مواجهة الاحتكار لا تلغي وجود صعوبات لاستيراد القمح في تونس

تونس تشهد أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا وارتفاع كلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية بسبب الحرب الأوكرانية.
الأحد 2023/08/27
انتاج محلي محدود

تونس- لم تهدأ أزمة شح السلع الأساسية في السوق التونسية خلال العام الجاري، وفي صدارتها القمح والطحين، في وقت تتهم الدولة جهات باحتكار هذه السلع بهدف إثارة توترات اجتماعية. وتسعى الحملة التي يقودها الرئيس قيس سعيد بشكل مباشر للحد من آثار الأزمة على المواطنين.

لكن الحديث عن وجود احتكار ولوبيات تتحرك من وراء الستار لإرباك الوضع لا يخفي وجود صعوبات مالية تمر بها الدولة وتقف وراء استمرار ندرة المواد الغذائية في الأسواق المحلية. وهو أمر تعترف به الحكومة وتسعى للبحث له عن حلول.

ولم تنجح تونس لحد الآن في تحصيل التمويلات الكافية التي تساعدها على شراء حاجياتها من السوق العالمية، وخاصة القمح.

رضا الشكندالي: الوضعيات الاحتكارية والمضاربة تُخلق من وضعيات الندرة
رضا الشكندالي: الوضعيات الاحتكارية والمضاربة تُخلق من وضعيات الندرة

وحول حديث السلطات التونسية عن الاحتكار والمحتكرين الذين يقفون وراء ندرة المواد الأساسية وخاصة الخبز، قال الخبير الاقتصادي معز بن حديدان إن “الاحتكار هو مستوى ثان لأن من يحتكر شراء الحبوب من الخارج أو من المزارعين في تونس هي الدولة”.

وأضاف بن حديدان أن بلاده توزع الحبوب عن طريق ديوان الحبوب (حكومي) على المطاحن، والمطاحن بدورها حسب الكمية المصنعة تأخذ دعما من الدولة، وتعيد توزيع الطحين على المخابز بسعر مدعم، والدولة تعطي دعما للمخابز حسب ما تحصلت عليه من كميات.

وأقر بأن “الفساد والاحتكار في الحبوب موجودان منذ سنوات عديدة، ولم يكونا يظهران إلى العلن، لأن الكميات كانت كافية لتغطية السوق.. الفساد ظهر اليوم بسبب شح الإمدادات”.

وزاد “كميات الطحين أصبحت غير كافية لسد حاجة السوق المحلية.. لأن الدولة لها صعوبات مالية في توفير الحبوب بكميات أكبر”.

وما يزيد من حدة هذه الأزمة هو تراجع الإنتاج المحلي بشكل كبير. وقالت وزارة الزراعة التونسية إن محصول البلاد من القمح تراجع هذا العام بنسبة 60 في المئة إلى 250 ألف طن بسبب الجفاف.

ومنذ 2021، تراجع إنتاج الحبوب في تونس لأسباب مناخية، انتقلت تداعياته بعد ذلك إلى السوق المحلية من حيث عدم توفر كميات كافية من القمح المستخدم في إنتاج الخبز.

ويرى الأستاذ الجامعي في الاقتصاد رضا الشكندالي أن “الوضعيات الاحتكارية والمضاربة تُخلق من وضعيات الندرة”.

وأضاف الشكندالي في تصريحات للأناضول “تكون السلع غير متوفرة لأن الدولة التونسية ليس لها الموارد من العملة الصعبة اللازمة لتوفير الكميات اللازمة للسوق الداخلية”.

ووفق الشكندالي، فإن شعار “خبز واحد لكل التونسيين (رفعه الرئيس قيس سعيد لمواجهة أزمة الخبز لمواجهة المحتكرين والمضاربين) جيّد، لكنه يخفي صعوبات مالية على مستوى توفير القمح بالكميات اللازمة”.

