إضراب هوليوود: دق مسمارك واذهب

الفوضى تضرب قطاع الإنتاج الدرامي التلفزيوني والسينمائي في هوليوود. هنا نتحدث عن هوليوود وليس عن أزمة إنتاجية في بلد أو أستوديوهات أو قطاع بعينه. هذه قلب ما نراه يوميا، حول العالم سواء كإنتاج مباشر أو ما يتبعه من دبلجات وترجمات وإعادة إنتاج. البث التدفقي أهم اختراع ترفيهي بعد الإنترنت والفضائيات. وها هو، بكل مئات المليارات من الدولارات المخصصة له من كبار المنتجين والموزعين، على المحك.
مخاطر الفوضى كبيرة، ولكن شهدنا مثلها ليس منذ وقت طويل، وإن كان بأعراض أقل. تذكرون أيام كنا نشتري الكاسيت والسي دي ونسمع موسيقى. أين صارت الآن؟ النموذج الذي كان قائما انهار بالكامل، ولم يبق منه شيء، إلا بالطبع أساسه، وهو الفن نفسه من كلمات ولحن وأصوات مبدعة وتجديد وإثراء. لكن لا صناعة الموسيقى هي نفسها، ولا يفكر أي فريق غنائي أو موسيقي بالعمل وفق نموذج الإنتاج والتوزيع القديم.
المخاطر مركبة اليوم لأنها تضرب على كل المستويات في منطقة حرجة فيها الكثير من المال والكثير من المصالح، والكثير من التأثير المزلزل للتقنيات الحديثة. يمكنك أن تلهي نفسك بإعادة الاستماع إلى أغنية من أرشيفك. هل يمكنك فعل نفس الشيء بأن تعيد مشاهدة مسلسل مرة أخرى انتظارا للتأخر في إطلاق الموسم الجديد فيه بسبب تعرقل الإنتاج وإضراب الفنيين؟ لا أظن أن هذا وارد. لدينا انتقائية ميالة موسيقيا بحكم قصر الأغاني وطول الدرامات.
لكادر مساعد في إنتاج درامي عربي يبدو الزملاء في هوليوود في ترف. بالنهاية هم يحصلون على “عشرات الآلاف” من الدولارات سنويا. ماذا نقول نحن؟ لكن الأمر ليس بهذه السهولة. الإنتاج هناك أعقد بكثير. شاهد قائمة المشاركين في آخر أي فيلم أو مسلسل، وسترى المئات من الأسماء والتكاليف والإنفاق. وهذه شبكة معقدة، عادة هي أصغر بكثير وأبسط في عالمنا.
الذكاء الاصطناعي هدد شبكة الإنتاج هذه، حتى وإن كان الأمر ينتهي بتحقيق عوائد أموال ليست بكارثية. المساعدة الإنتاجية وظيفة وليست دورا الآن. يعني عندما يضيف فني لقطة تحريك من قبل، كان يبدعها رسما حتى من على الكمبيوتر المتطور. اليوم هو موظف، ينادونه للقيام بمهمة لكذا ساعة ويأخذ أجرته وانتهى الأمر. شيء أشبه بمساواة الفني المبدع بالنجار في أستوديو تصوير: دق مسمارك واذهب!
الإضرابات ليست وليدة فعل الذكاء الاصطناعي في عالمنا بأن يستبدل شيئا بآخر. بل لأنه يلغي نموذجا قائما. شركات الإنتاج والتوزيع تدرك ما تفعله، لكن ليس لها الكثير من الخيارات. سبق أن وقفت هي وأمثالها “عزلا” أمام هزة صناعة الموسيقى.
هل تساوت الرؤوس بين عالم متقدم لديه كل الإمكانيات وعالمنا الذي لا يزال يتخطى خطواته الأولى في عالم الإنتاج على واسع أو البث التدفقي؟ لا أعتقد. وضعنا، ربما للمرة الأولى ولفترة تمتد لبعض الوقت أفضل.