النفايات البشرية ثروة اقتصادية مهدورة

تزايدت الدعوات المنادية بتبني سياسات قائمة على الاستهلاك المستدام والحد من الآثار الضارة المترتبة على استنزاف الموارد البيئية. وبينما يعزو البعض ظاهرة التدهور البيئي إلى غياب السياسات الحكومية المتعلقة بهذا الشأن، يقر البعض الآخر بأن سلوك الناس اليومي هو السبب الرئيسي.
لندن - التغير المناخي أصبح ظاهرة نلمس تأثيراتها يوميا. ومع استفحال الظاهرة تتصاعد التحذيرات من آثار مُدمرة على البيئة، وبينما يوجه البعض اللوم في هذا التدهور إلى الزيادة السكانية في العالم، يرى آخرون أن التدهور البيئي ناتج عن الاقتصاد التقليدي الذي يعتمد على استهلاك الموارد وتصنيعها لتتحول إلى مواد استهلاكية ومنتجات تنتهي إلى “مكبات النفايات”، وأن هذه الظاهرة تزايدت مع الوفرة في الثروات التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الأولى.
وهو ما يتطلب تدخل الحكومات والمنظمات الدولية لوقف استنزاف الموارد التي تُكبد الاقتصاد العالمي خسائر تُقدر ببلايين الدولارات كل عام، بحسب أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة في رسالة سابقة بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على النفايات والهدر.
وتزايدت الدعوات مؤخرا لتبني سياسات قائمة على الاستهلاك المستدام عبر استخدام الموارد المادية والطاقة، بطريقة تحدّ من الآثار الضارة على البيئة وتضمن احتياجات الأفراد.
ويؤكد خبراء البيئة أن الأفراد يتحملون النصيب الأكبر للمساهمة بشكل كبير في تقليل النفايات وتحقيق الاستدامة من خلال اتباع مجموعة من الإجراءات وتغيير السلوكيات اليومية، التي تمثل “كنزاً اقتصاديا” يُمكن استغلاله.
الأمر كله يتعلق بحسن إدارة النفايات، وما ينجم عن ذلك من عوائد اقتصادية ومكاسب مالية في حال أحسن تجميعها قبل التخلص منها وإدارتها لتتحول إلى سلعة ذات قيمة اقتصادية قد تصل إلى 100 في المئة. وهو ما سيتيح للحكومات توفير ميزانيات ضخمة عن طريق إعادة استخدام النفايات وتدويرها لتصنع منها خامات جديدة بدلا من استيرادها من الخارج.
وينصح الخبراء خصوصا بضرورة استخدام البلاستيك الصديق للبيئة، وهو يصنع اليوم من مواد عضوية مثل قشور ثمرة البطاطس أو الموز، وبمجرد إلقائه على التربة يتحلل ليصبح مادة تزودها بالغذاء، على عكس المخلفات البلاستيكية التي تؤدي إلى كوارث بيئية على المدى البعيد، وهو دور يُمكن للأفراد المشاركة من خلاله بشكل مباشر في جهود حماية البيئة، وتحقيق عوائد اقتصادية هائلة جراء عملية التدوير.
ولبقايا الطعام قيمة كبيرة أيضاً؛ فبمجرد تجميعها ومعالجتها بطريقة معينة عبر تعريضها إلى درجات حرارة عالية تُحلل ويعاد استخدامها كمواد مُغذية للتُربة مرة أخرى.
ويؤكد الخبراء أن البقايا الناتجة عن استهلاك المنازل تعد كنزاً اقتصادياً يعاد استخدامه بحيث لا يؤثر على البيئة، بل على العكس يكون له مردود إيجابي، وهذا يتطلب من الأجهزة المعنية في كل دولة تجميع القمامة وتصنيفها وتوجيهها إلى جهات تصنيع ومن ثم إعادة تدويرها.
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن البشرية تنتج أكثر من ملياري طن من النفايات الصلبة المحلية سنوياً، لا يُدار منها سوى 45 في المئة. وتشير تقديرات المنظمة إلى أنه من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى ما يقرب من 4 مليارات طن بحلول العام 2050.
