص، فإن ثلاثة أرباع الفلسطينيين في كل من المناطق الثلاث التي شملها الاستطلاع يقولون أيضًا بأنه يجب أن يكون للسعودية دور ما في مستقبل المدينة المقدسة. وتوزعت النسب على الشكل التالي: سكان غزة 73 في المئة، وسكان الضفة الغربية 71 في المئة، والفلسطينيون في القدس الشرقية 77 في المئة.

◙ ثلاثة أرباع سكان غزة يؤيدون اليوم قيام الحكومات العربية بدور أكثر نشاطًا في صنع السلام الفلسطيني - الإسرائيلي

كما تعكس هذه الأرقام رغبة العديد من الفلسطينيين في تغيير الوضع الراهن، بما في ذلك بالوسائل السلمية إن أمكن، خلافًا للتصور السائد. ويوافق نصف سكان غزة على أن حركة حماس عليها “التوقف عن الدعوة إلى تدمير إسرائيل والقبول بدلًا من ذلك بحل الدولتين الدائم على أساس حدود عام 1967”. ويؤيد على الأقل نصف سكان الضفة وغزة عودة المفاوضات مع إسرائيل بنسبتي 58 و50 في المئة على التوالي.

ومع استمرار المفاوضات بين السعودية وإسرائيل، من المرجح أن تحظى مشاركة الرياض والتنازلات الناتجة عنها بشأن القضية الفلسطينية، التي قد تحصل عليها من إسرائيل، بقبول الكثيرين في غزة.

وأما في الضفة الغربية، فقد يتوخى المزيد من السكان الحذر بشأن ما إذا كان مثل هذا الاتفاق في مصلحتهم. لكن من الواضح أن غالبية الفلسطينيين يريدون التغيير، بطريقة أو بأخرى. فمن غير المرجح، إذا وفرت الخطوات نحو التطبيع السعودي - الإسرائيلي تحسينات ذات مغزى لحياة الفلسطينيين ولو بدون إقامة دولة فلسطينية كاملة، أن ينظر إليها العديد من الفلسطينيين على أنها “طعنة في الظهر” كما أعلن بعض قادتهم.

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، تُظهر نتائج الاستطلاع المفاجئة هذه أنه إذا استمر الفلسطينيون في اعتقادهم بأن السعودية تعمل من أجل مصالحهم، فمن المرجح أن يروا الضغط الأميركي الحالي لتحقيق هذا الاتفاق التاريخي مفيدًا.

 

     معهد واشنطن

6