أجواء عام 2011 تعود إلى سوريا

اتساع احتجاجات الدروز يربك نظام الأسد.
الخميس 2023/08/31
غضب متصاعد

تعيش سوريا على وقع أحداث شبيهة بالعام 2011، حيث تتواصل الاحتجاجات في عدد من المحافظات للأسبوع الثاني ضد الأوضاع الاقتصادية وضد النظام، رغم أن بعض هذه المحافظات اتخذت موقفا محايدا في التظاهرات التي خرجت ضد الأسد منذ ثلاثة عشر عاما.

بيروت - وصلت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في جنوب سوريا أسبوعها الثاني. ورفع خلالها المتظاهرون علم الأقلية الدرزية الملون، وأحرقوا لافتات حكومة الرئيس بشار الأسد، وداهموا عدة مكاتب تتبع حزبه الحاكم.

واندلعت الاحتجاجات في البداية بسبب ارتفاع التضخم والاقتصاد المتردي في البلاد التي مزقتها الحرب. ثم تحول تركيزها، ودعا المتظاهرون إلى سقوط حكومة الأسد.

وأعقبت الاحتجاجات قرار السلطات في منتصف الشهر الحالي رفع الدعم عن الوقود، في خضم أزمة اقتصادية تخنق السوريين بعد أكثر من 12 عاما من نزاع مدمر.

وقد انطلقت الاحتجاجات في محافظتي درعا والسويداء الجنوبيتين لكن زخمها تواصل في السويداء، والتي تشهد منذ سنوات تحركات متقطعة احتجاجا على سوء الأوضاع المعيشية.

ثم تركزت المظاهرات أكثر في محافظة السويداء التي تسيطر عليها الحكومة. وهي معقل الدروز في سوريا، الذين لم يكونوا في جوهر الصراع الطويل بين الأسد والذين يحاولون الإطاحة به.

جوزيف ظاهر: السلاح يمنح الحماية للسويداء ويمنحها حكما ذاتيا
جوزيف ظاهر: السلاح يمنح الحماية للسويداء ويمنحها حكما ذاتيا

وفي مشهد لم يكن من الممكن تصوره في معقل الدروز، طرد المتظاهرون أعضاء حزب البعث التابع للأسد من بعض مكاتبهم، ولحموا الأبواب، وكتبوا شعارات مناهضة للحكومة على الجدران.

وهزت الاحتجاجات حكومة الأسد، لكنها لا تبدو تهديدا وجوديا. وتتزامن مع تعزيز القوات الحكومية سيطرتها على معظم أنحاء البلاد، وعودة دمشق إلى الحظيرة العربية وعودة علاقاتها مع معظم حكومات المنطقة.

لكن الغضب يتصاعد، حتى بين السوريين الذين لم ينضموا إلى أولى الاحتجاجات المناهضة للأسد في 2011. ولاقت تلك المظاهرات حملة قمع قاسية وجرّت البلاد إلى سنوات من الحرب الأهلية.

ويرى البعض أن القطرة التي أفاضت الكأس كانت قبل أسبوعين، حين قلّص الرئيس السوري برنامج دعم الوقود والبنزين باهظ التكلفة. وضاعف في المقابل رواتب القطاع العام ومعاشات التقاعد الضعيفة. لكن هذه الإجراءات لم تخفف الضربة بل سرّعت التضخم وأضعفت أكثر الليرة السورية المنهارة بالفعل. وعززت تبعات هذه الإجراءات الضغط الاقتصادي المسلّط على الملايين من المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر.

وسرعان ما اندلعت الاحتجاجات في السويداء ومحافظة درعا المجاورة.

وعزلت السويداء نفسها خلال العقد الماضي عن الانتفاضة السورية التي تحولت إلى صراع. وشهدت المحافظة احتجاجات متفرقة ضد الفساد والتراجع الاقتصادي. لكن سرعان ما تضخمت الحشود هذه المرة إلى المئات، وأدانت القمع السياسي الذي تمارسه حكومة الأسد.

ويرفع المتظاهرون شعارات مطالبة بـ”إسقاط النظام” تعيد إلى الأذهان التظاهرات غير المسبوقة التي شهدتها سوريا في العام 2011، قبل أن تتحول إلى نزاع دام مستمر حتى اليوم.

وقال ريان معروف، رئيس تحرير شبكة “السويداء 24” المحلية، لوكالة أسوشيتد برس، إن الشعب بلغ نقطة لم يعد بإمكانه تحمل الوضع فيها. ويرى أن كل شيء ينهار.