وتؤثر هذه النفايات بشكل غير متناسب على الفقراء، حيث يفتقر ما يصل إلى 4 مليارات شخص إلى مرافق التخلص من النفايات الخاضعة للرقابة.
60
في المئة من المخلفات المنزلية هي مواد عضوية والنسبة المتبقية مخلفات متنوعة تنتهي إلى مكب النفايات
ويُفقد أو يُهدر ما يقرب من 931 مليون طن من الطعام، ويدخل ما يصل إلى 14 مليون طن من النفايات البلاستيكية إلى النظم الإيكولوجية المائية.
وعلى عكس ما هو شائع بين الناس من أن المخلفات تشكل عبئا على الجهات المختصة، تعد النفايات إذا ما أحسنت إدارتها ثروة قومية للدول التي تحسن التعامل معها اقتصادياً عبر اتخاذ إجراءات لإدارة تلك المنظومة، ما يحمي المجتمع ككل ويحمي الاقتصاد الوطني من خسائر كبيرة تتكبدها الدول والمجتمعات. وهو عادة ما يسمى بـ”الاقتصاد الدائري”.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن النفايات تعتبر مصدرا هاما لإنتاج موارد اقتصادية مثل الرصاص والزنك والراديوم والنحاس، لذلك يجب التشديد على ضرورة التعامل مع المخلفات من منظور اقتصادي، عبر تحويل عبء التخلص منها إلى فرصة اقتصادية للاستثمار وتوفير فرص عمل، إضافة إلى حماية المجتمع من أضرار المخلفات التي لا يتعامل معها غالبية الأفراد بطريقة صحيحة.
ويحدد الخبراء مجموعة من الخطوات التي يجب العمل وفقها للحد من حجم النفايات الناجمة عن الاستهلاك الفردي والمجتمعي وتقليصها، هذا إلى جانب وقف الهدر والاستهلاك المفرط، بما يؤدي إلى توفير المال، ومن هذه الخطوات يأتي في المقدمة التقليل من الاستهلاك.
واضح هنا أن الاقتصاد في الاستهلاك هو الأساس في عملية تخفيض النفايات والمخلفات. ويؤكد علماء النفس وخبراء التسوق أن النزعة الاستهلاكية مرض يصاب به الأفراد، خاصة مع حملات الترويج والإعلان التي ازداد منسوبها وتأثيرها بفعل منصات التواصل الاجتماعي مؤخرا. وهنا لا بد من بذل الجهد للسيطرة على هذه النزعة عن طريق مراجعة النفس، والتساؤل قبل شراء أي سلعة، هل نحن حقا بحاجة إلى اقتنائها.
2
مليار طن من النفايات الصلبة تنتجها البشرية سنوياً وفقاً للأمم المتحدة لا يعاد تدوير سوى 45 في المئة منها فقط
وما ينطبق على السلع الترفيهية ينطبق أيضا على الحاجات الضرورية ومن بينها الغذاء الذي ينتهي نصفه إلى مصبات النفايات.
وتحاول الحكومات التشجيع على وقف استعمال الأكياس والعبوات البلاستيكية، خاصة أحادية الاستخدام، فهي كارثة على الأرض، لذا على الأفراد وقف استعمالها واستبدالها بأكياس متعددة الاستعمال؛ ذلك بهدف وقاية الكوكب من عواقب استخدام البلاستيك والمواد غير العضوية، والتي تتحلل بعد عشرات السنوات. وتدفع البيئات البحرية خصوصا ثمنا فادحا من جراء النفايات البلاستيكية التي تنتهي إلى البحار والمحيطات وتدمر البيئة البحرية.
وبينما تشجع دول العالم على فرز النفايات، تخلفت معظم الدول العربية عن اعتماد هذه الآلية الضرورية جدا لحسن إدارة المخلفات، حيث يمكن تقسيم النفايات المنزلية إلى ثلاثة أنواع رئيسية، هي نفايات عضوية كبقايا الطعام، وغير عضوية كالبلاستيك، وأخرى للنفايات المختلفة.
