أطفال غزة يحلمون بثياب وحقائب جديدة للعودة المدرسية

غزة (فلسطين) - أيام قليلة تفصلنا عن موسم العودة المدرسية وشبح المصروفات الذي تحمل همه كل أسرة، ولا يخلو بيت من وجود إما أبناء أو أحفاد في المراحل التعليمية المختلفة، ولا بد من شراء اللوازم المدرسية التي يحتاجها المقبلون على الدراسة.
ومهما بلغ حجم المصروفات لا غنى عن تلك الأدوات الأساسية التي يحتاجها التلاميذ (أدوات مكتبية وكراسات وملحقاتها)، ناهيك عن الملابس الجديدة التي يفضل الأطفال العودة بها إلى مدارسهم.
الفقر وزيادة أسعار اللوازم المدرسية هما السببان الأساسيان اللذان أجبرا أم محمد على أن تقف منتظرة دورها في طابور من المواطنين المصطفين أمام صاحب ماكينة خياطة في سوق الزاوية وسط مدينة غزة، وفي أيديهم أحذية قديمة وحقائب مهترئة جاءوا ليعيدوا “صيانتها” كي يستقبلوا العام الدراسي الجديد، والذي يأتي على وقع ظروف اقتصادية خانقة، حيث تسجل نسب الفقر والبطالة معدلات غير مسبوقة.
الفقر والعوز يدفعان أطفال غزة إلى العمالة المبكرة فيُحرمُون من حقهم في الرعاية الأسرية والاجتماعية والنفسية
وعلى الرغم من أن أمنية كل الأطفال في هذه المناسبة هي العودة إلى المدرسة بثياب جديدة وحقيبة جديدة إلا أن أغلب العائلات عاجزة عن تحقيق هذه الأمنية لفلذات أكبادها.
تقول أم محمد، وقد دفعت ثلاثة شواكل لصاحب الماكينة بعدما خاط لها حذاء مدرسيا، “العودة المدرسية على الأبواب وزوجي عاطل عن العمل، وأنا هنا لأنني لا أستطيع شراء ملابس وأحذية جديدة لأولادي المقبلين على الدراسة”.
وبعد أن تقطعت بها كل السبل لشراء ملابس وأحذية جديدة تقول “لا خيار سوى أن يستخدموا ملابس وأحذية وحقائب العام الماضي، خاصة وأن لدي أربعة أبناء مقبلين على الدراسة، والوضع صعب جداً فنحن نعيش من يد الناس”.
وتختم حديثها “ناهيك عن المواد المكتبية التي لا أعلم كيف سأوفرها لهم. أضطر أحياناً إلى بيع شيء من المعونات الغذائية التي نتلقاها كي ألبي أقل القليل من احتياجاتهم”.
أما المواطن مراد شوقي (43 عاماً) فقال “أنا رب أسرة معدمة، أبيع الشاي والقهوة على أحد مفترقات الشوارع”.
وتابع “ابنتي وابني يتشاركان حقيبة مدرسية واحدة، يستخدمها أحدهما صباحاً والآخر مساءً، وهي حقيبة قديمة بالية ولم تعد صالحة للاستعمال لكن ما باليد حيلة”.
ويضيف “كل عام أقوم بخياطة هذه الحقيبة التي لا أستطيع توفير غيرها لهما، فعملي بالكاد يكفي لإطعام عائلتي”.
ويختم “حتى ميدعة ابنتي، أقوم بخياطتها إذا لزم الأمر. هذا هو الحال لدى الأسر الفقيرة مثلنا، ولا يشعر أحد بمعاناتنا، ناهيك عن أن أولادي يذهبون إلى المدرسة مشياً على الأقدام ولمسافات طويلة، والشتاء على الأبواب”.
الحركة في أسواق غزة عادية وخاصة فيما يتعلق بلوازم العودة المدرسية التي تفصلنا عنها أيام قليلة، والباعة يعتبرونها حركة خجولة حيث يؤكد بعض تجار الملابس والحقائب المدرسية أن الزبائن يبحثون عن البضائع الرخيصة، وأن ذلك اضطرهم إلى تخفيض نسب الأرباح من أجل استمرار بيع بضائعهم.
ويقول محمد العوض، أحد الباعة، “الحركة ضعيفة والبيع ليس كما المأمول، وكل عام يزداد الأمر سوءا، ونحن نعاني جراء هذا الأمر، وخسائرنا أضحت تتزايد”.
ويضيف “يأتي الزبون فيسمع الأسعار، فيذهب إلى محلات الأشياء المستعملة لشراء اللوازم المدرسية لأولاده”.
ويقول صاحب أحد مصانع الحقائب المدرسية فضل عدم ذكر اسمه “الإقبال على شراء الحقائب المدرسية ضعيف هذا الموسم، نتيجة وضع البلد الاقتصادي، كما أن الزبون يمتعض بشدة من الأسعار التي نحرص على أن تكون في متناول الجميع”.
ويضيف “يضطر المواطن إلى شراء حقيبة أرخص، وبجودة دون المستوى، أو شراء حقيبة مستعملة، أو خياطة حقيبة قديمة”.
ويقول نائب رئيس اتحاد الصناعات الجلدية فتحي عوض “كان لدينا 43 مصنعا للحقائب المدرسية، بقيت منها 3 إلى 4 مصانع بسبب ظروف غزة، ونتيجة الاستيراد غير المضبوط”.
ويدفع الفقر والعوز أطفال غزة إلى العمالة المبكرة. يقول مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان فضل المزيني لوكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) إنه “بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 16 عاماً، ونتيجة تداعيات الانقسام، ارتفعت نسبة البطالة إلى معدلات غير مسبوقة وصلت إلى نحو 43 – 44 في المئة، ونسبة الفقر ارتفعت إلى ما بين 50 و55 في المئة، وانعدام الأمن الغذائي وصل إلى نحو 64 في المئة، وبالتالي انعكس ذلك على حقوق الأطفال، وأصبحت بعض العائلات غير قادرة على الإنفاق على أطفالها ودفعت بهم إلى سوق العمل”.
وأشار المزيني إلى أن عمل الأطفال غير مشروع في كل الأحوال وله انعكاساته على الطفل والمجتمع، مبينا أنه ينعكس على نفسية الطفل وحقوقه، ويحرمه من أشكال الرعاية الأسرية والاجتماعية والنفسية التي من المفترض أن يحظى بها، ويعرضه للإهانة والأذى من صاحب العمل، لاسيما أن أغلب الأطفال العاملين يمتهنون مهنا لا تناسب أحجامهم وأعمارهم، ولا يتقاضَون أجراً مناسباً، وكذلك يتم حرمانهم من الحقوق العمالية والتأمين الصحي والإجازات.