◙ كميات الطحين أصبحت غير كافية لسد حاجة السوق المحلية، لأن الدولة لها صعوبات مالية في توفير الحبوب بكميات أكبر

وبالنسبة إلى الخبير الاقتصادي بن حديدان، فإن “الفساد ظهر الآن لأن الدولة تمر بصعوبات مالية، لكن السبب الرئيسي هيكلي وهو منوال الدعم.. الدولة في ضوء عدم وجود تمويلات كافية من الخارج لم تتمكن من التوريد”.وأضاف أن “الدولة تحتكر شراء الحبوب من الخارج، وتضبط سعر شرائها من المزارعين، ولأن ثمن الحبوب لا يغطي كلفة الإنتاج، فإن العديد من المزارعين عزفوا عن زراعة الحبوب”.

وتابع “في عام 2002 كان لدينا 1.5 مليون هكتار تزرع حبوبا، الآن لنا فقط مليون هكتار، فثلث المساحات اضمحل، وفي 2002 كان لكل 10 آلاف مواطن 1500 هكتار حبوب.. الآن لنا 850 هكتارا فقط لكل 10 آلاف ساكن”.

وحول اتهام الدولة بأنها تركت الأزمة تتصاعد لرفع الدعم دون كلفة اجتماعية، يقول بن حديدان “رفع الدعم لا يكون إلا بزيادة سعر الخبز.. ربما نفس الأسلوب في التعامل مع مادة القهوة، التي سحبت ثم أعيدت بعد زيادة سعرها بـ30 في المئة”.

وأضاف “ربما الدولة تستغل هذه الفرص للزيادة في ثمن الخبز”.

ورأى الشكندالي أن “رفع الدعم يعطي رغيفا بـ250 مليما (0.083 دولار) ولكن هذا بالنسبة إلى هذه السنة، وإذا ارتفعت الأسعار العالمية للحبوب لا يبقى نفس السعر”.

معز بن حديدان: الفساد والاحتكار في الحبوب موجودان منذ سنوات عديدة، ولم يكونا يظهران إلى العلن
معز بن حديدان: الفساد والاحتكار في الحبوب موجودان منذ سنوات عديدة، ولم يكونا يظهران إلى العلن

وتابع “إذا زادت الدولة في السعر، فأنت ذهبت في تحرير الأسعار لكن غدا لا يمكنك التحكم في سعر الخبز لدى المخابز، هذه الطريقة ستؤدي إلى زيادة التضخم المالي التي قد تؤدي إلى الاحتقان”.

إلا أن الأمر يختلف عند الخبير الاقتصادي بن حديدان، حيث يقول إن “الدولة لا بد أن تتخلى عن الدعم، هناك ثمن اجتماعي للخروج من الأزمة، وتونس في أزمة مالية خانقة وليس هناك خروج من أزمة لأي دولة في العالم دون دفع ثمن”.

وأكد “اليوم نحن ننتج أقل بكثير مما نستهلك، ونريد أن تنخفض الأسعار.. هذه عملية مستحيلة إذا لم تكن البلاد دولة نفطية أو غنية، يجب القيام برفع الدعم تدريجيا”.

وحول إمكانات للخروج من وضع الندرة، قال الشكندالي “في ظل الوضعية المالية للدولة، الخروج من الأزمة صعب، فحكومة نجلاء بودن أخذت الموافقة التقنية من صندوق النقد الدولي للحصول على قرض، ولم تحوله إلى اتفاق نهائي الأمر الذي جر إلى شح الموارد من العملة الصعبة.. نأمل أن ينجح أحمد الحشاني (رئيس الحكومة الحالي)”.

وأضاف “لا بد من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ووضع برنامج إنقاذ مالي يتكون من 4 محاور، الفوسفات، والشركات المصدرة كليا، وتحويلات التونسيين بالخارج، والأموال المتداولة في السوق السوداء من العملة الصعبة”.

وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا وارتفاع كلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية إثر الحرب الروسية – الأوكرانية المستمرة.

6