عملية الفرز مهمة جدا، حيث يمكن تحويل المخلفات العضوية إلى سماد عضوي ومواد محفزة لنمو النباتات وزراعتها في المنازل. وبدلاً من التخلص منها يمكن استخدامها بطريقة مفيدة. أما بالنسبة إلى المخلفات الإلكترونية فهناك بعض الجمعيات التي تعمل على تجميعها بهدف إعادة تدويرها.
وتهاون الناس أيضا في التعامل مع المخلفات الخطرة، التي تضم قائمة طويلة من المواد، كالأدوية والبطاريات وأجزاء كثيرة من الإلكترونيات، والتي يشكل إلقاؤها في القمامة خطورة على الوسط البيئي الذي تدار المنظومة من خلاله، لذا لا بد من التشدد في التعامل مع إدارة هذه المخلفات الخطرة عند التخلص منها. وتقع على الدولة مسؤولية تحفيز المستهلكين لاختيار بدائل وسلع ليس لها تأثير سيء على البيئة والتغيرات المناخية، من خلال تشريعات تمنع استخدام الأكياس البلاستيكية على سبيل المثال، أو تقديم حوافز إيجابية أو سلبية لاستخدامها.
ومن الأمور الأخرى التي يُمكن للأفراد الاعتماد عليها للمساهمة في تقليل النفايات وتحقيق الاستدامة، بما لذلك من عوائد اقتصادية واسعة، التوعية بضرورة اتباع نظام غذائي متوازن ومنضبط، وذلك من خلال تقليل هدر الطعام عبر التخطيط للوجبات، وتخزين الأطعمة بشكل صحيح، والبحث عن طرق لاستغلال بقايا الطعام في وصفات أخرى.
ويرتبط هذا الموضوع بشكل مباشر في الاقتصاد باستهلاك الطاقة واستخدامها بشكل فعّال. وهنا لا بد من التركيز على ضرورة إغلاق الأجهزة الكهربائية فور الانتهاء من استخدامها، واستبدال المصابيح التقليدية بمصابيح LED الأكثر كفاءة من حيث استهلاك الطاقة.
جزء كبير من السلع المعمرة التي نستخدمها داخل منازلنا ينتهي به الأمر إلى مصب النفايات، رغم صلاحيته للاستخدام. ويعتبر التبرع بالأغراض القديمة للجمعيات الخيرية أو بيعها في الأسواق الثانوية بدلا من التخلص منها بطريقة غير مستدامة خدمة كبيرة يمكن أن يقدمها الأفراد للحفاظ على البيئة.
يضاف إلى ذلك بالطبع استخدم وسائل النقل العام، والدراجات الهوائية للتنقل، أو مشاركة رحلات السيارات مع الآخرين عوضا عن التنقل منفردين بسيارات خاصة لتقليل الانبعاثات الكربونية.
الحديث لن يكون له فائدة ما لم تقم الجهات المعنية بدورها في نشر التوعية، ومشاركة المعلومات والنصائح حول الاستدامة مع الأصدقاء والعائلة والمجتمع، لتشجيع الآخرين على اتخاذ خطوات إيجابية مماثلة أيضاً.
ويمكن إدراك أهمية الخطوات السابقة إذا عرفنا أن 60 في المئة من المخلفات المنزلية هي مخلفات عضوية، والنسبة المتبقية هي عبارة عن مخلفات متنوعة بين البلاستيك وعلب المشروبات الغازية المعدنية والزجاج والورق، وأن كل ما يخرج من المنازل من بقايا استخدام الأفراد يعاد تصنيعها مرة أخرى واستخدامها بدلا من أن تنتهي إلى مكب النفايات.
الجميع بات يدرك اليوم أن البشرية لم يعد لديها ترف الانتظار قبل حدوث الكارثة، لأن الكارثة وقعت فعلا، ونحن نواجه اليوم تغيرات مناخية تهدد الحياة على كوكب الأرض ما لم يساهم كل فرد بنصيبه في الحفاظ على الموارد الطبيعية وصيانتها.