لماذا الاستنجاد بالرقابة الدولية في انتخابات الرئاسة المصرية

أصوات أخرى، بخلاف الطنطاوي وبدراوي والسادات، بدأت تطالب بإجراء انتخابات تتوافر لها كل عوامل النزاهة.
الأحد 2023/08/13
تشكيك مبكر في نزاهة الانتخابات

القاهرة - مع أن الهيئة العليا للانتخابات شرعت في عقدت اجتماعاتها التمهيدية ولم تعلن عن موعد محدد لإجراء انتخابات الرئاسة، إلا أن أحد المرشحين المحتملين استبق موقفها بضرورة أن تكون هناك رقابة من منظمات دولية ذات مصداقية عالية، ونصح سياسي آخر الرئيس عبدالفتاح السيسي بعدم الترشح لفترة رئاسية ثالثة.

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة في غضون الفترة المقبلة موعد إجراء الانتخابات والضوابط اللازمة لها وفقا لضوابطها، حيث ينص قانونها على تحديد الموعد قبل أربعة أشهر من إتمامها، على الأقل، والذي يجب ألا يتجاوز شهر أبريل القادم.

وكشفت مصادر مصرية لـ"العرب" أن الانتخابات يمكن أن تجرى في شهر ديسمبر المقبل، ما يعني أن الإجراءات العلمية يمكن أن تعلن في غضون شهر أغسطس الجاري، الأمر الذي جعل المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي يسارع بطلب رقابة دولية على الانتخابات لضمان الشفافية والنزاهة والمصداقية، من وجهة نظره.

ووضعت قوى معارضة تشارك في الحوار الوطني بينها والحكومة قائمة من المطالب منذ أسابيع، من بينها أهمية وجود إشراف قضائي مصري كامل على الانتخابات، اتساقا مع مناشدة سابقة قدمتها للرئيس السيسي بإنهاء مهمة الهيئة العليا للانتخابات الحالية في يناير المقبل وعدم التجديد لها، لأن قانونها لا يحوي إشرافا قضائيا كاملا.

ويُفسر التوجه نحو إجراء الانتخابات قبل يناير على أنه تنصل من إدخال تعديل على مسألة الإشراف القضائي النسبي الذي تم العمل به في الانتخابات السابقة عام 2018، وتفويت الفرصة على تلبية طلب المعارضة بشأن الإشراف القضائي الكامل بذريعة أن قانون هيئة الانتخابات الراهن لا يسمح بذلك.

حسام بدراوي المعروف بمحاولاته الإصلاحية قبل سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك نفى أن تعني انتقاداته خوضه الانتخابات القادمة
◙ حسام بدراوي المعروف بمحاولاته الإصلاحية قبل سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك نفى أن تعني انتقاداته خوضه الانتخابات القادمة

وكاد الحديث عن إجراء انتخابات مبكرة الفترة الماضية يتحول إلى كرة ثلج تتدحرج على بعض الملفات، وحمّلها سياسيون تأويلات مختلفة إلى أن اختفت من المشهد العام.

وأشارت المصادر ذاتها لـ"العرب" إلى أن الغموض الحاصل حول الانتخابات وتوقيت إعلان الرئيس السيسي ترشحه رسميا يؤكدان وجود تباين في تقديرات الموقف من الموعد والطريقة التي يمكن أن تتم من خلالها الانتخابات، إذ يعزز إتمامها قبل بداية العام المقبل عدم وجود تغيير في عملية الرقابة، بينما التأخير إلى يناير وما بعده يشي بالاستجابة لمطالب التعديل والتغيير فيها.

ونكأ طلب الطنطاوي من هيئة الانتخابات الرقابة الدولية جرحا غائرا في مصر، حيث تعد الرقابة الخارجية عملية في غاية الحساسية وعندما تمت في فترات سابقة جرت بصورة انتقائية وهامشية، لأن السلطات المصرية تتعامل معها على أنها تحوي تشكيكا مسبقا في نزاهة الانتخابات.

ويصعب أن تتقبل الدولة المصرية عموما، وبعيدا عن أسماء المرشحين المحتملين، فكرة الرقابة الدولية الممتدة على الانتخابات، لأنها تعتبر بمثابة مساس بهيبة الدولة، وربما يتم توظيفها سياسيا من قبل بعض الجهات المعارضة التي تعوّل على تقارير بعض المنظمات الحقوقية وانتقاداتها المستمرة والمجحفة أحيانا ضد النظام المصري.

