التحقيق مع رئيس جمعية القضاة التونسيين يجدّد المواجهة بين القضاة والسلطة

الكاف (تونس) - استجوبت المحكمة الابتدائية بولاية الكاف شمال غرب تونس، الاثنين، رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمايدي بتهمة تعطيل حرية الشغل، في خطوة من شأنها أن تفتح حلقة جديدة من المواجهة بين القضاة والسلطة التنفيذية في البلاد.
ويأتي التحقيق مع الحمايدي على خلفية احتجاجات وإضرابات قادتها جمعية القضاة في شهر يونيو 2022 في كافة محاكم البلاد ضد قرار الرئيس قيس سعيد إعفاء 57 قاضيا اتهمهم بالفساد والتستر على ملفات قضائية لمتّهمين بالإرهاب.
وكان مجلس القضاء العدلي المؤقت قد رفع في شهر سبتمبر 2022 الحصانة عن رئيس جمعية القضاة التونسيين على خلفية إذن من وزيرة العدل بفتح بحث إداري ضدّه وتعهيدها تفقدية الوزارة بإجراء ما يلزم من أبحاث.
واعتبرت منظمات نقابية تونسية، من بينها جمعية القضاة التونسيين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان ونقابة الصحافيين، أن إحالة الحمايدي على التحقيق هو "استهداف للحق النقابي للقضاة"، ويندرج في إطار "مواصلة ضرب السلطة لاستقلال القضاء والاعتداء على حق القضاة والقاضيات في التعبير عن رفضهم لتدجين السلطة القضائية"، مطالبة بإسقاط جميع التهم وإيقاف التتبّعات الجارية ضده.
كما اعتبرت هيئة الدفاع أن التحقيق مع الحمايدي على خلفية نشاطه كرئيس لجمعية القضاة التي تدافع عن المصالح المادية والمعنوية للقضاة يندرج في إطار مواصلة ضرب السلطة لاستقلال القضاء والاعتداء على حق القضاة والقاضيات في التعبير عن رفضهم لتدجين السلطة القضائية.
◙ وزارة العدل أكدت أنها تجري تتبعات لقضاة معزولين في ملفات ترتبط بالفساد المالي وجرائم ذات صبغة إرهابية وأخرى تتعلق بالرشوة وغسيل الأموال
ووصفت هذه المحاكمة بأنها "تعكس إمعانا، على وجه الخصوص، في استهداف الحق النقابي للقضاة وفي مواصلة هرسلة القضاة المباشرين من خلال السعي لبث مناخات الخوف والترهيب في صفوفهم".
وفي وقت سابق تعهد الرئيس سعيد في أكثر من مرة باحترام استقلال القضاء دون التراجع عن محاسبة القضاة الذين ثبت تورطهم في عدد من القضايا وإصلاح المنظومة القضائية، وذلك ردا على الاتهامات التي تلاحقه بالهيمنة على القضاء وفرض ضغوط عليه.
وتجدر الإشارة إلى أن الدستور الجديد ينّص على أن يقوم الرئيس بتعيين القضاة بناء على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء الذي كانت له سابقا هذه الصلاحية.
وكان الرئيس سعيد قد اتخذ في يونيو 2022 قرارا بعزل 57 قاضيا من مهامهم موجها إليهم اتهامات بالتورط في "قضايا أخلاقية والتستر على جرائم إرهابية وقضايا أخرى تتعلق بالفساد المالي".
وضمت القائمة التي أعفاها سعيّد كبار قضاة البلاد مثل يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء المنحل، والبشير العكرمي وهو قاض يتهمه نشطاء سياسيون بأنه أخفى ملفات قضايا إرهابية وبأنه على علاقة وطيدة بحزب النهضة الإسلامي، الأمر الذي ينفيه الحزب.
وحل سعيّد في وقت سابق المجلس الأعلى للقضاء وعوضه بمجلس مؤقت في خطوة قال معارضوه وقضاة إنها تهدف إلى فرض تحكمه في السلطة القضائية. ولطالما كرر سعيّد أن القضاء وظيفة وليس سلطة واتهم قضاة بأنهم متورطون في علاقات مشبوهة مع أحزاب سياسية.
وذكرت وزارة العدل في وقت سابق أنه تجري ملاحقة قضاة معزولين في ملفات ترتبط بالفساد المالي وجرائم ذات صبغة إرهابية وأخرى تتعلق بالرشوة وغسيل الأموال والتحرش الجنسي وغيرها.
ووصفت منظمات نقابية قضائية قرار العزل بـ”المذبحة”، معتبرة أنه “طال القضاة الذين انتقدوا قرارات رئيس الجمهورية في علاقة باستقلال القضاء، مما شكل محاكمة للأصوات الحرة وتعديا على حق القضاة في التعبير”.
لكن الرئيس سعيّد دافع عن قراره بالقول في اجتماع وزاري سابق “لقد أعطيت الفرصة تلو الفرصة والتحذير تلو التحذير حتى يطهر القضاء نفسه ولا يمكن أن نطهر البلاد من الفساد ومن تجاوز القانون إلا بتطهير كامل للقضاء”.