المظاهرات تركزت أكثر في محافظة السويداء معقل الدروز الذين لم يكونوا في جوهر الصراع الطويل بين الأسد والذين يحاولون الإطاحة به

وبينما كانت حظوظ الأسد على الصعيد السياسي تشهد تطورا جيّدا خلال الأشهر الأخيرة، كانت حياة الكثير من سكان البلاد تزداد بؤسا.

وقد قُتل ما لا يقل عن 300 ألف مدني في الصراع، ونزح نصف سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليون نسمة قبل الحرب، وأصيبت أجزاء كبيرة من البنية التحتية بالشلل، ويعيش 90 في المئة من السوريين في فقر. وتفاقم الفقر والتضخم بسبب الفساد المستشري وزلزال مدمّر في فبراير والعقوبات التي يقودها الغرب، وخسرت معها الليرة السورية أكثر من 99 في المئة من قيمتها. ولطالما اعتبرت دمشق العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها سببا أساسيا للتدهور المستمر في اقتصادها.

وقد أودى النزاع بأكثر من نصف مليون شخص وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد الملايين من السكان داخل البلاد وخارجها.

وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ببريطانيا أنه تم اعتقال 57 شخصا على الأقل في الاحتجاجات الحالية في درعا، التي غالبا ما يشار إليها بمهد انتفاضة 2011، ولكنها تحت سيطرة الحكومة الآن. لكن هذه المرة اختلفت حيث لم تستخدم القوات الحكومية القوة المميتة.

وكان الرد أكثر تحفظا في السويداء، حيث يبدو الأسد حذرا من تسليط الكثير من القوة ضد الدروز. ويُذكر أن حكومته صورت نفسها مدافعة عن الأقليات الدينية ضد التطرف الإسلامي خلال سنوات الحرب الأهلية.

وتتواجد الحكومة السورية في محافظة السويداء عبر المؤسسات الرسمية، فيما ينتشر الجيش حاليا على حواجز في محيط المحافظة.

Thumbnail

وعمل شباب المحافظة على تسليح أنفسهم على مر السنين للدفاع عن قراهم ضد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية والميليشيات المرتبطة بدمشق، التي تنتج حبوب الأمفيتامين غير القانونية المعروفة باسم الكبتاغون وترويجها.

ويرى جوزيف ظاهر، الباحث السويسري من أصل سوري والأستاذ بمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، أن هذا يوفر طبقة من الحماية للمتظاهرين. وقال “تتمتع السويداء بنوع من الحكم الذاتي المحدود على عكس المناطق الأخرى التي تسيطر عليها الحكومة”.

ويعبر البعض عن استيائهم بهدوء أكبر في دمشق واللاذقية وطرطوس وغيرها من معاقل الحكومة الحضرية. ويكتبون رسائل دعم للاحتجاجات على الورق، ويلتقطون صورا لتلك الملاحظات في شوارع مدنهم، ويشاركونها على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويعاني آخرون في صمت ويركزون جهودهم على صراعهم اليومي من أجل البقاء. ويحمل البعض في دمشق حقائب الظهر بدلا من المحافظ، حيث يحتاجون كميات كبيرة من النقود لمشترياتهم اليومية بسبب التضخم المتفشي، بينما تكافح العائلات لشراء الضروريات الأساسية.

وقالت غزوان الوادي، وهي من سكان دمشق، لوكالة أسوشيتد برس، بينما كانت تعدّ عشاء عائلتها في المنزل بعد يوم طويل في العمل، “إذا اشتريت لابني حاويتين من الحليب، فسأكون قد أنفقت كامل راتبي الشهري”.

وتسلط الاحتجاجات المستمرة الضوء على ضعف الأسد نتيجة الفشل الاقتصادي، حتى في المناطق التي حاولت الصمود في وجه الوضع وعدم تنظيم احتجاجات واسعة النطاق ضد حكمه. لكن، هل يمكن للاحتجاجات أن تهدد حكمه في نهاية المطاف؟

وقال ظاهر إن هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا تكاتف المتظاهرون.

وتابع “ترى أشكال تضامن مدن أخرى مع السويداء. لكن لا يمكنك أن تقول إن هذا التحرك سيخلق تأثيرا حقيقيا على النظام. لن ينجح الأمر إلا إذا تحقق التعاون بين المحتجين في مدن مختلفة”.

7