وبصرف النظر عن حقيقة الشكوك فهي تضع حملا سياسيا ثقيلا على هيئة الانتخابات، وتفرض التقيد بمنع التزوير والرشاوى والتجاوزات التقليدية، وهو ما دفع الطنطاوي وأحزاب وشخصيات معارضة للتمسك بالرقابة المُحكمة من قبل الهيئة القضائية في مصر، أو منظمات حقوقية محلية وخارجية كضامن لعدم التلاعب بالنتائج.

ويميل النظام المصري إلى تنظيم انتخابات لها مصداقية هذه المرة وتتوافر لها عوامل منافسة حقيقية للمرشحين، ومن المؤكد أن الرئيس السيسي سوف يجتازها بنسبة ليس بالضرورة أن تكون بغالبية كاسحة. ولا يستلزم الفوز هذه المرة الحصول على نسبة طاغية في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية قاسية، كما أن معظم الأسماء التي تم تداولها في بورصة المرشحين لا يوجد من بينها من يشكل تهديدا كبيرا للسيسي في الانتخابات، مهما كانت صرامة الرقابة والإشراف القضائي الكامل، وذلك حال إعلانه خوض الانتخابات لمرة ثالثة.

وتزامن حديث الطنطاوي عن الرقابة الدولية مع تصريحات غير معتادة أدلى بها المستشار السياسي للحوار الوطني حسام بدراوي، حوت مناشدة بعدم ترشح السيسي في الانتخابات المقبلة، وانتقادات حادة للأوضاع السياسية والاقتصادية وتدخل الجيش في أمور مدنية، ما أعطى نكهة ساخنة للأجواء الراهنة في مصر. ونفى بدراوي، وهو قيادي في الحزب الوطني المنحل ومعروف بمحاولاته الإصلاحية قبل سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، أن تعني انتقاداته خوضه الانتخابات.

المثير أن أصواتا أخرى، بخلاف الطنطاوي وبدراوي، وقبلهما محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية، بدأت تعلو وتطالب بإجراء انتخابات تتوافر لها كل عوامل النزاهة، وهي نغمة جديدة على الساحة السياسية في مصر التي لم تعرف هذا النوع من التصريحات الجريئة والمناشدات الواضحة، وتقابل بصمت من السلطة، ولا يعتقل من أدلوا بها أو تطلق عليهم أبواق إعلامية تابعة للنظام الحاكم.

◙ نزاهة الانتخابات برقابة من منظمات حقوقية محلية وخارجية وإشراف قضائي كامل لن تمثل ضررا لمكانة الرئيس عبدالفتاح السيسي

ويتضافر مع كل ذلك ارتفاع ملموس في منسوب الانتقادات السياسية على مواقع التواصل الاجتماعي من جانب شخصيات معروف أنها قريبة من السلطة، وجميعها ترى أن انتخابات الرئاسة سوف تكون مفصلية في مصر، وإما أن تصحح الأوضاع الخاطئة أو تزيدها غموضا. ولم يجد إعلان بعض قادة الأحزاب السياسية رغبتهم في الترشح للانتخابات قبولا في الشارع المصري، فليس من بينهم وجه سياسي يمكنه خوض المنافسة بجدية، وظهروا كأنهم “محللون” يريدون إضفاء شكل ديمقراطي على العملية الانتخابات كي لا يبدو المشهد السياسي مسرحية هزلية، أو أن الرئيس السيسي مرشح وحيد فيها.

ويقول مراقبون إن هذه الطريقة لا تحظى بموافقة داخل قيادات في الدولة وتراها خطرا داهما لأنها تفرغ الانتخابات من أيّ مضمون جاد، وترسخ انطباعات المصريين على أن من يترشحون بلا وزن في الشارع يسيئون إلى النظام الحاكم ولن يفيدوه مستقبلا. ويضيف هؤلاء المراقبون أن نزاهة الانتخابات برقابة من منظمات حقوقية محلية وخارجية وإشراف قضائي كامل لن تمثل ضررا لمكانة الرئيس السيسي الذي لا تزال شعبيته تمكنه من الفوز بأريحية في أيّ انتخابات، خاصة عندما ينظر المصريون إلى ما يتوافر من أمن واستقرار ومشروعات مترامية في بلدهم.

ويريد المواطنون من الرئيس السيسي أن يعيد إليهم ما فقدوه من أمل في المستقبل عقب تراكم الأزمات الاقتصادية، وأيّ عملية مكاشفة سياسية صريحة تشمل استعدادا كبيرا لتصحيح بعض المسارات سوف تلغي ما تم الحديث عنه من تراجع في شعبيته، وتسترد جانبا مهما مما خسره من تناغم نتيجة أخطاء في بعض التقديرات.

4